كتاب ومقالات

المخدرات.. الفكرية

السيد محمد علي الحسيني

تشكل المخدرات خطراً دامساً يهدد حياة البشر والمجتمعات وإن انتشارها بات يشكل هاجساً أمنياً واجتماعياً ودينياً دفع بمختلف الجهات والأجهزة الأمنية والمؤسسات التربوية والاجتماعية والدينية والإعلامية إلى العمل المشترك للوقاية من هذه الظاهرة لوضع حد لها والقضاء عليها، وفي إطار متابعته وحرصه الشديد على حماية المجتمع والشباب من هذه الآفة القاتلة، أصدر ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمراً للقيام بحملات أمنية وتوعوية لمحاربة المخدرات والقبض على مروجيها ومتعاطيها تتشارك فيها عدة جهات دينية واجتماعية وإعلامية وأمنية معنية بمكافحة هذا المرض السرطاني المدمر لخلايا النسيج الاجتماعي وأفراده، وهي خطوة مباركة، الهدف الأول والأخير منها الحفاظ على المجتمع واستقراره وأمنه، خصوصاً أن تداعيات هذه الآفة لا تنحصر في زاوية محددة، بل تتعدى ذلك إلى تخريب عقول الشباب والسيطرة على أفكارهم من خلال شلها وزرع مختلف الأفكار الضالة والمنحرفة لاستخدامهم في مختلف المشاريع المشبوهة كقنابل موقوتة يتم تفجيرها في أي لحظة.

يحرص الإسلام على سلامة عقل الإنسان وصحته الجسدية والنفسية والروحية والعقلية ولا يرضى بأي حال من الأحوال بتخريبها أو تهديد سلامتها بالقليل أو الكثير بل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) قال: «ما أسكر كثيره فقليله حرام»، ومن هنا حرم الله شرب الخمر لأنه يذهب العقل وجعله من أعمال الشيطان «إنما يريد الشيطان ليوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون»، وقياساً على ذلك تم تحريم المخدرات سواء بإدمانها أو المتاجرة بها والتي تعد أكثر خطورة بل تشكل جريمة قد تصل عقوبتها في بعض الدول إلى الإعدام بالنظر إلى نتائجها وآثارها الكارثية على الفرد والمجتمع وعلى أمن الدولة واستقرارها، ومن المهم هنا التأكيد على أن علة تحريم المخدرات في الشريعة الإسلامية كونها من الخبائث كما قال تعالى: «ويحرم عليهم الخبائث»، وسواء أكان المخدر مادياً أي يتم تعاطيه أو معنوياً كالأفكار المتطرفة والضالة والمنحرفة فكلها تشكل ضرراً مادياً أو معنوياً يترتب معه التحريم.

لا شك أن للمخدرات الكثير من الأضرار الصحية والعقلية والنفسية والاجتماعية كما ذكرنا سابقا ولكن لن نتعمق في أضرارها الصحية بقدر ما سنتحدث هنا عن تأثيرها على العقل سواء كان التخدير مادياً أو فكريا، ولقد رأينا ذلك على أرض الواقع كيف تم تخدير الشباب للسيطرة عليهم والزج بهم في الكثير من المتاهات من جهة وتسميم عقولهم بمختلف الوسائل والطرق واللعب على وتر الدين بأفكار منحرفة للهيمنة عليهم ومغنطة عواطفهم، وأشد أنواع المخدرات وأكثرها فتكاً تخديرعقول الناس فكرياً وتسميم أذهانهم بأفكار سامة ومفاهيم خاطئة تحرض على العنف والكراهية والبغضاء، والتطرف الفكري وتدفعهم إلى سفك الدماء وارتكاب المنكرات والاعتداء على الحرمات وإن معالجتها تتطلب جهداً ووقتاً كبيراً لأنها أكثر رسوخاً وتأثيراً ومكافحتها تتطلب عملاً مشتركا ًبين مختلف مؤسسات الدولة ومراكزها الدينية والاجتماعية وأجهزتها الأمنية للكشف عن المروجين لها والقبض عليهم، كما ينبغي أن تتصدى المساجد والجامعات والمدارس إضافة إلى الإعلام لهذه الآفة من خلال كشف أسباب انتشارها ومخاطرها وأضرارها ونتائجها الوخيمة على الأفراد والمجتمعات، كما من المهم التأكيد على ضرورة الوقاية منها من خلال نشر الوعي بين الأفراد على أن الأصل في الإسلام يقوم على السماحة والمحبة لا العنف والتطرف والتشدد، وبالتالي فإن المواجهة تكون فكرية يقودها علماء الأمة ومفكروها الراسخون في العلم الذين يبينون بالحجة والبرهان النصوص القطعية في حرمة هذه الأفكار الضارة والمسمومة التي تدعو إلى الاعتداء والخروج على منهج الوسطية والاعتدال، ولا شك أن رابطة العالم الإسلامي لعبت دوراً كبيراً في عملية المعالجة الفكرية للمنحرفين والمتطرفين وإعادتهم إلى رشدهم وتوبتهم ومعرفة الحق من الضلال ودمجهم بعد معالجتهم في مجتمعاتهم وهو ما عزز مواجهة ظاهرة الإرهاب.