كتاب ومقالات

إسرائيل والأسئلة الكبرى

رامي الخليفة العلي

القراءة الموضوعية للصراع العربي ـ الإسرائيلي تبدو مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد؛ لأن هذا الصراع ارتبط بالكثير من المزايدات والصوت العالي والشعارات. وفي حين بدت إسرائيل تتبختر من الخيلاء بعد التطورات التي ألمّت بالعالم العربي بعد ما سمي الربيع العربي وانهيار الدول التي كانت العدو اللدود لإسرائيل وتحول العدو إلى مجرد مجموعات صغيرة نسبياً تتبع أجندات إقليمية في كثير من الأحيان. كما تكرس خيار السلام لدى عدد من الدول العربية، بدت الدولة العبرية قد ترسخ وجودها، فتغير السؤال المرتبط بالعقل الجمعي الإسرائيلي من: هل يمكننا التواجد كدولة معترف بها من دول المنطقة وقابلة للحياة؟ إلى أسئلة وجودية حول هوية الدولة ونظامها وهامش حريتها؟ كانت الاتفاقات الإبراهيمية زاداً للمزايدين تعرضت من خلال الدول العربية الموقعة عليها إلى سيل من الانتقادات، ولكن هذه الاتفاقات نفسها هي التي تدفع التناقضات داخل إسرائيل إلى ذروتها. إذا كانت القيادات التي حكمت إسرائيل على امتداد العقود السبعة ونيف الماضية ركزت على العدو الخارجي وجعلت الدولة برمتها تدور حول الأمن سواء الجيش أو الموساد أو الشاباك وكأن هذه الدولة جعلت هذه المؤسسات هي المركز وأصبح الجميع يدور حولها. ولكن في الطريق كنست التناقضات تحت السجادة وتجاهل قادة إسرائيل أن هناك جيلاً لا يشاطرهم التوجهات ذاتها، بل لهم أحلامهم وطموحاتهم. لذلك لم تكن المظاهرات العارمة التي اجتاحت إسرائيل خلال الفترة الماضية مرتبطة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي ولا بالقضية الفلسطينية وإنما بالسؤال الجوهري المرتبط بالهوية الإسرائيلية، فهناك طيف واسع استطاع أن يوصل نوابه ويحقق الأغلبية في الكنيست يرى أن إسرائيل دولة يهودية دينية بينما يراها طرف آخر دولة علمانية على النموذج الغربي باعتبارها امتداداً للثقافة والحضارة الغربية، والطرف الأول يحاول حسم الصراع لصالحه عبر الإمساك بمفاصل الدولة وهذا ما حاول القيام به عبر محاولة الهيمنة على القضاء. وبينما بدت إسرائيل مطمئنة على وضعها في الإقليم ارتكبت ثلاثة أخطاء سوف تكون الخطر الذي يتهددها خلال العقود القادمة؛ أولها إضعاف دول الجوار ومحاولة القضاء عليها فأصبح عليها أن تواجه مجموعات ما قبل الدولة وتدخل حرباً معها، حيث من المستحيل أن تحقق الانتصار أو السلام، وثانيها إبقاء الجرح الفلسطيني مفتوحاً وإضاعة كل الفرص التي كان يمكن أن تكون أساساً لسلام دائم ومنها مبادرة السلام العربية. وثالثها اعتبار أن السلام الرسمي هو الهدفـ وفي حقيقة الأمر أن أي سلام بين إسرائيل وأي دولة عربية ليس سوى مجرد خطوة لن تكتمل إلا عن طريق السلام الشامل الذي يقوم على أسس متينة ومنها الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة.

في المحاولة البدائية التي تجري في إسرائيل للإجابة عن الأسئلة الكبرى حول وجودها وهويتها وسلامها فهي تدخل المخاض الذي سوف يؤثر ويتأثر بما يجري في المنطقة وسوف يساهم، أرادوا أم لم يريدوا في رسم ملامح منطقة تتغير بسرعة هائلة يصعب تصورها.