الدين والعقل والمصلحة
الأحد / 22 / ذو القعدة / 1444 هـ الاحد 11 يونيو 2023 00:02
وفاء الرشيد
هانس كونغ، رجل دين وعالم لاهوت مسيحي سويسري مشهور، توفي سنة 2021، عرف باتجاهه للحوار بين الديانات التوحيدية باعتباره -حسب رأيه- شرط السلم والانسجام في العالم.
كتب هونغ ثلاثة مجلدات كبرى مخصصة لكل دين من الأديان الثلاثة، ومنها كتابه الضخم حول الإسلام (900 صفحة)، وفيه دفاع عن هذا الدين في مواجهة الصورة المشوهة السائدة في كتابات المتعصبين من اليهود والمسيحيين.
لقد اعتبر كونغ أن الأديان الثلاثة تتفق في الجوهر من إيمان بالله خالق للكون والإنسان، فاعل في التاريخ، هو مصدر القيم الإنسانية العليا. ولقد اعتبر أن المسيحيين لا بد أن يعترفوا بنبوة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ويقروا أن الإسلام طريق قويم للخلاص في الآخرة.
ما يتميز به كتاب كونغ عن الإسلام هو تفريقه بين جوانب مختلفة من هذه الرسالة التوحيدية الأخيرة الجامعة بين الاعتقاد والشرائع والقيم والحضارة. ولذا يرى كونغ أن الإسلام مثل غيره من الديانات تفاعل مع حركة التاريخ وطبيعة السياقات الاجتماعية المتغيرة، بما يفسر تنوع تجاربه وممارساته وتأويلات فرقه ومذاهبه، ومن ثم من الخطأ اختزاله في قراءة واحدة أو فهم خاص.
كان محمد أركون يقول إن على الإسلام أن يسلك الطريق الذي انتهجته الديانات من قبله، من نقد النصوص وفتح للتأويل وإصلاح لمنظومة الاعتقاد والتشريع.
وإذا كان هذا الكلام فيه بعض الصحة، إلا أن الحقيقة، التي لا شك فيها، كما يبين كونغ، أن المسافة واسعة ما بين ثوابت الدين التي تنحصر في عقائد بسيطة وواضحة وأوامر شرعية محدودة وتجارب التدين التي ليست لها قداسة النص، بل هي اجتهادات تخطئ وتصيب كما هو شأن كل فهم بشري.
والمعروف أن علماء الإسلام في العصور الوسيطة حصروا آيات الأحكام -وأساسها الشرائع العبادية- ما بين 150 و500 آية، بما يعني أن أساس رسالة القرآن الكريم هي التوجيه العقدي والأخلاقي، أما الأحكام فهي استثنائية تقيد المباح الذي هو الأصل في الأشياء. ولقد صاغ إمام الحرمين الجويني هذه القاعدة بقوله: «فما لم يُعلَم فيه تحريم يجري على حكم الحِلِّ؛ والسبب فيه أنَّه لا يثبت لله حكمٌ على المكلفين غير مستند إلى دليل، فإذا انتفى دليل التحريم ثَمَّ، استحال الحكم به». ولقد وافقه شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله بأن الأصل في المنافع الحلال وفي المضار التحريم.
وبغض النظر عن خلاف المتكلمين في مسألة التحسين العقلي والشرعي، لا خلاف بينهم بأن الأحكام الإلهية تتبع مقاصد وحكم يدركها العقل وتقوم على المصلحة.
أما أمور الاعتقاد في الإسلام فهي شديدة الوضوح والبساطة، ولم يطلب الشرع الدخول في تفاصيل الإيمان على غرار اللاهوت المسيحي؛ ولذا اعتبر الغزالي أن كل إيمان بالنص على مقتضى التأويل مهما كانت طبيعته أو بدون تأويل ابتداء كافٍ للنجاة في الآخرة.
كتب هونغ ثلاثة مجلدات كبرى مخصصة لكل دين من الأديان الثلاثة، ومنها كتابه الضخم حول الإسلام (900 صفحة)، وفيه دفاع عن هذا الدين في مواجهة الصورة المشوهة السائدة في كتابات المتعصبين من اليهود والمسيحيين.
لقد اعتبر كونغ أن الأديان الثلاثة تتفق في الجوهر من إيمان بالله خالق للكون والإنسان، فاعل في التاريخ، هو مصدر القيم الإنسانية العليا. ولقد اعتبر أن المسيحيين لا بد أن يعترفوا بنبوة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ويقروا أن الإسلام طريق قويم للخلاص في الآخرة.
ما يتميز به كتاب كونغ عن الإسلام هو تفريقه بين جوانب مختلفة من هذه الرسالة التوحيدية الأخيرة الجامعة بين الاعتقاد والشرائع والقيم والحضارة. ولذا يرى كونغ أن الإسلام مثل غيره من الديانات تفاعل مع حركة التاريخ وطبيعة السياقات الاجتماعية المتغيرة، بما يفسر تنوع تجاربه وممارساته وتأويلات فرقه ومذاهبه، ومن ثم من الخطأ اختزاله في قراءة واحدة أو فهم خاص.
كان محمد أركون يقول إن على الإسلام أن يسلك الطريق الذي انتهجته الديانات من قبله، من نقد النصوص وفتح للتأويل وإصلاح لمنظومة الاعتقاد والتشريع.
وإذا كان هذا الكلام فيه بعض الصحة، إلا أن الحقيقة، التي لا شك فيها، كما يبين كونغ، أن المسافة واسعة ما بين ثوابت الدين التي تنحصر في عقائد بسيطة وواضحة وأوامر شرعية محدودة وتجارب التدين التي ليست لها قداسة النص، بل هي اجتهادات تخطئ وتصيب كما هو شأن كل فهم بشري.
والمعروف أن علماء الإسلام في العصور الوسيطة حصروا آيات الأحكام -وأساسها الشرائع العبادية- ما بين 150 و500 آية، بما يعني أن أساس رسالة القرآن الكريم هي التوجيه العقدي والأخلاقي، أما الأحكام فهي استثنائية تقيد المباح الذي هو الأصل في الأشياء. ولقد صاغ إمام الحرمين الجويني هذه القاعدة بقوله: «فما لم يُعلَم فيه تحريم يجري على حكم الحِلِّ؛ والسبب فيه أنَّه لا يثبت لله حكمٌ على المكلفين غير مستند إلى دليل، فإذا انتفى دليل التحريم ثَمَّ، استحال الحكم به». ولقد وافقه شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله بأن الأصل في المنافع الحلال وفي المضار التحريم.
وبغض النظر عن خلاف المتكلمين في مسألة التحسين العقلي والشرعي، لا خلاف بينهم بأن الأحكام الإلهية تتبع مقاصد وحكم يدركها العقل وتقوم على المصلحة.
أما أمور الاعتقاد في الإسلام فهي شديدة الوضوح والبساطة، ولم يطلب الشرع الدخول في تفاصيل الإيمان على غرار اللاهوت المسيحي؛ ولذا اعتبر الغزالي أن كل إيمان بالنص على مقتضى التأويل مهما كانت طبيعته أو بدون تأويل ابتداء كافٍ للنجاة في الآخرة.