منطق الفاسد!
الجمعة / 27 / ذو القعدة / 1444 هـ الجمعة 16 يونيو 2023 00:05
محمد مفتي
الفساد ليس ظاهرة حديثة بل هو ظاهرة ملازمة للوجود البشري منذ القدم، وقد يكون الفساد أخلاقياً أو مالياً أو اجتماعياً أو حتى سياسياً، ومع تطور البشر اختلفت مظاهر الفساد وتنوعت واتخذت صوراً أكثر تعقيداً عن ذي قبل، فأصبحت في عصرنا الحديث سلوكاً متخفياً يجيد البعض امتهانه، ومن هنا ظهرت الهيئات والمؤسسات الرسمية المعنية بتتبع وملاحقة الفساد بجميع صوره وأشكاله، فمكافحة الفساد واجب قومي يتعين على جميع الحكومات شرقاً وغرباً القيام به، فهو ظاهرة تضرب المجتمعات بعمق ولا يسلم من شرها صغير أو كبير.
لعله من الصعوبة بمكان إيجاد تعريف جامع مانع لمفهوم الفساد، غير أننا يمكننا تعريفه من عدة زوايا، لعل أهمها النتائج المترتبة على ممارسته، فالفاسد هو كل من يقوم بفعل يتسبب في الإضرار بمصالح الآخرين لتحقيق مصلحة شخصية، وبهذا فهو يضم تحت مظلته الواسعة أنواعاً مختلفة من الممارسات غير المشروعة، فالسارق فاسد والمرتشي فاسد، والإعلامي الذي يتخذ من منصته منبراً لتضليل الآخرين فاسد، والمستغل لمنصبه ونفوذه فاسد، والتاجر الذي يستغل معاناة الآخرين فاسد، ولهذا فإن الفساد يتضمن سلوكيات عديدة ومتشعبة غير أنها تجمعها الانتهازية والأنانية والتعطش لخداع الآخرين والتلاعب بهم.
عندما يتخذ الفاسدون الفساد مهنة لهم تتعقد طرقهم وتلتوي أساليبهم، غير أنه بخلاف كل ذلك نجد أن وراء كل فساد منطق يبرر من خلاله الفاسد سلوكه الخاطئ، والفاسد غالباً لا يعترف بفساده، فقد يكون الفاسد شخصاً ثرياً لا يحتاج للمال، أو يشغل منصباً إدارياً رفيعاً يؤمّن له دخلاً ربما لا يستحقه، غير أنه يحترف الفساد ويقنع نفسه به، فلكل فاسد عقيدة محددة تبرر له فساده وتسوّغه له.
على سبيل المثال يعتقد بعض الأشخاص أن المال العام ليس له صاحب، فهو مال سائب من وجهة نظرهم، أو أنه ملك للجميع وبالتالي فلكل فرد منهم نصيب فيه، فإن لم يحوزوه فسيحوزه غيرهم، والأذكى والأحصف هو من يملكه قبل غيره، وهنا يتحول المال العام لساحة تنافس؛ من يستطيع أن يحوزه أولاً؟ ومن يستطيع أن يحوز منه أكثر؟ فهؤلاء الفاسدون لا يفكرون في المال العام إلا بهذه الطريقة، وقد لا يستشعرون أي حرج من نهبهم له، فهم على يقين تام من أن ما يفعلونه لا تشوبه شبهة الخطأ من قريب أو من بعيد.
لا ينطبق ما وصفناه هنا على المال العام فقط، فقد يتعامل بعض التجار مع بعضهم بعضاً بنفس المنطق، فكل تاجر يريد أن يستغل الآخر ويحصل على النصيب الأكبر، وهو يرى تلك الانتهازية والمبالغة في رفع الأسعار نوعاً من المهارات الواجب اكتسابها لتعظيم الأرباح، كما أن الواسطة لها نفس المنطق؛ فالمسؤول الفاسد يرى أن أقاربه هم الفئة الأكثر استحقاقاً لأي منصب شاغر، ويبرر هذا لنفسه قائلاً: إن لم يشغله أقاربي فسيشغله أقارب مسؤول آخر!
وفي حالة فساد المخدرات يبرر تاجر المخدرات لنفسه الاتجار بها بوسائل شتى؛ منها مثلاً أنها مجرد نباتات لا ضير منها، أو أن المتعاطي هو من أتي بنفسه ليتعاطى المخدرات دون وقوع ضغط عليه، وبالتالي فهو يسعى لأن يقنع نفسه بأنه لا ذنب له في بيع المخدرات أو الاتجار بها، وقد يبرر البعض الآخر تجاره بالمخدرات بأنه مجرد عمل وتجارة كأي عمل وتجارة أخرى، كما نجد المحتالين الإلكترونيين يبررون لأنفسهم سرقاتهم عبر الشبكة العنكبوتية سواء من خلال السطو على الحسابات البنكية أو من خلال سرقة البيانات وغيرها بأنه ذكاء منهم في اكتشاف ثغرات نظام التشغيل، وبالتالي فالذنب كله يتحمله موفر النظام الذي ترك نظامه دون حماية كافية.
من المؤسف أن يصدق الكثير من هؤلاء الفاسدين أنفسهم، فيبررون لأنفسهم اقتراف الفساد دون تأنيب ضمير أو شعور بالعار والخزي، ولذلك من الأهمية بمكان تعزيز المنظومة التوعوية جنباً إلى جنب مع تشديد العقوبات الجنائية، فلا يكفي لضبط مجتمع ما تشديد القبضة الأمنية عليه فحسب، فالأهم هو أن يتضح للجميع لِمَ يتم تجريم أفعال معينة ولِمَ تعتبر عواقبها بهذه الخطورة، وتتم التوعية بتلك الأخطار والتهديدات من خلال طرق ومنصات وآليات مختلفة، غير أنها تصب جميعها في مصلحة الوطن والمواطن وتهدف لحمايتهما.
لعله من الصعوبة بمكان إيجاد تعريف جامع مانع لمفهوم الفساد، غير أننا يمكننا تعريفه من عدة زوايا، لعل أهمها النتائج المترتبة على ممارسته، فالفاسد هو كل من يقوم بفعل يتسبب في الإضرار بمصالح الآخرين لتحقيق مصلحة شخصية، وبهذا فهو يضم تحت مظلته الواسعة أنواعاً مختلفة من الممارسات غير المشروعة، فالسارق فاسد والمرتشي فاسد، والإعلامي الذي يتخذ من منصته منبراً لتضليل الآخرين فاسد، والمستغل لمنصبه ونفوذه فاسد، والتاجر الذي يستغل معاناة الآخرين فاسد، ولهذا فإن الفساد يتضمن سلوكيات عديدة ومتشعبة غير أنها تجمعها الانتهازية والأنانية والتعطش لخداع الآخرين والتلاعب بهم.
عندما يتخذ الفاسدون الفساد مهنة لهم تتعقد طرقهم وتلتوي أساليبهم، غير أنه بخلاف كل ذلك نجد أن وراء كل فساد منطق يبرر من خلاله الفاسد سلوكه الخاطئ، والفاسد غالباً لا يعترف بفساده، فقد يكون الفاسد شخصاً ثرياً لا يحتاج للمال، أو يشغل منصباً إدارياً رفيعاً يؤمّن له دخلاً ربما لا يستحقه، غير أنه يحترف الفساد ويقنع نفسه به، فلكل فاسد عقيدة محددة تبرر له فساده وتسوّغه له.
على سبيل المثال يعتقد بعض الأشخاص أن المال العام ليس له صاحب، فهو مال سائب من وجهة نظرهم، أو أنه ملك للجميع وبالتالي فلكل فرد منهم نصيب فيه، فإن لم يحوزوه فسيحوزه غيرهم، والأذكى والأحصف هو من يملكه قبل غيره، وهنا يتحول المال العام لساحة تنافس؛ من يستطيع أن يحوزه أولاً؟ ومن يستطيع أن يحوز منه أكثر؟ فهؤلاء الفاسدون لا يفكرون في المال العام إلا بهذه الطريقة، وقد لا يستشعرون أي حرج من نهبهم له، فهم على يقين تام من أن ما يفعلونه لا تشوبه شبهة الخطأ من قريب أو من بعيد.
لا ينطبق ما وصفناه هنا على المال العام فقط، فقد يتعامل بعض التجار مع بعضهم بعضاً بنفس المنطق، فكل تاجر يريد أن يستغل الآخر ويحصل على النصيب الأكبر، وهو يرى تلك الانتهازية والمبالغة في رفع الأسعار نوعاً من المهارات الواجب اكتسابها لتعظيم الأرباح، كما أن الواسطة لها نفس المنطق؛ فالمسؤول الفاسد يرى أن أقاربه هم الفئة الأكثر استحقاقاً لأي منصب شاغر، ويبرر هذا لنفسه قائلاً: إن لم يشغله أقاربي فسيشغله أقارب مسؤول آخر!
وفي حالة فساد المخدرات يبرر تاجر المخدرات لنفسه الاتجار بها بوسائل شتى؛ منها مثلاً أنها مجرد نباتات لا ضير منها، أو أن المتعاطي هو من أتي بنفسه ليتعاطى المخدرات دون وقوع ضغط عليه، وبالتالي فهو يسعى لأن يقنع نفسه بأنه لا ذنب له في بيع المخدرات أو الاتجار بها، وقد يبرر البعض الآخر تجاره بالمخدرات بأنه مجرد عمل وتجارة كأي عمل وتجارة أخرى، كما نجد المحتالين الإلكترونيين يبررون لأنفسهم سرقاتهم عبر الشبكة العنكبوتية سواء من خلال السطو على الحسابات البنكية أو من خلال سرقة البيانات وغيرها بأنه ذكاء منهم في اكتشاف ثغرات نظام التشغيل، وبالتالي فالذنب كله يتحمله موفر النظام الذي ترك نظامه دون حماية كافية.
من المؤسف أن يصدق الكثير من هؤلاء الفاسدين أنفسهم، فيبررون لأنفسهم اقتراف الفساد دون تأنيب ضمير أو شعور بالعار والخزي، ولذلك من الأهمية بمكان تعزيز المنظومة التوعوية جنباً إلى جنب مع تشديد العقوبات الجنائية، فلا يكفي لضبط مجتمع ما تشديد القبضة الأمنية عليه فحسب، فالأهم هو أن يتضح للجميع لِمَ يتم تجريم أفعال معينة ولِمَ تعتبر عواقبها بهذه الخطورة، وتتم التوعية بتلك الأخطار والتهديدات من خلال طرق ومنصات وآليات مختلفة، غير أنها تصب جميعها في مصلحة الوطن والمواطن وتهدف لحمايتهما.