كتاب ومقالات

الرهان الفرنسي على زيارة ولي العهد لباريس

رامي الخليفة العلي

استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، يوم الجمعة الماضية، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، حيث ارتدت العاصمة الفرنسية أبهى حلتها لاستقبال الزائر الكبير وألغى الرئيس الفرنسي زيارة كانت مقررة سابقاً لإحدى المدن الفرنسية لافتتاح مشروع اقتصادي وبقي في العاصمة لاستقبال ضيفه الكبير، وهذا تصرف بالغ الدلالة حيث تراهن الحكومة الفرنسية على العلاقات بين البلدين الصديقين. باريس رهاناتها متعددة تبدأ من التعاون الدفاعي والأمني وصولاً إلى التعاون السياسي ومروراً بالتعاون الاقتصادي. باريس تدرك أن المملكة العربية السعودية تمثل قيادة الشرق الأوسط، وهي رقم صعب بكل التفاعلات الإقليمية والدولية، فعلى سبيل المثال لا الحصر تراهن باريس على الأمير محمد بن سلمان بشكل شخصي ليلعب دوراً في الجهود الدولية لوقف الحرب في أوكرانيا، فباريس ترى أن الرياض لديها كل المقومات لكي تقوم بهذا الدور، خصوصاً أن فرنسا ترى أن هذه الحرب تؤثر سلباً على القارة العجوز بشكل عام وعلى فرنسا بشكل خاص؛ لذلك سعت باريس للتواصل مع موسكو لإنهاء هذا الصراع بأسرع وقت ممكن، وحتى يتم ذلك لا بد من وساطة من قبل طرف يحظى باحترام وتقدير كل الأطراف، وهذا ما يتوفر في شخص سمو ولي العهد.

ملف آخر لا يقل أهمية وهو محاربة الإرهاب، فالمملكة ترعى التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، وقد استقبلت المملكة قبل أيام معدودة قمة إسلامية في هذا الإطار، كما أن المملكة ساهمت في الحرب ضد التنظيمات الراديكالية والإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، وهذا مجال رحب للتعاون بين البلدين. وباريس التي عجزت عن جلب الاستقرار إلى لبنان وإصلاح الوضع السياسي والاقتصادي تطمح إلى تعاون مع المملكة من أجل انتخاب رئيس جديد لبلاد الأرز، وتسعى بالفعل إلى إنجاز معادلة سياسية تسمح بالوصول لهذا الهدف.

المملكة العربية السعودية تقود مشروعاً تنموياً يمس منطقة الشرق الأوسط برمتها عبر رؤية ولي العهد 2030، فهي تريد استقراراً سياسياً ينعكس انتعاشاً اقتصادياً، وولي العهد إذ يأتي إلى باريس أو غيرها من العواصم فهو متسلح بإنجازات سياسية أهمها التطبيع مع إيران وإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية والسير في ملف السلام في اليمن وغيرها من الملفات، وهنا تلتقي الرؤيتان الفرنسية والسعودية. ولا يمكننا أن نبتعد عن الملف الاقتصادي وهو الملف الذي يشغل القيادة السعودية وخطت فيه خطوات هائلة، وفرنسا وشركاتها تريد أن تكون جزءاً من هذا المشروع خصوصاً مشاريع البنية التحتية التي تنتشر في المملكة، وقد كان لفرنسا إسهامات في هذا الإطار منها إعادة تأهيل مدينة العلا، وأيضاً العمل في إطار التنقيب الأثري، كما أن لفرنسا باعاً في القطاع السياحي ويمكن أن تكون مفيدة، والمملكة تتحول رويداً رويداً إلى أهم الوجهات السياحية في منطقة الشرق الأوسط. كما أن الأمير محمد يراهن على استقبال المملكة لمعرض إكسبو 2030 حيث رعى ولي العهد حفل استقبال لترشيح الرياض لاستقبال هذا الحدث العالمي.

تفاصيل الزيارة كثيرة ومتعددة ويصعب الإلمام بها في هذه العجالة، ولكن المؤكد أن الرياض بفضل قيادتها تكرست عاصمةً للقرار الإقليمي والدولي مما جعلها من الوجهات السياسية والاقتصادية التي تتطلع إليها مختلف الدول والأمم.