كتاب ومقالات

وزارة الحج والعمرة.. جهود مباركة !

نجيب يماني

تأتي ندوة الحج الكبرى السابعة والأربعون لهذا العام، بعد أن أعلنت المملكة رفع كل الإجراءات الاحترازية التي كانت قائمة لضمان توفير أفضل الخدمات الصحية التي حددتها وزارة الصحة، والتي نفذت بشكل متقن لحماية ضيوف الرحمن خلال فترة كورونا المزعجة.

بداية ندوة الحج الكبرى كانت في العام 1390هـ في مكة المكرمة، وحملت في كل عام عنوان قضية تهم المسلمين، وتؤكد على الدور الذي يتضمنه مفهوم الحج، بصفته تجمعاً دينياً وعلمياً يتم عبره التواصل بين المسلمين في أنحاء المعمورة.

حددت وزارة الحج والعمرة رؤيتها بإن تكون (ندوة الحج) المنصة الأولى للقيادة الفكرية، وتبادل المعرفة النوعية، وتعزيز وفهم أعمق للأبعاد الروحانية والثقافية والاجتماعية للحج، وعلى الدور المحوري والإقليمي والدولي للمملكة العربية السعودية كمنارة دينية وثقافية مستمدة نورها من وجود الحرمين الشريفين، ودور المملكة في تأصيل حوار الأديان والتآخي بين المذاهب والثقل العالمي الذي تمثله المملكة.

أكد هذا الدور المتعاظم ولي العهد الأمين، وهو يعبر عن طموحاتنا، ويعكس قدرات بلادنا في رؤيته المباركة بقوله: «إن أنجح الرؤى هي التي تبنى على مكامن القوة، والله عز وجل حبانا وطناً مباركاً هو أثمن من البترول، ففيه الحرمان الشريفان أطهر بقاع الأرض وقبلة أكثر من مليار مسلم، وهذا هو عمقنا العربي والإسلامي، وهو عامل نجاحنا الأول».

حرصت المملكة على استباق موسم حج هذا العام بجمع مبارك، من خيرة علماء الأمة ورجال فكرها الميامين في شتى المجالات لنشر قيم الإسلام السامية، وتعزيز التواصل والتلاحم بين مفكري وعلماء الأمة الإسلامية؛ للاطلاع على معارفهم ونتائج أبحاثهم والاستفادة من تلاقح أفكارهم والعمل على إيجاد الطرق الكفيلة بتقارب الممارسات، وإلى تعزيز الحوار وتوسيع وجهات النظر المذهبية للقيام بأداء مناسك الحج ومشاعره وتوفير السلامة والراحة والتجربة النوعية الشاملة للحجاج. لفت انتباهي في هذه الندوة عنوان الجلسة الرابعة «تسخير قوة العلم والتقنية في خدمة ضيوف الرحمن».

وعنوان الجلسة الثالثة «فقه التيسير في الحج»، وهو عنوان اختير بعناية فائقة خاصة بعد أن ذهب التشدد واختفت تلك الأصوات الناعقة التي كانت تحرم كل ما من شأنه أن يخفف عن الحاج أداء مناسكه بكل يسر وسهولة، فللشريعة الإسلامية خفة عن غيرها من الشرائع، فهي تأمر بالأخذ باليسر ورفع الحرج. اتسمت بالشمول والعموم والخلود، ولا يعني ذلك أنها نصت على كل حكم وواقعة وحدث بعينه، وإنما جاءت بالمبادئ العامة والقواعد الأساسية والخطوط العريضة، لتندرج تحتها كافة القضايا والمسائل التي تستجد لتغير الأزمان والعادات والأعراف، وليس هناك من هو أحوج منا إلى الأخذ بهذه المبادئ وتطبيقها في وقتنا الحاضر. لذا كان الاختلاف في المسألة الواحدة رحمة وسعة ووضع مشقة عن الناس، يقول ابن تيمية: «والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة». وصنف رجل كتاباً سماه «الاختلاف»، فقال له الإمام أحمد سمه كتاب «التيسير». وقال الخليفة عمر بن عبدالعزيز: ما سرني أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا لأنهم لو أجمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة.

يؤكد ابن تيمية أنه «لا ينبغي لمن نشأ على مذهب معين أن يلزم الآخرين به، ولا يصح أن يقول يجب عليكم أن تفتوا بمذهبي وأن أي مخالف لمذهبي كان باطلاً»، وعندما عزم هارون الرشيد أن يحمل الناس على ما جاء في «موطأ مالك» من الأحكام منعه مالك نفسه، وقال له إن أصحاب رسول الله تفرقوا في الأمصار، وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم.

فالفتوى في المسألة الواحدة إذا صدرت من أحدهم فهي غير ملزمة، وإنما يأخذ بها من شاء أو يأخذ بغيرها إن كان ذلك أسهل له، «فلو اختلف على العامي مجتهدان فأفتاه أحدهما بحكم والآخر بحكم غيره خيّر في الأخذ بأيهما شاء». واعتاد الإمام أحمد أن يفتي في المسألة ثم يدل السائل على من يفتيه بخلافها ويجيز له الأخذ بأيهما شاء، حتى أقوال الصحابة إذا اختلفت لم يكن قول أحدهم حجة على الآخر ولا على غيره من الناس من باب اليسر ورفع الحرج ودفع المشقة، وكانوا يعللون الأحكام بالمصالح ويفهمون معانيها ومراميها.

فالإسلام لم يدع مجالاً لصاحب هوى أو مبتدع أو جاهل يقول في الدين بغير علم أو يدخل في العبادة ما ليس فيها.

جهود كبيرة تقوم بها المملكة لخدمة ضيوف الرحمن وتسهيل مناسكهم والعناية بهم، وتقديم كل ما من شأنه التوسعة عليهم سواء كانت توسعة مكانية أو توسعة فقهية.

كل حج وعيد وموسم وبلادي وولاة أمرها وشعبها في خير وسعادة.