كتاب ومقالات

خالي لم يمت

خالد بن هزاع الشريف khalid98alshrif@

•• حين يمر أحدنا في الحياة البشرية بتجربة فقد من يحب بالموت يُصاب بمظاهر من الألم والوصب والتوجع، لا يخرجه منها إلا إيمانه الثابت بالله صدقاً ويقيناً.. وبهذا الفقد تطفو في دواخلنا مشاعر من الحزن والحسرة، وينتابنا شعور عميق بالأسن والأسى.. تلك الأحاسيس مررت بها بفقد جميل الصفات خالي؛ الشريف ناصر بن علي بن شحاد، الذي تنفست حبه وعشقت تقبيل يديه.

•• من شدة تفاقم الألم داخلي بفراق خالي؛ مرَّت عليَّ ساعات طريقي من جُدَّة إلى المدنية للصلاة عليه ودفنه كقيظ الصيف.. وجبروت ألم وداعه يكسر صمت عينيَّ المغرورقتين.. كنت ألملم دموعي الساقطة من حدقة عيني كي لا تُبلِّل مشاعري.. كنت أرفع يديّ عالياً بالدعاء له، وعيناي على السماء فتذكرني برحمة الله وبرد جنته.. لقد تحوَّل فراقه لديَّ إلى أنين بمذاق الضعف.

•• عندما مات خالي بكاه موضع سجوده في الأرض، ومصعد عمله في السماء، لفقدهما من كان يتجانس معهما طاعة لله.. بكاه من كان يكتفي بالجلوس بحضرته حتى دون أن يتكلم.. بكاه رجال لا يبكون لكنهم انحنوا للدمع كي يتخلصوا من ألم فراق من أوصد آلامهم في حياته.. بكاه من فقد السماء التي تفيض بالحب والحنان.. بكاه البسطاء لشعوره بمعاناة الطبقات الكادحة.

•• بعد موته بقيت أشياء من خالي لم تمت؛ فطرته البشرية، وعيه الإنساني، روحه العالية، ومواقفه البطولية.. إنه ذلك الوهوب بهُمَام همَّته لنفسه والناس، الحيوي متراتب الطبقات متعدد الأبعاد، الأريحي السخي السمح طلق اليدين، الوافر بمواقفه وحميته وكرمه وجوده.. إنه ذلك المدرار الذي يتجمَّل بأناقة صفاته، الوافر الذي يتميز بمحاسن أخلاقه، الفياض الذي لا يمل العطاء، السيَّال الذي يطفئ بؤس الطالبين.