كتاب ومقالات

نهاية التأريخ والإنسان الأخير

زياد الضاري

العنوان ليس رواية غربية على شاكلة البؤساء لفيكتور هيجو ولا اسم فيلم من أفلام هوليوود ذائعة الصيت، بل هو عنوان كتاب للعالم والفيلسوف والسياسي الأمريكى ذي الجذور اليابانية فرانسيس فوكوياما، في عام ١٩٨٩ نشر بحثا في مجلة ناشيونال أنترست بعنوان نهاية التأريخ والإنسان الأخير بشر فيه بانتصار الليبرالية بقيمها الحرية، الفردية، المساواة.. ظهر هذا البحث في ذروة نشوة النصر التي عاشها الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وهزيمة الفكر الشيوعي العالمي بما يمثله من معادل ومنافس تقليدي للفكر الليبرالي الغربي، ويرى أيضا أن الليبرالية انتصرت عالمياً ولا يوجد منافس لها. حظيت أفكار فرانسيس فوكومايا باهتمام واسع في الأوساط السياسية والأكاديمية الغربية وتحول هذا البحث إلى كتاب عام ١٩٩٢ يدرس في مراكز البحوث الغربية. يرى فوكومايا أن العالم وصل إلى مرحلة نهاية التأريخ ونهاية التطور الأيديولوجي للإنسان، وبالتالي عولمة الديمقراطية الليبرالية الغربية كصيغة نهائية للحكومه البشرية، وبالتالي يجب أن يكون هناك إدراك عالمي لصلاحية وشرعية الديمقراطية الليبرالية لعدم وجود بديل أو منافس لها عالمياً يستطيع تحقيق نتائج أفضل منها. استخدم فرانسيس فوكوياما الجدلية كقوة دافعة ومحركة للتأريخ البشري على خطى الفيلسوف الألماني جورج هيغل الذي يرى أن التأريخ ليس مجرد سجل للأحداث بل هو عملية ارتقاء وصعود متواصل.

إن أفكار فوكومايا ومن بعدها نظرية صدام الحضارات لصاموئيل هنكتنتون مثلت وشكلت توطئة فكرية للعديد من الكتاب الغربيين الذين أوضحوا أن الإسلام يمثل التحدي الفكري الأكبر والأبرز للغرب بعد انهيار الفكر الشيوعي والأمر وصل إلى شن حرب باردة على الإسلام شبيهة بالحرب الباردة على الفكر الشيوعي لما يمثله الإسلام من قيمة فكرية وديناميكية تقف حاجزاً أمام فرض القيم الليبرالية وجعل العالم ساحة لنشر الانحلال الأخلاقي من المثلية والشذود والقيم المنحرفة التي تخالف وتتقاطع مع تعاليم الإسلام السامية، لذا أخذ الغرب يتفنن في استخدام القوالب والأنماط التي تحض على نشر الكراهية ضد الإسلام ومحاولة النيل منه وجعل المسلمين في حالة من الصدمة وهم يشاهدون كتابهم المقدس يحرق ويركل بالأقدام تحت حماية ورعاية بعض الدول الغربية الليبرالية من أجل التعجيل بنشوب صدام وصراع الحضارات الذي تنبأ به ووضع أسسه صامويل هنتنجتون وتحويل الصراع إلى صراع حضاري مع الإسلام بعد نهاية صراعهم الأيديولوجي مع الفكر الشيوعي. إن الغرب يحاول بكل قوة المحافظة على سيادته الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم وضرب أي منافس فكري له في العالم.

إن الرؤية الكونية الحضارية التي يقوم عليها الإسلام ومنهجية القرآن التوحيدية الأخلاقية تعبر عن الفطرة الإنسانية السوية في أبعادها الجماعية والفردية وفي أفقها الروحي الشمولي الإنساني، لذا فإن العقلية الصراعية لدى الغرب ومحاولة إنكار الحضارات الأخرى ستقود العالم إلى التصادم الحضاري لامحالة وهو سعي غربي مستمر من أجل اختراع وإيجاد عدو بديل وتم صناعة صورة العدو البديل وهو الإسلام.

يرى فرانسيس فوكومايا أن الإسلام يمثل أيديولوجيا متسقة متماسكة شأن الليبرالية والشيوعية، وبما أن الشيوعية اندحرت فإن العدو والتحدي الأكبر للغرب هو الإسلام، لأنه يمثل جاذبية فكرية للكثير حول العالم حتى في الغرب نفسه وأن الإسلام مستمر في التوسع الحضاري ويعتبر فوكومايا أن الإسلام يمثل المنظومة الثقافية الوحيدة التي تعادي الحداثة وقيم الليبرالية.

لقد مثلت أطروحتي نهاية التأريخ والإنسان الأخير لفرنسيس فوكومايا وصدام الحضارات لصامويل هنتنجتون المنطلق الفكري والنظري للغرب في معاداة الإسلام، حيث يرى الأخير أن الصراع العالمي هو صراع ثقافات وأديان وليس صراع مصالح وأن تقدم الدول وتأخرها مرتبط بالثقافة والانتماء الديني.

إن الغرب يرى أن العالم متعدد الهويات الحضارية، وأن ميزان القوى بين الحضارات متغير، وأن العالم الإسلامي ينفجر سكانيا وسوف ينتج عن ذلك عدم استقرار وتوازن وأن بقاء الغرب متفوقاً مرتبط بالمحافظة على الهوية الغربية، لذا هم يتحدون في الدفاع عنها ضد الخطر الحقيقي وهو الإسلام، بل الأكثر من ذلك إن هنكتنتون يرى أن المشكلة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام نفسه، ويرى أن من عوامل زيادة الصراع بين الإسلام والغرب أواخر القرن العشرين هو الصحوة الإسلامية التي أعطت ثقة متجددة للمسلمين في طبيعة وقدرة حضارتهم وقيمها المتميزة مقارنة بتلك الموجودة لدى الغرب.

ومن هنا علينا أن لا ننظر إلى حوادث حرق القرآن الكريم كحوادث فردية بل هي جزء من حالة صراع حضاري أعم وأشمل سوف تظهر معالمه بصورة أكبر في المستقبل.