ماذا تفعل لكي لا تنهار؟
الجمعة / 02 / صفر / 1445 هـ الجمعة 18 أغسطس 2023 00:01
بشرى فيصل السباعي
تتفاوت القوة النفسية والقدرة المادية للناس، وبسبب هذا التفاوت تختلف ردات أفعالهم على الأحداث الصادمة أو الضغوط التي يشعر الإنسان أنها تتجاوز حدود طاقته النفسية وقدرته المادية، لكن الجميع لديهم حد ما أن وصلوا إليه يشعرون بأن الأمر يتجاوز طاقتهم النفسية وقدرتهم المادية، وعند هذا الحد ماذا يمكن أن يفعل الإنسان لكي يحمي نفسه من سلوكيات الهروب اللاوعي كالأمراض العقلية الحادة التي قد تفقد الإنسان أهليته القانونية أو الهروب الواعي عبر المخدرات والمسكرات وسلوكيات تدمير الذات العدمية والانتحار، أو الإصابة بالأمراض النفجسدية-سيكوسوماتيك الناتجة عن فرط الكرب والتي تظهر بصورة أمراض وآلام جسدية لكن سببها ليس عضوياً إنما نفسي، عند هذا الحد الحرج تتضح حاجة الإنسان الوجودية الماسة لمبدأ التوكل على الله في كل ما يتجاوز طاقته وقدرته بيقين كامل أن هذا الاعتماد له أثر حقيقي وسيجعل أموره مادياً ومعنوياً أفضل، وهذا التوكل يخفف عن الإنسان وطأة الضغوطات والقلق والأحزان ويمنحه قدرة أكبر على التكيف الإيجابي مع ما يتجاوز حدود طاقته وقدرته، والتوكل ليس مجرد كلمات يرددها الإنسان في تلاوته ودعائه وأذكاره إنما هو حال عقلي نفسي روحي سلوكي، وتمثل الأذكار والأدعية والصلوات وروحانيتها وسيلة لتكريس حال التوكل عند استحضار معانيها، وككل المصطلحات الدينية المألوفة يحسب الإنسان أنه يعرفها حتى يطالع عنها بتعمق فيكتشف أنه لم يكن يعرفها حق المعرفة، ولذا على الإنسان أن يطالع آيات التوكل وشروحات حقيقة التوكل وقصص الأشخاص الذين عايشوا الأحداث التي فاقت طاقتهم ونجوا منها بإيجابية عبر التوكل، ومساعدة الله للإنسان المادية والروحية تكون غير ملحوظة بشكل مباشر تماماً كما في قصة العبد الصالح مع موسى في سورة الكهف؛ فكل المساعدات الإلهية التي نفذها العبد الصالح بأمر الله كانت غير ملحوظة بالنسبة للمستفيدين منها، ولذا توصف عادة بأنها من قبيل الصدف الغريبة والحظ، وفي وقت الشدة اللجوء إلى الجانب الروحي من الدين يمنح الإنسان سعة نفسية أكبر وقدرة أكبر على الصبر والتحمل ويقلل من وطأة الكرب عليه ويمنحه الإيجابية والأمل ويكون وقاية من اليأس وتصريف الإحباطات بسوء معاملة الناس، وما ينتج عن هذا الكورس المركز من الروحية وقت الشدة يصبح بحد ذاته المنحة التي كانت في المحنة؛ لأنه يصبح نوعية وعي في الإنسان وطريقة حياة وأنماط راسخة في شخصيته، وبالطبع ل ابد من التنبيه على الفارق بين التوكل الذي يكون مع الأخذ بالأسباب، وبين التواكل؛ حين لا يقوم الإنسان بما عليه لتحصيل مراده وهذا يخالف الغاية التي من أجلها أوجد الله الإنسان في الخبرة الدنيوية التي هي بمثابة مدرسة وكل ما فيها من أحداث وأحوال هي وسائل تعليمية مسخرة لغاية تطوير وتكريس الإنسان لنوعية وعيه وشخصيته وهذا لا يحصل إلا عندما يأخذ الإنسان بالأسباب الموضوعية كلها بأقصى وسعه وهو مستحضر أنه متوكل على الله في جدواها مهما كانت الاحتمالات السلبية، لكن هناك تنبيهاً هاماً وواجباً عند الحديث عن اللجوء إلى الله وقت الشدة؛ حيث هناك نزعة لاواعية للوم وتقريع المبتلى بأنه لم يتدين بما يكفي لرفع البلاء عنه، بينما هو بالواقع يبذل أقصى وسعه دينياً وروحياً باللجوء إلى الله؛ ففي التوراة هناك سفر كامل باسم النبي أيوب وغالبه هو عن معاناة النبي أيوب من تأنيب زواره له بأن بلاءه واستمرار بلائه كان بسبب عدم تدينه بما يكفي فتضاعفت معاناته بسبب ملامتهم له، وبنهاية السفر وبخ الله زوار النبي أيوب على موقفهم ونفى تهمة القصور الإيماني عن أيوب.