كتاب ومقالات

التغريب والعبودية الجديدة

وفاء الرشيد

في إطار الجدل الذي خلفه عرض فيلم باربي، لا بد من السؤال هل انتصر فعلاً النموذج الغربي في التفكير والقيم وأصبح عالمياً كونياً؟

كان المفكر الأمريكي الشهير فرانسيس فوكويوما قد توقع في نظريته حول نهاية التاريخ أن يعم النموذج الغربي في التنمية والسياسة والثقافة على عموم البشرية، باعتباره التعبير الوحيد عن دينامية الحداثة التي هي في نهاية المطاف مشروع غربي.

في فكرنا العربي الإسلامي الحديث منذ الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ساد انطباع قوي بإمكانية الفصل بين علوم وتقنيات الغرب التي يتوجب اقتناؤها وثقافته وقيمه التي لا بد من رفضها لكونها لا تنسجم مع التقاليد المحلية.

ولقد رفض التيار الليبرالي والعلماني العربي هذه النزعة التوفيقية، مشككاً في إمكانية الفصل بين العلوم والقيم، بين الجانب الاجتماعي من الحداثة وجانبها التقني. اشتهر في هذا الباب كتاب طه حسين «مستقبل الثقافة في مصر»، الذي طالب فيه باستنساخ حياة الغربيين أفكاراً وسلوكاً ونمط حياة.

في الاتجاه نفسه كتب الفيلسوف المصري «خرافة الميتافيزيقا» سنة ١٩٥٣، وفيه نقد جذري «للثقافة الغيبية» التي اعتبر أنها مصدر تخلف العرب في عقليتهم الشرقية التي لا تتناسب مع أفكار وقيم الحداثة.

ولا شك أن هذه المواقف المتطرفة كان لها بعض الأثر في تنامي النزعات الدينية المتشددة التي طالبت بالقطيعة مع الغرب واعتبرت أفكار الحداثة نمطاً من الغزو الثقافي الغربي.

في الستينات تغير موقف طه حسين الفكري في سياق النقد الهام الذي برز في الأدبيات الوجودية حول السيطرة التقنية وانعكاسها على مسار الإنسان الاجتماعي والنفسي. كما أن زكي نجيب محمود تخلى عن نزعته الوضعية المتغربة ونشر في بداية السبعينات كتاب «تجديد الفكر العربي»، داعياً فيه إلى الجمع ما بين التجربة الطبيعية ونور البصيرة والوحي والأعراف في الإنسانيات، ما بين التقدم الأوربي والروحانية الشرقية.

إلا أن هذه النزعة التوفيقية تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة، وقد اعتبر المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري في كتابه «الفكر العربي وصراع الأضداد» أنها كانت مجرد أفكار تلفيقية غير منسجمة ولا دقيقة.

ما تغير في الأعوام الماضية هو ظهور العولمة التي لم تعد مجرد أفكار وآراء ومعارف، بل إنها تقوم على الثورة التواصلية الكبرى التي غيرت طبيعة الثقافة الإنسانية، وفرضت أنماطاً وجودية واجتماعية متشابهة في كل العالم.

لقد أطلق بعض علماء الاجتماع على هذه الظاهرة مقولة «تنميط العالم»، أي تحويله إلى قرية صغيرة لا يختلف فيها فرد عن الآخر، من حيث أسلوب حياته وطريقة تفكيره بل وأذواقه ومشاعره.

ومع أن الجميع يتوهم أن المجال التواصلي أصبح مفتوحاً حراً، إلا أنه في الحقيقة خاضع لقوى متحكمة تفرض لغتها وثقافتها وقيمها على بقية البشر.

هل يعيش العالم ما كان لابويسي سماه بالعبودية الطوعية

(Voluntary Servitude)،

التي هي قبول غير واع للسيطرة والهيمنة الثقافية؟

وهل تمدد نمط الحياة الغربية عبر الأفلام مظهر لتحديث واع أم شكل من أشكال هذه العبودية الجديدة؟