كتاب ومقالات

الاستقرار الوظيفي..!

أحمد الجميعة

خبراء الموارد البشرية لا يفضلون دائماً التنقل الوظيفي السريع للمرشحين على الوظائف، ويرون ذلك بداية للانطباع السلبي المبكر عن الشخص، ما لم يبرر خلال المقابلة الشخصية عكس ذلك، سواءً من جهته، أو الجهة التي كان يعمل فيها.

هذا الانطباع يقودنا إلى أهمية تشكيل الوعي لدى الموظفين في القطاع الخاص وخاصة الشباب؛ بأهمية الاستقرار في الوظيفة، وعدم الاستعجال بالخروج منها، والسعي إلى تطوير المهارات، واكتساب الخبرات للانتقال إلى ما هو أفضل مستقبلاً.

اليوم نتحدث عن أكثر من 2.2 مليون مواطن يعملون في القطاع الخاص، وهذا العدد الذي يتنامى بخياراته ومتطلباته ومجالاته، يحتاج إلى حالة وعي غير مسبوقة من العاملين للنظر إلى المستقبل، من خلال تحويل الوظيفة إلى مهنة يتعلمها، ويحبها، ويمارسها، ويطوّر من خبراته ومهاراته فيها؛ لأن المهنة الخيار الأمثل للاستمرار في العمل والإنجاز والتميّز، وعدم الرغبة في الانتقال إلى عمل آخر على الأقل خلال مدة زمنية قصيرة.

أكثر ما يزعج إدارات الموارد البشرية في القطاع الخاص هو سرعة التنقل بين الموظفين، والأكثر إزعاجاً حينما يتم تدريب وتأهيل الموظف ثم يتقدم باستقالته نحو العرض الأفضل، وهذه قصة أخرى طويلة ولكنها مهمة في سياق حديثنا عن الاستقرار الوظيفي، والخلاصة فيها عدم البحث عن العرض الأفضل قبل الاستقرار في الوظيفة، وتحقيق الإنجاز فيها؛ لأنه باختصار هو المحك في أي مفاضلة وظيفية مقبلة.

نقطة أخرى أيضاً مهمة في هذا السياق، وهو أن العمل تراكمي بخبراته وإنجازاته، والانتقال الوظيفي السريع لا يحقق هذه الغاية، والمقصود أن بقاء الموظف فترة أطول في الوظيفة هو أحد أسباب تحقيق المزيد من الإنجازات والنجاحات، والمنافسة على وظائف أفضل.

التنافسية في سوق العمل عالية جداً، وخصوصاً للكفاءات التي صبرت وتحمّلت وحصدت اليوم الأفضلية في تعدد العروض الوظيفية أمامها، وهذه المرحلة التي يطمح الإنسان في الوصول إليها لم تأتِ بسرعة التنقل من وظيفة لأخرى، أو الدخول في دوامة المشاكل الإدارية مع مدير أو بيئة عمل، ولكنها تحققت بالصبر والكفاح وعرق الجبين.

يوم أمس الأول جاء صديقي ليودعني بعد أن أمضى خمس سنوات في الجهة التي نعمل بها، وأخبرني سر العرض الأفضل الذي حصل عليه، وهو باختصار أنه وضع له هدف أن لا يغادر من وظيفته إلا بعد خمس سنوات على الأقل، وأن يجعل هذه الوظيفة هي مهنته ورأس ماله، ويطوّر من مهاراته الذاتية والمهنية، ويحقق في كل عام منجزاً نوعياً واحداً على الأقل يضاف إلى سيرته الذاتية، وهو ما تحقق بأكثر من منجز في العام الواحد، وسيباشر صديقي الأحد المقبل في موقعه الوظيفي الجديد بمزايا وراتب أفضل.. كل هذا بفضل الاستقرار الوظيفي والصبر.. مع الرؤية للمستقبل.