كتاب ومقالات

الطاقة النووية السعودية

محمد مفتي

على الرغم من أن فكرة امتلاك دولة ما للقوة النووية يثير الرعب ويستدعي الفزع في أذهان قادة وشعوب دول العالم؛ لما أحاط بهذا النوع من السلاح تحديداً من كوارث إنسانية لا يمكن نسيانها، غير أن السياق الصحيح لاستخدامها يزيل كل هذا القلق ويضعنا أمام واحدة من أعظم الاكتشافات البشرية، حيث لا يمكن إنكار أهمية الطاقة النووية كأحد أنواع -بل- وأهم مصادر الطاقة في العالم، رغم سلبيات استخدامها وخاصة في المجال الحربي.

الاستخدامات السلمية للطاقة النووية تتزايد يوماً بعد يوم، لذلك أصبح امتلاك محطات توليد للطاقة النووية حلماً يراود الكثير من الدول التي ترغب في النهوض والتقدم بناء على استخدام وسائل وأدوات ذكية وحديثة ومتجددة لإنتاج وتوليد الطاقة، غير أن مناقشة قضية امتلاك بعض الدول للطاقة النووية في السياق السياسي والعسكري يفرض نفسه في غالبية الأحوال، فالاضطرابات العالمية التي تسيطر على الساحة الدولية تفرض الحذر اللازم من امتلاك بعض الدول لهذا النوع من الطاقة، والتي قد تتحول لاحقاً لسلاح نووي فتاك.

لا شك أن تطوير القدرات النووية لبعض الدول هو أمر بالغ الحساسية في المجتمع الدولي، خاصة لتلك الدول التي لديها أطماع خارج حدودها، وتملك سجلاً حافلاً بالتدخل في شؤون الغير، وهذه الدول عادة ما تكون غير مسؤولة، كما يمكننا وصف قاداتها بأنهم أقرب للتهور منهم إلى الحكمة، ولهذا يعتبر امتلاكهم للطاقة النووية سلاحاً ذا حدين، فقد يقوم زعماء هذه الدولة بنقض كافة اتفاقياتهم الإقليمية والدولية وعهودهم التي قطعوها على أنفسهم بلا مبرر واضح أو سبب منطقي، وفي هذه الحالة يمكن اعتبار امتلاكهم للطاقة النووية تهديداً للسلم العام والأمن الدولي.

غير أن رغبة بعض الدول (مثل المملكة العربية السعودية) في الحصول على هذا النوع من الطاقة الواعدة يعتبر أمراً مبرراً بامتياز، فالمملكة دولة مسؤولة لم تطمع يوماً في خيرات جيرانها ولم تخلف يوماً معاهدة قامت بعقدها مع أي طرف من الأطراف، وهي دولة ذات موارد ثرية ولها مكانة دولية وإقليمية تفرضان عليها مكانة مرموقة، ويشهد لها التاريخ بأنها دولة تحترم مواثيق المجتمع الدولي، بل إن لها باعاً طويلاً في القيام بدور الوسيط السلمي الهادف لإحلال الاستقرار في المنطقة العربية والشرق أوسطية، ويشهد التاريخ على قيامها بالفعل بدور إيجابي في استتباب الأمن والهدوء وإنهاء الصراعات المشتعلة في العديد من دول المنطقة، وهو ما منحها الاحترام والتقدير من كافة دول العالم.

بفضل الله تعتبر المملكة دولة مستقرة وهي واحة للهدوء وسط بيئة عاصفة مضطربة مما يمنحها ميزة إضافية بشأن امتلاكها للطاقة النووية السلمية، كما أنه من المؤكد أن استقرار المنطقة ككل يعتمد على إحداث التوازن بين جميع القوى بها، فلا ينبغي أن تمتلك بعض القوى الطاقة النووية في الوقت الذي تمنع فيه أخرى من امتلاكها، ولا شك أن منع بعض الدول من امتلاك الطاقة النووية يهدد أمن واستقرار المنطقة بالكامل، فتوازن القوى هو صمام الأمن لاستقرارها وهو الوحيد القادر على فرض الأمن والأمان لشعوبها.

قد نتفهم قلق بعض القوى العالمية من امتلاك بعض الدول للطاقة النووية ولاسيما إذا كان تاريخها حافلاً بالانتهاكات والخروقات للقوانين الدولية، غير أن امتلاك المملكة للطاقة النووية للأغراض السلمية هو خطوة في تطوير بنيتها التحتية وخاصة في مجال الطاقة، ولعل حرص المملكة على امتلاك الطاقة النووية يأتي في سياق تجنب الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للطاقة، وخاصة في ظل تذبذب أسعاره ارتفاعاً وانخفاضاً، والاعتماد على الطاقة النووية هو اتجاه للعديد من الدول بما فيها الدول العظمى، وقد بدأت المملكة العربية السعودية في هذا الاتجاه منذ العام 2010 من خلال تأسيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، وهو ما يؤكد حسن نوايا المملكة وسلميتها، وهو ما منحها بدون أدنى شك احترام وتقدير كافة دول العالم.