كتاب ومقالات

آه يا زمن

خالد بن هزاع الشريف khalid98alshrif@

•• شاءت أقدار الله الالتقاء دون ميعاد بصديق قديم لم أره منذ أعوام ممشوقة.. لم يتجرد جُلُّ كلامنا من حديث الذكريات المفقودة.. ذلك اللقاء أعادني إلى ذكريات سِنيِّ عُمري السالِفة؛ دقها وجُلّها، سرَّائها وضرَّائها.. حياة تلك السنين الخَضِرة والعَجْفَاء؛ وضعت على طريقي أناساً من كل الطبقات والقامات.. وما أكثر المتوارين منهم عن مشهد الحياة؛ مخيرين أو مجبرين، فتناساهم المكان ونسيهم الزمان.

•• في «لقاء الصدفة» ذلك بصديقي القديم؛ مرت على مخيلتي جملة قديمة شهيرة «نحن مجتمع دفَّان»، التي عبَّر عنها بغُصَّة وحُرقة أستاذنا الأديب والمؤرخ الراحل محمد حسين زيدان (1906 - 1992).. فمن يغادر منصبه، أو يختفي عن الناس، أو يرحل عن الدنيا؛ فمصيره إلى النسيان.. وذلك الذي يثير الهيبة لعدم إثمار السنين المُورِقة الوارفة لأناس أثرونا فكراً وعلماً فعاقبناهم بالدفن سِلْواناً.

•• أولئك الذين تبرأنا منهم تنكُّراً وتنصُّلاً، وعاقبنا رحيلهم عن المشهد برحيلنا المُوجِع عنهم تملُّصاً؛ لم يعاتبوا الحياة يوماً ولم يجزعوا لها ليمنحونا حالات من الحب.. فرشوا حياتهم تِبْراً لنا باجتياح أعماقنا بأشعة نور أغدقتنا بسعادة دافئة دائِبة دؤوبة.. شنَّفوا آذاننا بأحاديث مفعمة بالشغف دغدغت حواسنا.. أتحفونا بعطايا فضلهم حين امتلكوا من سنين لهيبهم مفاتيح قلوبنا كصبح صبيح وردي ساحر خلَّاب.

•• وأولئك الذين نسيناهم بجحودنا؛ يدوي في دواخلهم صراخ مكتوم بعدما كانوا يعزفون لنا مواويل الانشراح.. فمن لم نُسدِ له التوقير في حياته الفائضة لن يموت من السأم؛ أما من نُعطيه قيمة لوجوده فلن نخسره أبداً.. ومن رميناه على جدار الحياة لن تنمو على جبينه التجاعيد، أما من أذبنا عنه تجاعيد روحه فسنعطيه تأشيرة عودة لدنيا كنا نظن أنها أدبرت عنه.