وقف إمدادات الطاقة الروسية لأوروبا.. !
الأحد / 25 / صفر / 1445 هـ الاحد 10 سبتمبر 2023 00:11
صدقة يحيى فاضل
إضافة لتسبب حرب روسيا على أوكرانيا، ورد الفعل الغربي المغرض، في تعريض العالم لاحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، نتج عن هذه الحرب عدة تداعيات خطيرة؛ منها: فرض عقوبات اقتصادية ومالية غربية هائلة على روسيا. ومن ذلك: حظر إمدادات الطاقة (نفط، غاز) الروسية إلى القارة العجوز. إذ مثّل وقف هذه الإمدادات تطوراً خطيراً، وتصعيداً حاداً، في الصراع الغربي- الروسي، في أوكرانيا. واضطرت موسكو لوقف إمدادات الغاز الروسي إلى معظم عملائها الأوروبيين؛ نتيجة رفضهم هؤلاء العملاء سداد الثمن بالعملة الروسية (الروبل). كما تم تدمير خط «نورد ستريم»، الذي كان يضخ النفط والغاز الروسي إلى أوروبا. ومعروف، أن معظم دول أوروبا تعتمد بشكل شبه تام على إمدادات الطاقة الروسية، الأقرب، والأنسب، لاحتياجاتها، وتشغيل نشاطها الاقتصادي، بكل تفرعاته. ولا شك أن أوروبا فعلت ذلك استجابة للضغوط الأمريكية، بصفة رئيسة، حيث أعلنت حظراً كاملاً على استيراد النفط الروسي بنهاية عام 2023م! مضحيةً بمستقبلها الاقتصادي، ومندفعةً إلى «مصادر» أخرى للطاقة، هي، دون شك، أغلى ثمناً، وأصعب منالاً.
وكان لروسيا رد فعل حاد على هذه المقاطعة؛ إذ وقع الرئيس فلاديمير بوتن، في مارس 2023م، مرسوماً يقضى بضرورة أن يتم دفع ثمن الإمدادات المصدرة لـ«الدول غير الصديقة» (ومن ضمنها دول الاتحاد الأوروبي، وعددها الآن 27 دولة) بالعملة الروسية. وهذا الشرط لم يكن صعباً على الأوروبيين، وهم الذين بادروا، تحت التوجيهات الأمريكية، بفرض حزم متتابعة من العقوبات الغربية، ومن ذلك: وقف الاعتماد على النفط الروسي بنهاية هذا العام؛ بهدف تصعيد الضغط على روسيا، ولإخضاعها للتفاوض من أجل وقف الحرب على أوكرانيا، دون شروط مسبقة.
لكن، يبدو أن هذه الضغوط (الأوروبية -الأمريكية) ترتد على الغرب، وتضر به، أكثر من إضرارها باقتصاد روسيا. فهي تثير الخلافات فيما بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في وقت هي أحوج فيه للوحدة، والتكاتف. وذلك بسبب تفاقم هذه التبعية الأوروبية لأمريكا، وبسبب حرمان أوروبا من مصدر الطاقة الرئيس، والأنسب، لها. الأمر الذي أثّر بالسلب على اقتصاداتها، وعلى مستويات المعيشة فيها. ومعروف، أن إمدادات الغاز الروسي شكلت أكثر من 40% من احتياجات الاتحاد الأوروبي، عام 2022م. كما زودت روسيا الاتحاد الأوروبي بحوالى 25% من واراداته النفطية، في العام الماضي (كانت ألمانيا وهولندا أكبر المستوردين). وبعض دول الاتحاد الأوروبي تشكل واردات الطاقة الروسية فيها أكثر من 90% (سلوفاكيا مثالاً). وقد رحبت الحكومة الألمانية، على مضض، بقرار الحظر المتدرج، وشرعت، مع عدة حكومات غربية أخرى، في خفض استهلاكها من الطاقة، والبحث عن بدائل للإمدادات الروسية.
****
وما زال الاتحاد الأوروبي يعمل على تخفيض استهلاك الطاقة ببلدانه، وإيجاد بدائل «مضمونة» للإمدادات الروسية. ولا يبدو أنه يحقق أي نجاح ملموس، في هذا الاتجاه؛ حيث إن معظم الأوروبيين يعانون الآن من مشاكل اقتصادية بالغة الخطورة، بسبب: شح إمدادات الطاقة، وارتفاع الأسعار، والبطالة... إلخ. بينما لم تعانِ موسكو كثيراً من العقوبات الغربية، بل إن بعض إيراداتها النفطية شهدت ارتفاعاً، رغم انخفاض صادراتها من النفط. من ذلك، أن قيمة واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز والنفط الروسي بلغت نحو 44 بليون يورو، خلال أول شهرين من بداية الحرب في أوكرانيا، بينما كانت 140 بليون يورو في عام 2021م بأكمله. والمستغرب أن شركة «جاز ستروم» الروسية أعلنت أن طلبات بعض الأوروبيين (الذين لم يشاركوا في الحظر) لاستيراد الغاز الطبيعي الروسي، عبر أوكرانيا، زادت بحوالى 40% عن العام الماضي. ومعروف، أن هناك من دول الاتحاد الأوروبي دولاً لم تشارك في الحظر، أو تحفظت بشأنه (المجر، تشيك، سلوفاكيا)، حتى أن المجر أعلنت، على لسان رئيسها، أنها مستعدة لدفع ثمن الطاقة المستوردة من روسيا بالروبل.
وقد أدى التضخم العالمي إلى ارتفاع الأسعار دولياً، الأمر الذي خلق مشكلات اقتصادية وسياسية إضافية داخل دول الاتحاد الأوروبي. وبدأت الأصوات الإعلامية والشعبية، وحتى السياسية، تنادي بإيجاد حل في أسرع وقت ممكن لهذه «الورطة التي وضعت أمريكا أوروبا فيها» -كما يقول بعض المعنيين الأوربيين- فالعقوبات استهدفت الاقتصاد الروسي، ولكن، يبدو أن المتضرر الأكبر، والحالة هذه، هو الاقتصاد الأوروبي.
****
وهكذا، نلاحظ أن العقوبات الغربية؛ المتمثلة في حظر النفط بخاصة، تضر بكل أطراف هذا الصراع العالمي. بالطبع، هناك أضرار كبيرة ألحقت بالاقتصاد الروسي، تمثلت في: تأثير الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي الغربي الهائل لأوكرانيا، وحظر استيراد الطاقة الروسية، ووقف تقديم الخدمات الأوروبية للشركات الروسية المختلفة، وحظر التعامل مع البنوك الروسية الكبرى، الأمر الذي عزل هذه البنوك عن التعامل المالي الدولي، وما إلى ذلك. ولكن ما تعانيه شعوب أوروبا -اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً- ربما يفوق ما يلحق بروسيا من أضرار، نتيجة حرب أوكرانيا، وموقف الغرب (ناتو، بزعامة أمريكا) في هذه الحرب، التي تتحمل أمريكا مسؤولية اندلاعها.
وكان لروسيا رد فعل حاد على هذه المقاطعة؛ إذ وقع الرئيس فلاديمير بوتن، في مارس 2023م، مرسوماً يقضى بضرورة أن يتم دفع ثمن الإمدادات المصدرة لـ«الدول غير الصديقة» (ومن ضمنها دول الاتحاد الأوروبي، وعددها الآن 27 دولة) بالعملة الروسية. وهذا الشرط لم يكن صعباً على الأوروبيين، وهم الذين بادروا، تحت التوجيهات الأمريكية، بفرض حزم متتابعة من العقوبات الغربية، ومن ذلك: وقف الاعتماد على النفط الروسي بنهاية هذا العام؛ بهدف تصعيد الضغط على روسيا، ولإخضاعها للتفاوض من أجل وقف الحرب على أوكرانيا، دون شروط مسبقة.
لكن، يبدو أن هذه الضغوط (الأوروبية -الأمريكية) ترتد على الغرب، وتضر به، أكثر من إضرارها باقتصاد روسيا. فهي تثير الخلافات فيما بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في وقت هي أحوج فيه للوحدة، والتكاتف. وذلك بسبب تفاقم هذه التبعية الأوروبية لأمريكا، وبسبب حرمان أوروبا من مصدر الطاقة الرئيس، والأنسب، لها. الأمر الذي أثّر بالسلب على اقتصاداتها، وعلى مستويات المعيشة فيها. ومعروف، أن إمدادات الغاز الروسي شكلت أكثر من 40% من احتياجات الاتحاد الأوروبي، عام 2022م. كما زودت روسيا الاتحاد الأوروبي بحوالى 25% من واراداته النفطية، في العام الماضي (كانت ألمانيا وهولندا أكبر المستوردين). وبعض دول الاتحاد الأوروبي تشكل واردات الطاقة الروسية فيها أكثر من 90% (سلوفاكيا مثالاً). وقد رحبت الحكومة الألمانية، على مضض، بقرار الحظر المتدرج، وشرعت، مع عدة حكومات غربية أخرى، في خفض استهلاكها من الطاقة، والبحث عن بدائل للإمدادات الروسية.
****
وما زال الاتحاد الأوروبي يعمل على تخفيض استهلاك الطاقة ببلدانه، وإيجاد بدائل «مضمونة» للإمدادات الروسية. ولا يبدو أنه يحقق أي نجاح ملموس، في هذا الاتجاه؛ حيث إن معظم الأوروبيين يعانون الآن من مشاكل اقتصادية بالغة الخطورة، بسبب: شح إمدادات الطاقة، وارتفاع الأسعار، والبطالة... إلخ. بينما لم تعانِ موسكو كثيراً من العقوبات الغربية، بل إن بعض إيراداتها النفطية شهدت ارتفاعاً، رغم انخفاض صادراتها من النفط. من ذلك، أن قيمة واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز والنفط الروسي بلغت نحو 44 بليون يورو، خلال أول شهرين من بداية الحرب في أوكرانيا، بينما كانت 140 بليون يورو في عام 2021م بأكمله. والمستغرب أن شركة «جاز ستروم» الروسية أعلنت أن طلبات بعض الأوروبيين (الذين لم يشاركوا في الحظر) لاستيراد الغاز الطبيعي الروسي، عبر أوكرانيا، زادت بحوالى 40% عن العام الماضي. ومعروف، أن هناك من دول الاتحاد الأوروبي دولاً لم تشارك في الحظر، أو تحفظت بشأنه (المجر، تشيك، سلوفاكيا)، حتى أن المجر أعلنت، على لسان رئيسها، أنها مستعدة لدفع ثمن الطاقة المستوردة من روسيا بالروبل.
وقد أدى التضخم العالمي إلى ارتفاع الأسعار دولياً، الأمر الذي خلق مشكلات اقتصادية وسياسية إضافية داخل دول الاتحاد الأوروبي. وبدأت الأصوات الإعلامية والشعبية، وحتى السياسية، تنادي بإيجاد حل في أسرع وقت ممكن لهذه «الورطة التي وضعت أمريكا أوروبا فيها» -كما يقول بعض المعنيين الأوربيين- فالعقوبات استهدفت الاقتصاد الروسي، ولكن، يبدو أن المتضرر الأكبر، والحالة هذه، هو الاقتصاد الأوروبي.
****
وهكذا، نلاحظ أن العقوبات الغربية؛ المتمثلة في حظر النفط بخاصة، تضر بكل أطراف هذا الصراع العالمي. بالطبع، هناك أضرار كبيرة ألحقت بالاقتصاد الروسي، تمثلت في: تأثير الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي الغربي الهائل لأوكرانيا، وحظر استيراد الطاقة الروسية، ووقف تقديم الخدمات الأوروبية للشركات الروسية المختلفة، وحظر التعامل مع البنوك الروسية الكبرى، الأمر الذي عزل هذه البنوك عن التعامل المالي الدولي، وما إلى ذلك. ولكن ما تعانيه شعوب أوروبا -اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً- ربما يفوق ما يلحق بروسيا من أضرار، نتيجة حرب أوكرانيا، وموقف الغرب (ناتو، بزعامة أمريكا) في هذه الحرب، التي تتحمل أمريكا مسؤولية اندلاعها.