كتاب ومقالات

صراع قطبي عالمي !

علي محمد الحازمي

لقد تغير نموذج النظام العالمي بشكل كبير، وخاصة في فترة ما بعد الحرب القطبية الثنائية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقاً إبَّان الحرب الباردة، إلى القطبية الأحادية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1989. هذا السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي ترك الساحة العالمية خاليةً لتصبح الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة المهيمنة عالمياً والمتحكمة في مفاصل القرار السياسي والاقتصادي والعسكري. ظهر مجدداً مصطلح التعددية القطبية مرة أخرى على السطح، وخاصة في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2008.

على مدى العقدين الماضيين، شهدنا تحولات سريعة في تبادل وتوزيع أدوار السلطة في جميع أنحاء العالم. انتقلنا من تكوين ثنائي القطب بين عامي 1945 و1989 إلى تكوين أحادي القطب بين عامي 1989 و2008، قبل الدخول فيما يمكن أن نسميه اليوم «تعدد الأقطاب المعقد».

من يدقق في المشهد السياسي والاقتصادي العالمي يلاحظ أن التعددية القطبية تتمثل اليوم إما أن تكون على هيئة دول ضد دول، وهذا ما نلاحظه جلياً في ثلاثة أقطاب مهيمنة وهي: الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي أو على شكل تحالفات مثل تحالف دول البريكس؛ الذي يحاول استقطاب أكبر عدد ممكن من الدول ليشكل قوة اقتصادية وسياسية يكون لها تأثير عالمي، أو تحالف دول 77 الذي أنشئ عام 1964 ويشمل معظم الدول النامية والناشئة وفي الغالب القاسم المشترك بين معظم الدول المنتمية لهذا التكتل ترى أنه وقع عليها الظلم الكثير من الدول الكبرى الغنية، وأنها لا تتمتع بحقوقها العالمية مما حدا بها للتحرك بشكل لافت في الفترة الأخيرة، وخاصة في ضوء ظهور مصطلح التعددية القطبية بشكل أكبر، علاوة على ذلك تحالف منظمة شنغهاي للتعاون؛ الذي يعتبره الكثير أنه أداة روسية صينية لمواجهة الهيمنة الغربية. لا نستطيع إسقاط رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) من المشهد العالمي؛ كونها أكبر شريك تجاري للصين والعديد من الدول الأخرى.

على الرغم من أن البنية العالمية أكثر تعقيداً من الناحية السياسية لأن القطبية الصينية الأمريكية الناشئة تعمل بشكل متزايد على هيكلة النظام العالمي سياسياً واقتصادياً، وهناك قوى سياسية واقتصادية وعسكرية إقليمية قوية مثل روسيا والاتحاد الأوروبي لا يمكن تحييدها مما يحدث على الساحة العالمية.

في المجمل قوة العلاقات الصينية الروسية، وظهور مبادرة الحزام والطريق الصينية التي يمولها البنك الآسيوي للاستثمار، وبنك التنمية الجديد التابع لبريكس، ما هي إلا علامات واضحة على التحول إلى عالم متعدد الأقطاب، لتوفير بدائل لمؤسسات بريتون وودز وإقامة منافسة على النفوذ بين الولايات المتحدة والصين.