ثقافة وفن

ابن عايض صالح: «إذا هلل التوباد» يكشف علاقة مجنون ليلى بـ«نجران»

كتابه الجديد يباع في معرض الرياض الدولي للكتاب

ابن صالح عايض

«عكاظ» (الرياض)

كشف الكاتب الروائي ابن عايض صالح عن تفاصيل كتابه الجديد الذي سيباع في معرض الرياض الدولي للكتاب تحت عنوان «إذا هلل التوباد»، لافتاً إلى أن فكرة الكتاب بدأت بعد لقائه بأحد أصدقائه من مدينة الأفلاج، الذي وصفه بالعميق والعاشق والكاتب الذي لا يمكن سبر أغواره بسهولة، غير أن وفاة صديقة وهو يتسلق الجبال في أبها كانت فاجعة كبيرة بالنسبة له، فانبثقت رحلة الكتابة عنه وعن جبل التوباد، وعن الجديد في كتابه أوضح ابن عايض أن قيس كان له ارتباط بنجران، إذ كان يناجي التوباد من ثجر، بوابة نجران الشمالية، وإليكم نص الحوار:

• في معرض الرياض الدولي للكتاب، القراء على موعد مع كتابك الجديد «إذا هلل التوباد»، حدثنا عن الكتاب وكيف بدأت فكرته؟

•• منذ سنوات طوال اتخذت من المشي مسافات طويلة وسيلة للتعبير عن أفكاري، تلك الأفكار التي لا يمكن التعبير عنها بالكلمات، أفكار تمس وجع المجتمع وتعالج جراحه «التداوي بالمشي»، لقد كان رأس مالي قدمين، وألماً سحيقاً لا يمكن سبر أغواره، وكان التداوي بالمشي خياري واختياري كلما ألمت بي ملمة، هو سبيلي الدائم للخروج من الأزمات، للرحيل الشافي، المشي حياة متدفقة، لا ضير فيها ولا ضرار، ولا أزر فيها وزراً.

أثناء مسيرة الخير وحب الوطن (2019) مشياً على الأقدام من نجران إلى الرياض، كان الجميع يرحب بالفكرة ويشجعها، وبين مصدق ومكذب، وأزعم بأن الرسالة وصلت، وهي وطنية من خلال دعم ومساندة الأيتام، ليس كجهة أو فرد أو مؤسسة، بل كمجتمع، كأهل كأقارب. وفي الطريق استقبلنا قبل الأفلاج رجل استثنائي، رجل عاشق، رجل عميق جداً، ولا يمكن سبر غوره. في البداية كنت متهيباً من الحديث معه، لقد كان لديه قدرة على التأويل والتحليل بشكل لم أجده عند شخص قبله، عبدالله محمد العاتي العجمي رجل تربوي وإنساني واجتماعي تشهد له الأفلاج والرياض بذلك وأسرته الكريمة. كان عاشقاً، وكان كاتباً، وشاركني بالكثير بكتابته. بالمختصر كان يجدني محفزاً وملهماً له، وكان ذلك يسرني بأن أجد من يفهم ما أريد قوله، وأكون سبباً في جعله يبدع ويبتكر، ولكننا صدمنا بموته أثناء تسلقه الجبال في أبها، فانبثقت رحلة الكتابة عنه وعن جبله الذي يباهي به جبل التوباد، وكأنه يوصيني بحفظ ونشر ما كتب.

أيها العاتي:

كلما مات عاشق هللّ التوباد وبكى

ولمَ لا يبكي؟

وهو الذي كان لقيس أنيساً وشاهداً

لقد كان خير أنيس وخير نديم لقيس، فلم يكن أحد يحتمل أساه وحزنه وحنينه على الأطلال ووجده على ليلى إلا جبل التوباد، ينشده الأشعار ويشكي له الهجر وصرم الحبال، وسلوان الأحبة والأهل.

الكتاب يتحدث عن العاتي والتوباد كشيء واحد وعلاقتمها بنجران وقيس، ومن ثم أسرد نصوصه من خلال جدل مسرحي بيني وبينه وبين أشعار قيس بن الملوح مجنون ليلى.

• جبل التوباد ارتبط بقيس وليلى وهذا الموضوع أُشبع بحثاً وسرداً وشعراً.. فما الجديد الذي يضيفه كتاب ابن عايض؟

•• قيس كان يناجي التوباد من ثجر، بوابة نجران الشمالية، الجديد الرابط بين قيس ونجران..

قيس بين ثجر والحمى، لقد ساقني حب نجران، إلى أن أبحث عن أحبته، ويا للعجب، أن يكون العشاق أعظم عشاق البشر المرقش وقيس ليلى مناجاتهم ونهاياتهم فيه. وهذا ما دفعني في الكتاب للتساؤل:

ماذا عنك؟ ماذا عنا؟ ما هي تلك المعادلة الخفية التي تنسج خيوط المحبة سماء للأحبة تظلهم من عيون الكاشحين. لقد ساقتني الرحلة من خلالك إلى أن أجد نسيجاً خفيّاً، يجعلني أتساءل، ما سر نجران والعشاق؟

لقد كنت دائماً تحدثنا عن التوباد ومناجاة قيس له، وقد أخبرتك مرات عدة بأن قيساً يناجي ليلى من نجران، وقد وعدتني برحلة نسيح فيها من حيث نعتقد بأنها دياره التي واروه الثرى فيها، حيث يقول:

خليلي إن حانت وفاتي فارفعا

بي النعش حتى تدفناني على ثجر

والتي ما زالت قائمة إلى اليوم بوابة شمالية لمحافظة ثار حيث تلامس قرية الفاو شمالاً، وعلى مشارف حمى، حيث تكون آبارها الخالدة، التي سجلوها أخيراً في قائمة اليونيسكو للتراث العالمية، حيث يكون الشاهد الأعظم على مجزرة اليهود للمؤمنين في نجران من النصارى في حادثة الأخدود.

الأدهى من كل ذلك هو ترديده لحمى، أكثر من مرة ومناجاته ليلى منها، ولكن الغالبية فسرته بأن الحمى هي الديار أو منطقة القبيلة حيث يكون، وذلك لا يتوافق مع شعره ومطالبته للصحبة بالدفن في ثجر.

سَقى اللَهُ أَطلالاً بِناحِيَةِ الحِمى

وَإِن كُنَّ قَد أَبدَينَ لِلناسِ ما بِيا

أَلا يا حَماماتِ الحِمى عُدنَ عَودَةً

فَإِنّي إِلى أَصواتِكُنَّ حَنونُ

• الإهداء كان موجهاً إلى روح عبدالله العاتي آل شامر العجمي، وحمل الإهداء كلمات مؤثرة، فهل لنا أن نعرف ما وراء هذه الكلمات؟

•• لا نلتقي كل يوم بعاشق، العشاق عملة نادرة وجوهرة إنسانية ثمينة يجب أن نكنزها لنضمن بقاء الإنسانية، عبدالله العاتي كان رجلاً علماً وكتابة، ولكنه تميز بعشقه للجمال. حق المحبة والوفاء للصحبة والأخوة يحتم عليّ أن أوفيه حقه، في عاداتنا وتقاليدنا من يماشيك ويسايرك له حقوق عظيمة يجب أن توفيه بها، وعبدالله العاتي تشهد له الأفلاج وأهاليها والرياض قبل أن نشهد له، وأطلقت باسمه مبادرة تآلف مبادرة من جمعية صون في الأفلاج.

• شاركت في الكثير من معارض الكتاب، فكيف ترى تلك المعارض؟

•• بالنسبة لي المعارض سياحة روحانية وفكرية، ووقت ثمين لم أكن يوماً قبل المعرض وبعد المعرض ذات الشخص، أتذكر عام 2006 وأثناء عودتي من خارج الوطن بعد عملي في وزارة الخارجية، حضرت معرض الكتاب، وكنت متعطشاً للكتب، السفر والغربة في كازاخستان والهند لا تتوفر فيها الكتب، خلال ثلاث سنوات صدرت رواية أرملة مهندس 2009، والخاتمة فيها، بأنني سأسخر كافة قواي للعمل الإنساني وخصوصاً الأيتام. معرض الرياض صار قبلة للكتاب ودور النشر والقراء، وطموحي وهاجسي هو في معرض كتاب تاريخي في نجران، نعرض فيه التاريخ على هيئة كتب. المعارض فرصة ولكننا لا نستثمرها كما يجب، ولا نعطي فرصة للإبداع والأفكار غير التقليدية، لو خصص 20% للأفكار الإبداعية من خارج المنظومة أو التنظيم لصرنا من الرواد العالميين.

• ما مشاريعك الكتابية القادمة؟

•• أعمل على إكمال بحثي العلمي في معالجة الصور الطيبة وقراءة الدماغ البشري وربطها مع بحثي في القيادة تكملة لكتاب قيادة الأفكار تعلمك القيادة، المجال هو الأول من نوعه على مستوى العالم ولا يوجد الكثير من المختصين في هذا المجال، ولقد عانيت الأمرين في الوصول إلى من لديهم ذات الشغف والاهتمام، هذا هو مجال المستقبل، وقد كرس إيلون ماسك كل شركاته في هذا المجال.

• روايتك السابقة المرقش (حالت قرى نجران دون لقائها) وجبل التوباد، كلاهما تدوران في دائرة العشاق وجنون الحب ما الرابط بينها؟

•• لا أعلم، وكلاها أتت بناء على الأحداث دون تخطيط، العامل المشترك بيننا جميع حب نجران.

مثلما أتى في كتاب إذا هلل التوباد:

لقد كنت تُحب نجران، ونجران تمنح أحبتها المحبة والخلود، وها أنا جزء منها، يحاول أن يرد لك ولو الشيء اليسير مما كنت تبديه وتباهي به.

نجران لا تنسى أحبتها، وخصوصا العشاق منهم، لها ذاكرة من خلود.