اقتصاد

كيف يمكِّن صندوق التنمية الوطني البنوك والصناديق التنموية من تحقيق أهدافها؟

«عكاظ»(جدة)

يعتمد رفاه الأفراد والمجتمعات على التنمية الوطنية، وترتبط بها بعلاقة طردية، وتبرز الصناديق التنموية في كل بلد كأداة رئيسية لتحقيق هذه التنمية، إذ تُساهم في صياغة الإستراتيجيات والخطط واعتماد البرامج المستحدثة وتمكين المستفيدين من كل الفئات؛ بما يضمن تحقيق مجموعة من الأهداف المحددة لمواكبة الاحتياجات المجتمعية في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة.

وفي السعودية، يبرز دور صندوق التنمية الوطني كمشرف لتمويل التنمية، حيث يقوم الصندوق بالإشراف على التنمية الصناعية والاقتصادية والاجتماعية في المملكة، ويساهم في تحقيق رحلة المملكة الملهمة للتحول الاجتماعي والاقتصادي نحو مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح، ويلعب الصندوق دورًا مهمًا في ضمان الاستثمار الأمثل لرأس المال وتوظيفه في مشاريع مؤثرة، ومستدامة وذات إمكانات واعدة، وذلك عبر أسس رئيسية تتمثّل في تنظيم التنمية، وضمان الاستدامة، وتمكين تمويل القطاع الخاص.

ويعد الصندوق من أكبر الصناديق التمويلية التنموية من حيث نسبة الأصول إلى الناتج المحلي الإجمالي في مجموعة اقتصاديات دول العشرين بأصول تصل إلى 496 مليار ريال سعودي، لذا فإن قوة الصندوق المالية تخوله لتمكين البنوك والصناديق التنموية للعمل جنباً إلى جنب لتخطي تقلبات الدورات الاقتصادية من ناحية، وتحقيق الأهداف المنشودة للصناديق والبنوك التنموية التابعة. فكيف يمكّن الصندوق مؤسساته التنموية التابعة؟

تحسين الحوكمة لتعزيز الأداء تُسهم الحوكمة في تحسين الأداء المؤسسي، ويمكنها مساعدة الصناديق التنموية في أن تصبح أكثر استقراراً وإنتاجية، وتفتح فرصاً جديدة لتحقيق أهدافها، فضلاً عن تقليل المخاطر، وتسريع عملية النمو. لذا فإن الصناديق التنموية الكبرى تعتبرها توجهاً لا بد منه، فمثلاً عمّم صندوق التنمية الوطني دراسة مرجعية لأفضل الممارسات الدولية ذات العلاقة بإعداد الإستراتيجية والنموذج التشغيلي، ونموذج العمل للصناديق التمويلية، ليسهم في تحسين أداء الصناديق التنموية والبنوك وزيادة إنتاجيتها الكلية، وتعزيز مصداقيتها مع الأسواق.

وفي سبيل تحسين الحوكمة لتعزيز الأداء المؤسسي، تبنّى الصندوق في إستراتيجيته عدة ركائز، مثل تنسيق دعم التنمية، أي تفعيل مستهدفات المملكة التنموية من خلال تأمين الوفورات التمويلية التنموية لمستفيدي الصندوق عبر الجهات التابعة له، ووضعت الإستراتيجية 30 مبادرة، كان على رأسها معالجة فجوات الأعمال والتمويل ومواءمة جهود الصناديق والبنوك التابعة.

تحقيق الاستدامة المالية يشير هذا المصطلح إلى القدرة على تلبية الالتزامات الحالية والمستقبلية، وتحمّل الصدمات، والوفاء بالتزامات الديون، والحفاظ على قيمة رأس المال، إضافة إلى تنفيذ برامج والتزامات التنمية المتعلقة بالمصلحة الوطنية وتوقعات الدخل بشكل مستقل، والحفاظ على ثقة المجتمع فيما يتعلق باستمرارية برامج التنمية. لهذا، فإن صندوق التنمية الوطني اعتمد عدة مبادرات في إستراتيجيته، أبرزها الاستدامة المالية وإدارة الموارد المالية بكفاءة، وتطوير نموذج لتوحيد وإدارة رؤوس أموال الصناديق والبنوك التابعة.

وبالتالي، فإنه يركز على تحقيق الاستدامة المالية؛ حتى يتمكن من تقديم الدعم اللازم للتنمية بصفة مستمرة، وعلى نطاق واسع، ولأكبر عدد ممكن من المستفيدين. وقدمت منظومة التنمية، ممثلة بصندوق التنمية الوطني والصناديق التنموية والبنوك التابعة له، خلال النصف الأول من العام 2023 تمويلات بلغت 14.1 مليار ريال، وبلغ الدعم المصروف حوالى 10.3 مليار ريال، وتجاوزت قيمة الضمانات 5.6 مليارات ريال سعودي تمركزت في دعم الاقتصاد المحلي.

الحد من التداخل بين الأعمال والمهمات يتطلع الصندوق عند الإشراف على البنوك المتخصصة والصناديق التنموية ذات القدرات الهائلة، إلى إحداث تأثير مستدام، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التزام كل منهم بعمله ومهماته، للمضي قدماً نحو تحقيق الأهداف بأكثر الطرق سلاسة. وتعتمد إستراتيجية الصندوق على الحد من التداخل بين أعمال البنوك والصناديق التنموية، وتعليقاً على ذلك، قال محافظ صندوق التنمية الوطني، ستيفن بول جروف: «أمامنا فرصة كبيرة لتعزيز كفاءة الصناديق والبنوك التنموية الحكومية من حيث تحديد فرص التمويل واستثمارها في جميع أنحاء المملكة، فضًلا عن تعزيز جهودها التعاونية بهدف مشاركة الخدمات والحد من أوجه التداخل في عملياتها». توحيد رؤوس الأموال يعمل صندوق التنمية الوطني على مشروع إعادة هيكلة وتوحيد رؤوس أموال الجهات التابعة للصندوق والذي يهدف إلى تمكين الصندوق من ممارسة أدواره التنفيذية، والإشرافية، والرقابية، والتنظيمية على الصناديق والبنوك التنموية التابعة؛ لتحقيق الاستفادة المثلى من الموارد المالية المتوافرة لديها، وتعزيز أدائها، وتحقيق الاستدامة المالية، والوصول إلى أسواق رأس المال والتمويل الخارجي، وتوفير موارد مالية إضافية ومستمرة؛ مما يُعظِّم الدور التنموي لها، ويُمكِّنها من تحقيق أهدافها، ورفع كفاءتها، وزيادة أثرها التنموي والاقتصادي، بما يخدم أولويات التنمية الاقتصادية في المملكة. ومن خلال هذا المشروع، سيتمكَّن الصندوق من تسخير الموارد المالية الموحدة، وزيادة الكفاءة التشغيلية والمالية؛ حيث ستكون لديه القدرة والمرونة على إدارة السيولة ورأس المال والاستثمار، بناءً على حاجة وطلب كل جهة تابعة، وحسب الأولويات التنموية للمملكة. وكذلك توفير الاحتياجات الرأسمالية والموازنات التشغيلية للصناديق والبنوك المستحدثة مؤخراً مثل صندوق البنية التحتية الوطني (تحت التأسيس). كما سيسهم في زيادة قدرة الصندوق على ممارسة أحد أدواره الرئيسية، وهو العمل كأداة فعّالة لمواجهة وتخفيف آثار تقلبات الدورات الاقتصادية، فكان للصندوق دور محوري في تخفيف الآثار الاقتصادية المترتبة على جائحة «كوفيد-19»، حيث دعم العديد من القطاعات الاقتصادية لمواجهة آثار الجائحة بأكثر من 28 مليار ريال، بعدد مستفيدين بلغ أكثر من 350 ألف فرد وأكثر من 36 ألف منشأة كبيرة ومتوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر.

ويعزز مشروع توحيد رؤوس الأموال عمل الصندوق في وضع إستراتيجية وآلية فعّالة؛ لمعالجة القروض والأصول غير العاملة والمتعثرة لدى الصناديق والبنوك التابعة؛ ما يساهم في إدارتها بشكل أفضل، والعمل على تحسين إجراءات التحصيل، والاستفادة منها بشكل أكثر فاعلية لتعزيز المركز المالي للصندوق. ويتوقع أن يمكّن هذا المشروع الصندوق من تطبيق خطته التنفيذية الإستراتيجية طويلة المدى، الهادفة إلى التحول إلى مؤسســة مالية تنموية متكاملة؛ لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والأولويات التنموية للمملكة، وفقاً لمستهدفات رؤية السعودية 2030.