«ديّتك في الدرج» !
متاجرة مكشوفة بالدماء والتنازل عن القصاص
الجمعة / 21 / ربيع الأول / 1445 هـ الجمعة 06 أكتوبر 2023 03:03
إبراهيم العلوي (جدة) i_waleeed22@
لم تعد مبالغ الديّات للتنازل عن القصاص مقبولة بعد وصول عدد منها إلى أرقام فلكية عدّها المجتمع متاجرة بالرقاب لا تمت بأي صلة للدين ولا للعادات والأعراف ولا يقرها عاقل، فالمبالغ المليونية التي تضجُّ بها ساحات التنازل عن القصاص، أغفلت فضيلة العفو ابتغاءً للأجر والمثوبة، فغاب فعل نورة الشهراني التي ضُربت بفعلها الأمثال وتداول سماحتها الركبان؛ إذ أجارت قاتل ابنها الذي دخل مستجيراً بها ومعترفاً بجريمته بحق ابنها عبدالله.
عفو نورة الذي قلّ أن يتكرر بعد أن ذهب قاتل ابنها إليها قبل صلاة المغرب ودخل عليها في بيتها قائلاً لها «أنا قتلت ابنك عبدالله وأنا في وجهك»، فقالت «إنا لله وإنا إليه راجعون.. أجرتك، أنت في وجهي.. أجرتك، أنت في وجهي»، وطلبت من أبنائها عدم الاقتراب منه وعدم إيذائه حتى تأتي الجهات الأمنية وتتسلمه وتقوم بإجراءاتها النظامية والقضائية والشرعية.
ولم تتوقف سماحة نورة الشهراني، عند هذا الحد، فقد علمت في اليوم الثاني من العزاء -وفق ابنها الثاني محمد الراجح الواهبي- عن عزم جيرانهم (عائلة القاتل) على الرحيل، لتوفد إليهم من أبنائها من يؤكد لهم أن جيرة السنين لا تُذهبها نزغة شيطان، وأن القاتل لا يمثِّل إلا نفسه، مُشيرة إلى أن جيرانهم لهم حق الجوار وحق الدين.
واجتمعت أسرة القتيل في أول أيام عيد الفطر واتخذت قراراً بالعفو عن القاتل دون مقابل ولوجه الله، رافضين كل ما دفع إليهم من ديات وأموال بعد صدور الحكم عليه، بل إن نورة (والدة المقتول)، هنأت والدة القاتل هاتفياً بعيد الفطر وزفّت لها خبر العفو، مضيفة أن الأسرة عفت عن القاتل طلباً للأجر والمثوبة.
وأثارت قصة عفو جديدة قام بها مطير العطوي، الذي عفا عن قاتل نجله، أجمل وأرقى وأسمى صور ومعاني الصفح والعفو والنُّبل بتنازله عن قاتل ابنه قبيل لحظات من تنفيذ القصاص، رغم أن أهل القاتل قدموا مبالغ مالية طائلة للتنازل، وحضرت وساطات كبيرة من الوجهاء، وقبيل تنفيذ الحكم في ساحة القصاص قررت أسرة القتيل العفو لوجه الله تعالى ابتغاء الأجر.
التنازل رحمة
يؤكد عبداللطيف الحربي، أن الله جعل التنازل عن القصاص رحمة، مضيفاً أن هناك عفواً أعظم من التنازل عن القصاص إلى الدية، وهو العفو مُطلقاً ابتغاء ما عند الله من الأجر والثواب في الآخرة. والكثير يغيب عنهم أن الشريعة جاءت لحفظ مصالح العباد في الحال والمآل، ومن أسمى أهدافها وأنبل غاياتها جلب المصالح ودرء المفاسد في كل الأحوال والظروف، ومن أهمها حفظ النفس البشرية وحمايتها، فارتكزت تشريعاتها وأنظمتها في مختلف مؤسساتها القضائية وأجهزتها التنفيذية على إقامة شرع الله وتحكيم أوامره وتنفيذ شرعه.
وأضاف الحربي: إن من رحمة الله التي وسعت كل شيء أن جعل لعتق الرقبة لوجه الله فضلاً كبيراً لما له من زرع الألفة وإيجاد التراحم بين صفوف المجتمع، مستنكراً على كافة المستويات ظاهرة المطالبة بمبالغ باهظة لقاء التنازل، إذ يجب تكثيف الوعي الشرعي بين الناس والتحذير من الظاهرة السيئة وسن القوانين لمنع تزايد هذه الظاهرة لما لها من سلبيات وآثار على المجتمع، إذ غالى البعض في الديات وتعاظمت المطالب في احتساب الديات؛ نظير التنازل عن دم المقتول والأموال الطائلة التي يتكبدها أهل الجاني وعصبته مقابل التنازل، ما يوغر النفوس وتحمّل تبعات عظيمة وفيها تغيب فضيلة العفو.
القاتل لا يدفع !
وأكد عبداللطيف الحربي أن الله شرع القصاص في القتل العمد لردع من تسول له نفسه إزهاق نفس بغير حق، كما ندب الشرع إلى حثّ أولياء الدم على الصلح والتنازل لوجه الله أو أخذ دية القتل العمد.. ودية القتل العمد -كما هو مقرر- هي الدية المغلظة، لكنها لا تزيد كثيراً عن دية القتل الخطأ.
وشدد على أن ظاهرة طلب الديات الكبيرة أصبحت مقلقة لذوي القاتل وقبيلته حتى يوافق ولي الدم على التنازل دون النظر إلى مقدار ما يُدفع، فهم يريدون إنقاذ الجاني من القصاص لكن في الوقت نفسه الغالب أن القاتل لا يدفع شيئاً وأن الذي يتحمل ذلك أناس لا ذنب لهم في ما أقدم عليه الجاني. وأوضح أن المبالغة في طلب تعويض الديات تعد بمثابة إلغاء لمقاصد هذه العقوبة وتحويلها لتجارة مقيتة تدخل في باب النهي.
متاجرة مكشوفة
الدكتور فهد السلمي، يرى أن المُغالاة في طلب الديات أصبحت متاجرة مكشوفة، ولو غُلفت بمسمى ديات فهي الحقيقة هي ليست ديات، إذ الديات لها مدلولها الشرعي ومقدارها المحدد الذي وضعته الدولة وسنته القوانين، وما نشاهده حالياً من بعض الديات التي تصل إلى 50 مليوناً، وتتجاوزها في أحيان أخرى إلى 65 مليوناً يعد تعجيزاً وهي مبالغات كبيرة ومزعجة تشوه مجتمعنا.
وأضاف السلمي: يجب أن يبذل الوسطاء ومن يسعى في الصلح وإعتاق الرقاب لنبذ مثل المبالغات في الديات وعدم قبولها. واستطرد: الجميع يعلم أن بعض تلك المبالغ المليونية تذهب إلى بعض هؤلاء السعاة، والمبالغ المليونية لا تظهر إلا بعد اكتساب حكم القصاص القطعية لتبدأ بعدها المساومة ونصب الخيام وتجميع الوجهاء، وهو أمر محزن تصاحبه تصرفات سلبية تُذهب فضل العفو، ومن عفا وأصلح فأجره على الله.
وشدد السلمي، على أن نعمة الصلح تحولت إلى نقمة مهلكة على الجاني وأهله والمجتمع، فقد فتحت تلك الديات المليونية على المجتمع أبواب الشرور وتغير مقصود القصاص من حفظ الدماء والأعراض والأنفس إلى التساهل في أمرها، عبر ممارسات شبابية «الدية في الدرج» والمفاخرة والغلو فأصبح البعض يكرر أنه لن يخسر شيئاً، وأن قبيلته ستدفع كل الأموال لإطلاق سراحه، وهذا الأمر يمهّد للجريمة والتهاون في حفظ الدماء والأنفس بالقتل.
فتح حساب الدية
أكد المحامي رامي الشريف، أنه يُسمح بفتح حسابات خاصة لجمع التبرعات بعد إتمام عقد الصلح، ويكون ذلك بالتنسيق بين إمارة المنطقة والبنك المركزي وفق إجراءات؛ منها موافقة وزارة الداخلية على فتح حساب بنكي محدد المدة.
وأكد الشريف، أنه لا يكون لأي طرف من أطراف القضية أي صلاحية على الحساب نهائياً، ولا يحق إصدار دفاتر شيكات أو بطاقات صرف بنكية خاصة بالحساب أو التحويل منه، ويوقف البنك الحساب تلقائياً في حال اكتمال مبلغ الدية، بحيث لا يقبل أي مبلغ إضافي يزيد على مبلغ الدية.
وحذر من مخالفة نظام مكافحة التسول عبر استجداء المال باستخدام منصات التواصل الاجتماعي الذي يعاقب عليه القانون، كما أن القيام بجمع مبالغ الديات بشكل فردي ودون إذن من جهات الاختصاص يعد مخالفة جسيمة يعاقب مرتكبها بالسجن.
عفو نورة الذي قلّ أن يتكرر بعد أن ذهب قاتل ابنها إليها قبل صلاة المغرب ودخل عليها في بيتها قائلاً لها «أنا قتلت ابنك عبدالله وأنا في وجهك»، فقالت «إنا لله وإنا إليه راجعون.. أجرتك، أنت في وجهي.. أجرتك، أنت في وجهي»، وطلبت من أبنائها عدم الاقتراب منه وعدم إيذائه حتى تأتي الجهات الأمنية وتتسلمه وتقوم بإجراءاتها النظامية والقضائية والشرعية.
ولم تتوقف سماحة نورة الشهراني، عند هذا الحد، فقد علمت في اليوم الثاني من العزاء -وفق ابنها الثاني محمد الراجح الواهبي- عن عزم جيرانهم (عائلة القاتل) على الرحيل، لتوفد إليهم من أبنائها من يؤكد لهم أن جيرة السنين لا تُذهبها نزغة شيطان، وأن القاتل لا يمثِّل إلا نفسه، مُشيرة إلى أن جيرانهم لهم حق الجوار وحق الدين.
واجتمعت أسرة القتيل في أول أيام عيد الفطر واتخذت قراراً بالعفو عن القاتل دون مقابل ولوجه الله، رافضين كل ما دفع إليهم من ديات وأموال بعد صدور الحكم عليه، بل إن نورة (والدة المقتول)، هنأت والدة القاتل هاتفياً بعيد الفطر وزفّت لها خبر العفو، مضيفة أن الأسرة عفت عن القاتل طلباً للأجر والمثوبة.
وأثارت قصة عفو جديدة قام بها مطير العطوي، الذي عفا عن قاتل نجله، أجمل وأرقى وأسمى صور ومعاني الصفح والعفو والنُّبل بتنازله عن قاتل ابنه قبيل لحظات من تنفيذ القصاص، رغم أن أهل القاتل قدموا مبالغ مالية طائلة للتنازل، وحضرت وساطات كبيرة من الوجهاء، وقبيل تنفيذ الحكم في ساحة القصاص قررت أسرة القتيل العفو لوجه الله تعالى ابتغاء الأجر.
التنازل رحمة
يؤكد عبداللطيف الحربي، أن الله جعل التنازل عن القصاص رحمة، مضيفاً أن هناك عفواً أعظم من التنازل عن القصاص إلى الدية، وهو العفو مُطلقاً ابتغاء ما عند الله من الأجر والثواب في الآخرة. والكثير يغيب عنهم أن الشريعة جاءت لحفظ مصالح العباد في الحال والمآل، ومن أسمى أهدافها وأنبل غاياتها جلب المصالح ودرء المفاسد في كل الأحوال والظروف، ومن أهمها حفظ النفس البشرية وحمايتها، فارتكزت تشريعاتها وأنظمتها في مختلف مؤسساتها القضائية وأجهزتها التنفيذية على إقامة شرع الله وتحكيم أوامره وتنفيذ شرعه.
وأضاف الحربي: إن من رحمة الله التي وسعت كل شيء أن جعل لعتق الرقبة لوجه الله فضلاً كبيراً لما له من زرع الألفة وإيجاد التراحم بين صفوف المجتمع، مستنكراً على كافة المستويات ظاهرة المطالبة بمبالغ باهظة لقاء التنازل، إذ يجب تكثيف الوعي الشرعي بين الناس والتحذير من الظاهرة السيئة وسن القوانين لمنع تزايد هذه الظاهرة لما لها من سلبيات وآثار على المجتمع، إذ غالى البعض في الديات وتعاظمت المطالب في احتساب الديات؛ نظير التنازل عن دم المقتول والأموال الطائلة التي يتكبدها أهل الجاني وعصبته مقابل التنازل، ما يوغر النفوس وتحمّل تبعات عظيمة وفيها تغيب فضيلة العفو.
القاتل لا يدفع !
وأكد عبداللطيف الحربي أن الله شرع القصاص في القتل العمد لردع من تسول له نفسه إزهاق نفس بغير حق، كما ندب الشرع إلى حثّ أولياء الدم على الصلح والتنازل لوجه الله أو أخذ دية القتل العمد.. ودية القتل العمد -كما هو مقرر- هي الدية المغلظة، لكنها لا تزيد كثيراً عن دية القتل الخطأ.
وشدد على أن ظاهرة طلب الديات الكبيرة أصبحت مقلقة لذوي القاتل وقبيلته حتى يوافق ولي الدم على التنازل دون النظر إلى مقدار ما يُدفع، فهم يريدون إنقاذ الجاني من القصاص لكن في الوقت نفسه الغالب أن القاتل لا يدفع شيئاً وأن الذي يتحمل ذلك أناس لا ذنب لهم في ما أقدم عليه الجاني. وأوضح أن المبالغة في طلب تعويض الديات تعد بمثابة إلغاء لمقاصد هذه العقوبة وتحويلها لتجارة مقيتة تدخل في باب النهي.
متاجرة مكشوفة
الدكتور فهد السلمي، يرى أن المُغالاة في طلب الديات أصبحت متاجرة مكشوفة، ولو غُلفت بمسمى ديات فهي الحقيقة هي ليست ديات، إذ الديات لها مدلولها الشرعي ومقدارها المحدد الذي وضعته الدولة وسنته القوانين، وما نشاهده حالياً من بعض الديات التي تصل إلى 50 مليوناً، وتتجاوزها في أحيان أخرى إلى 65 مليوناً يعد تعجيزاً وهي مبالغات كبيرة ومزعجة تشوه مجتمعنا.
وأضاف السلمي: يجب أن يبذل الوسطاء ومن يسعى في الصلح وإعتاق الرقاب لنبذ مثل المبالغات في الديات وعدم قبولها. واستطرد: الجميع يعلم أن بعض تلك المبالغ المليونية تذهب إلى بعض هؤلاء السعاة، والمبالغ المليونية لا تظهر إلا بعد اكتساب حكم القصاص القطعية لتبدأ بعدها المساومة ونصب الخيام وتجميع الوجهاء، وهو أمر محزن تصاحبه تصرفات سلبية تُذهب فضل العفو، ومن عفا وأصلح فأجره على الله.
وشدد السلمي، على أن نعمة الصلح تحولت إلى نقمة مهلكة على الجاني وأهله والمجتمع، فقد فتحت تلك الديات المليونية على المجتمع أبواب الشرور وتغير مقصود القصاص من حفظ الدماء والأعراض والأنفس إلى التساهل في أمرها، عبر ممارسات شبابية «الدية في الدرج» والمفاخرة والغلو فأصبح البعض يكرر أنه لن يخسر شيئاً، وأن قبيلته ستدفع كل الأموال لإطلاق سراحه، وهذا الأمر يمهّد للجريمة والتهاون في حفظ الدماء والأنفس بالقتل.
فتح حساب الدية
أكد المحامي رامي الشريف، أنه يُسمح بفتح حسابات خاصة لجمع التبرعات بعد إتمام عقد الصلح، ويكون ذلك بالتنسيق بين إمارة المنطقة والبنك المركزي وفق إجراءات؛ منها موافقة وزارة الداخلية على فتح حساب بنكي محدد المدة.
وأكد الشريف، أنه لا يكون لأي طرف من أطراف القضية أي صلاحية على الحساب نهائياً، ولا يحق إصدار دفاتر شيكات أو بطاقات صرف بنكية خاصة بالحساب أو التحويل منه، ويوقف البنك الحساب تلقائياً في حال اكتمال مبلغ الدية، بحيث لا يقبل أي مبلغ إضافي يزيد على مبلغ الدية.
وحذر من مخالفة نظام مكافحة التسول عبر استجداء المال باستخدام منصات التواصل الاجتماعي الذي يعاقب عليه القانون، كما أن القيام بجمع مبالغ الديات بشكل فردي ودون إذن من جهات الاختصاص يعد مخالفة جسيمة يعاقب مرتكبها بالسجن.