كتاب ومقالات

المقايضة الرخيصة على مأساة غزة

حمود أبو طالب

لا نعرف كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يكون وسيطاً موثوقاً وعادلاً في الحرب غير المتكافئة بين إسرائيل ومنظمة حماس التي تحولت إلى واحدة من أشد المآسي الإنسانية، بينما الدول الكبرى تعلن انحيازها التام ودعمها الكامل لإسرائيل، ليس فقط باستخدام القوة المفرطة لقتل المدنيين وتدمير قطاع غزة، بل ومنع أساسيات الحياة من غذاء وماء ودواء وكهرباء، وإجبار السكان على النزوح إلى المجهول.

أمريكا منذ البداية أعلنت تأييدها التام لإسرائيل، ليس بالدعم السياسي والعسكري فقط ولكن باستحضار التأريخ اليهودي والهولوكست والمظلومية كما فعل الرئيس بايدن في خطابه العاطفي الطويل الذي لم يكن ليقله حتى أي رئيس إسرائيلي، لم يكن يتحدث بمنطق السياسة وإنما بتديين المشكلة نيابة عن الشعب اليهودي، وكذلك فعل وزير خارجيته بلينكن في خطابه عندما وصل إسرائيل، وصرح بأنه جاء كيهودي أولاً قبل أن يكون مسؤولاً أمريكياً. العالم كله يعرف العلاقة الوثيقة والحميمة بين أمريكا وإسرائيل، لكن الخطاب الأمريكي خلال هذه الأزمة أصبح جزءاً منها، بل ربما زادها تعقيداً. وفي الجانب الآخر فإن إرسال حاملتي طائرات إلى شرق البحر المتوسط بذريعة حماية إسرائيل ومنع اتساع نطاق الأزمة في المنطقة ما هو إلا إضافة المزيد من التوتر فيها. ونضيف إلى ذلك الموقف البريطاني والفرنسي الذي لا يقل انحيازاً لإسرائيل دون أدنى اعتبار لبقية تفاصيل وحيثيات الأزمة ومعاناة الشعب المحاصر.

المقايضة التي تتم الآن رخيصة جداً، منع كل أسباب الحياة واستمرار القصف على المدنيين وتدمير المنازل والمرافق والمستشفيات لإجبارهم على الرحيل من أرضهم بدعم أمريكا وحلفائها يثبت أنه لا يوجد بالفعل نظام دولي عادل وموثوق، ولا يوجد قانون إنساني يطبق بالتساوي على كل الشعوب المضطهدة. التسويغ لما يحدث في غزة ودعمه بهذا الشكل القبيح من قبل من يدعون أنهم رعاة السلام جريمة كبرى لا تغتفر، ولو كانوا يريدون إنهاء الأزمة فإن الحلول ممكنة وموجودة، لكنهم لا يريدونها، وهم من يريدون اتساع نطاق التوتر في المنطقة لأهداف استراتيجية في سياساتهم.