كتاب ومقالات

خطيئة أوباما التي يدفع ثمنها بايدن !

محمد الساعد

أعظم جرائم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما كانت تفسيره العنصري والمتعالي لمنطقة الشرق العربي، لقد قدم رؤية شخصية قاصرة عن فهم منطقة معقدة ومتشابكة لا يمكن فك ألغازها وفهم أسرارها بدون مفاتيحها الأساسية «السعودية ومصر».

لقد توقع أوباما أنه لو أسقط مبارك وجاء بحكم «إسلاموي سنّي» في مصر سيستطيع حكم العالم العربي بسهولة، وتخيل أيضاً أن تسليم البحرين وسوريا ولبنان واليمن لـ«إسلاموي شيعي» سيمكّنه من إسقاط الإسلام السنّي المعتدل الذي تمثله السعودية.

أوباما أقرب ما يكون لأستاذ جامعي، يرسم أحلاماً على الورق تناسب أمنياته، بينما الواقع أمرّ مما يتخيل، وأصعب من أن يتمكن من تعديل مساراته لوحده فقط.

جاء أوباما للحكم في أعقاب ثماني سنوات عجاف من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لقد اقتنعت النخبة الأمريكية -المتأثرة بالحادثة- بطروحات أوباما: أن الحل الوحيد لأمريكا هو الخروج الآمن من منطقة الشرق الأوسط والذهاب بعيداً حيث (far East) أو الشرق الأقصى حيث لا قاعدة ولا صراع دينياً.

أوباما المثقل بتراث معقد دينياً وعرقياً، أصول أفريقية مسلمة، أم مسيحية من هاواي لا هي بيضاء وليست سمراء، وزوج أم أخذه معه إلى إندونيسيا المسلمة السنّية حيث ترعرع، ليعود بعد ذلك إلى أمريكا مسيحياً بروتستانتياً.

صادف أوباما أن النخبة الديموقراطية -اليسارية- كانت تبحث عن نموذج أفريقي تتوجه كأول رئيس أسود، لعلها تغسل عار الفصل العنصري والعبودية الممنهجة الذي مارسه آباؤهم وأجدادهم، فتوّجته رئيساً ليقال إنها نخبة مثالية.

أوباما لم يأتِ لينفذ الأجندة اليسارية فقط، بل جاء ومعه كل أحلام النخبة السوداء التي امتلأت بالمال والنجومية منذ بداية الثمانينات.

الفلسفة الأوبامية، هي مزيج من عقد شخصية وكراهية مطلقة للعرب، وتحميلهم آلام العبودية، وخاصة المسلمين السنّة منهم، فضلاً عن إيمانه بتفوق الأعراق الأخرى عليهم «العرق الآري» خصوصاً.

اعتقد الديموقراطيون أن قرار أوباما بخروج أمريكا من الشرق العربي، بل والإطاحة بدوله المستقرة والقديمة، والإتيان بحكومات -إخوانية عميلة- أمر سهل سيمكّنهم من التخلص من أعباء المنطقة، والحكم من خلال قيادتين -سنّية، شيعية- متجانستين، ومن ثم حكم المنطقة بالوكالة.

اليوم ومع اندلاع هذه الاشتباكات والأزمات الدامية بين إسرائيل وغزة، يدفع بايدن ومن وراء بلاده الثمن غالياً، ويبدو الأمريكان كالغرباء، فالأبواب موصدة والطرقات مليئة، والأجندات مشغولة، فلا أمريكا هي أمريكا التي عرفها العالم لعقود، ولا بايدن هو ريغان ولا حتى كارتر.

لعلي لا أبالغ عندما أقول من أهين يوم السابع من أكتوبر لم تكن إسرائيل فقط، بل حتى الولايات المتحدة الأمريكية وجدت نفسها عارية أمام شرق عربي لم يعد يحترمها ولا يضع لها وزناً.

تبدو واشنطن اليوم منفصلة تماماً عن الواقع الذي تغيّر منذ رحيل أوباما، وكأن أمريكا «عجوز هرم» أصابه الزهايمر، لا يتذكر إلا الأحداث القديمة والعلاقات القديمة، بينما أساس مشكلته هي الجريمة السياسية والأمنية التي ارتكبها البيت الأبيض في الخمس عشرة سنة الماضية، بتخليهم عن حلفائهم وشركائهم التقليديين في حل أزمات العالم.

أمريكا أعطت انطباعاً للجميع أنها تفضل شركاء راديكاليين مثل النظام الإيراني، وحماس، والحوثيين، وطالبان في نسختها الحديثة، لذلك فإن تحوّل الدول المتزنة إلى مصالحها المنفردة دون وضع اعتبار للأمنيات الأمريكية حق مشروع لا تلام فيه.

وإذا كان هناك من ملامة يمكن أن يطلقها بايدن وفريقه فعليه أن يوجهها إلى الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي ورّطهم ومضى يفتتح المكتبات ويجمع التبرعات ويلقي المحاضرات في الجامعات عن المثلية وحقوق المتطرفين، متخيلاً أنه بسياسات «الباحثين» في جامعة شيكاغو يستطيع أن يؤثر في سياسات الشرق ويغيّر من مساراتها التي اعتمدت منذ 300 عام.

على بايدن إذا أراد النجاح والاستقرار للمنطقة والعالم التخلي عن العقيدة الأوبامية وحرقها في نفايات البيت الأبيض، والعودة لإرث الرئيس التاريخي رونالد ريغان، الذي فهم المنطقة تماماً وعرف من هم شركاء الولايات المتحدة الحقيقيون.