كتاب ومقالات

أخبار الكآبة

عبده خال

لا أحد يتصور أن الفن كائن ميت، هو يتغلغل بين صفحات الكتب، وينهض في زمن لتجديد حياة من يعيش في الزمن اللاحق.

عشرات القصائد قيلت في الزمن السابق، ومات شعراؤها، وغدو رميماً، البارحة نهضوا من قبورهم، بعد أن التأموا، رتبوا مفاصلهم، أزاحوا ركام التربة، وشهقوا، كمواليد أخذوا يتلمسون طريق الحياة.

البارحة كانت هناك مظاهرة القصائد على أفواه من رأى أو سمع عن قصف الحياة في غزة.

كل لسان استجلب قصيدة، أو حكاية، أو أغنية، أو سجلاً من تاريخ، أو أثراً قديماً، أو زي مجاهد سقط، كما قلت في البدء الفن لا يموت، يحضر حين نظن أنه غدا ذكرى بالية.

يحضر الفن كما يكون عليه الظرف الحياتي، فإن كان الظرف كئيباً هلت عليك كل الفنون الغامقة لتأكيد أو تعميق حالتك النفسية، فالنفس هي التي ترتدي الظرف وتستجلب ما يتناسب مع حالتها، حتى الأعياد لا تستطيع إزالة الكآبة، فإن مستويات تدني الحالة النفسية المنخفضة تحولت إلى شلال يجرى بمياه مالحة عكرة، مثال لذلك حضور قصيدة آلمتني التي تنسخ فرحة العيد وتحيل موعدها إلى موعد مع الشقاء:عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ

فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ

وعلى هامش الحرب في غزة فاضت الهوامش بكل الفنون التي تغرق المرء في حزن له ظلمة فاقعة.

وكنت أحاول الهروب من القنوات الإخبارية، وجدت نفسي أحرقها بخبر يجبّ ما سبقه.. فأي كآبة نمهر دماءنا بها؟

هل كآبتنا القادمة هي من أخبار الحروب المنتشرة في كل مكان، أم أن الجينة العربية ألفت تلك الكآبة من تاريخها الدموي المرتهن بالحروب والفتوحات حتى إذا نسيناها ذكرنا بها التاريخ، أم أن جينة الحزن موزعة بين جميع أفراد الكون، فالكون قائم على الفناء سواء من خلال الحروب أو الأمراض أو الكوارث الطبيعية؟

وهل علينا مسايرة الفناء، واليقين بأن الفنون ما هي إلا لحظات حياة زاهية تمنحنا مصل الوقاية أو توخزنا بفايروس العدوى؟

وما بين حياة الفن وحياتنا خيط رفيع يعزف على أوتار القلب مهما كانت حالتك النفسية فرحاً أو حزناً.