كتاب ومقالات

حقاً.. إن الطيور على أشكالها تقع !

محمد مفتي

الأحداث الأخيرة التي جرت بين الفلسطينيين وإسرائيل أسقطت المزاعم الغربية بشأن حقوق الإنسان، فعلى الرغم من القصف المتواصل والكثيف والعنيف على سكان القطاع المنكوب حتى لحظة كتابة هذه السطور، والقطع المستمر لكافة وسائل العيش من طعام ومياه وكهرباء ووقود، ومع سقوط العشرات من الشهداء والمصابين يومياً وتحول مستشفيات قطاع غزة لقبور متحركة مع النقص المتزامن للإمدادات الطبية الأساسية، كشفت الكثير من الدول الغربية عن وجهها القبيح أمام الرأي العام العالمي.

على الرغم من أن الغرب يدرك حقيقة احتلال إسرائيل لأراضٍ عربية وتجاهلها لقرارات المنظمة الأممية بهذا الشأن، إلا أن الحكومات الغربية تجاهلت كل ذلك وأعلنت صراحة وبدون استحياء انحيازها الأعمى لإسرائيل، ولم يقتصر الأمر على الحكومات بل جيّش الإعلام الغربي كل أدواته لإدانة الفلسطينيين الذين انتُهكت أراضيهم ومُلئت بالمهاجرين اليهود من شتى بقاع الأرض، لقد كشفت الأحداث الأخيرة انحيازهم الأعمى للباطل على حساب الحق، كما كشفت أيضاً عن خوفهم الشديد من سطوة النفوذ الإسرائيلي في الغرب.

لقد تم تصوير أبناء الشعب الفلسطيني على أنهم وحوش معتدون وتم نعتهم بأسوأ الألفاظ وأشدها عنفاً، وتم تصنيف ما قاموا به -دفاعاً عن النفس ورفضاً لأفعال الاحتلال الغاشم- على أنها جرائم ضد الإنسانية، وقد انضمت فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا من جماعة المنددين المتباكين على إسرائيل إلى الولايات المتحدة، في تجاهل تام للوقائع الدامية والجرائم التي قام بها الكيان الإسرائيلي تجاه جيرانه العرب على مدار تاريخه الدموي، ومتنكرة أيضاً للعديد من القرارات الأممية التي أيّدتها هي نفسها من قبل.

على الرغم من أنه حق الفلسطينيين المشروع بحكم العقل والمنطق وقرارات الأمم المتحدة مقاومة المحتل، إلا أن إسرائيل كانت تواجِه ذلك بدك المنازل على رؤوس قاطنيها وبقتل الآلاف من المدنيين دون أن يطرف لها جفن، أما ما كانت تواجهه إسرائيل آنذاك -كرد فعل دولي- لم يتجاوز الدعوات الفاترة من الدول العظمى بضرورة ضبط النفس، ولهذا فقد اندلعت المواجهات الأخيرة كرد على حصار ظالم لسكان القطاع المنكوب لما يقارب من 16 عاماً.

لقد تجاوزت الدول الغربية حدود الوقاحة إلى ما يمكن أن نطلق عليه تشجيعاً لإسرائيل على ممارسة المزيد من العنف الممنهج ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وكأنها تدعوها لارتكاب المزيد من المجازر والمذابح أمام مرأى ومسمع من العالم بأكمله، وقد تساءلت بيني وبين نفسي عن رد فعل تلك الدول في حال قيام أي دولة باحتلال جزء من أراضيها، هل إعلانها الحرب وقتذاك سيكون من مدخل ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أم سيتم اعتباره نوعاً من أنواع الدفاع المشروع عن النفس؟ ولقد توقفت كثيراً عند مصطلح «جرائم ضد الإنسانية» وتمنيت لو لدي المساحة الكافية لذكر الجرائم المروعة التي تم ارتكابها بحق الإنسانية على يد تلك الدول العظمى إبان حقبة الاستعمار، جرائم الفرنسيين في المغرب العربي، جرائم الإيطاليين في ليبيا والحبشة، جرائم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس في كافة مستعمراتها حول العالم.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل تظن هذه الدول أننا شعوب لا تقرأ ولا تعرف ماضيهم القريب الأسود وجرائمهم غير المسبوقة تجاه الشعوب التي قامت باحتلالها وإذلالها دون ذنب أو جريرة اقترفتها؟ يعتقد الغرب أن العرب شعب لا يقرأ وإن قرأ فليس لديه القدرة على الفهم والاستيعاب، إن تاريخهم الملوث بدماء الشعوب قد تم حذفه عمداً من مناهجهم التعليمية، ومن المؤكد أن الشعوب في تلك الدول التي أشرت لها في السطور السابقة إن علمت ببعض ما قامت به حكوماتهم عندما قاموا باحتلال الدول العربية والإسلامية خلال النصف الأول من القرن العشرين فلن يتباهوا بأوطانهم.

حقاً إن الطيور على أشكالها تقع، فالمغتصب يناصر المغتصب ويؤيده، غير أن يد العدالة الإلهية كانت دوماً لهم بالمرصاد، فإيطاليا التي قتلت مئات الآلاف من المسلمين في ليبيا والحبشة انهزمت شر هزيمة وتم تعليق قادتها من أقدامهم ورؤوسهم للأسفل في ميلانو، وعلى رأسهم الطاغية موسوليني، وفرنسا التي نكّلت بسكان المغرب العربي أذلتها ألمانيا ومزقتها شر ممزق، وألمانيا نفسها تم تدميرها بالكامل على يد الاتحاد السوفييتي، وخلال كافة هذه الحروب الدموية الهمجية لم يكن العرب طرفاً في أي منها، فمن منا يستحق أن يوصف بأنه الهمجي ذو التاريخ الطويل الممتد في كل ما له علاقة بارتكاب الأفعال غير الآدمية؟!