كتاب ومقالات

مَن يسلك الطريق المدمر لكل شيء؟

عبده خال

من غير مزايدة أو اتهام، أو إظهار البعد الإيماني لكل منا، فالإنسان مزيج من: رغبة، وعقل.

ولهذا يكون الحكم الابن الشرعي للعقل في القضايا المصيرية، أما أحكامنا العاطفية فمن اختصاصها الحكم على من نحب أو ما يجذبنا في الاستزادة من رغباتنا.

لو أخذنا غزوة مؤتة كمثال لتطبيقها على حرب غزة الآن.

واختياري للمثال كون التيارات الإسلامية الحركية قاعدتهم الجوهرية استجلاب الماضي كقياس، ولأن حماس إحدى بنات الإخوان المسلمين فإن المثال يليق وخليق بالتدبر فيه، ومع أن الإخوان المسلمين جماعة (براغماتية)، ومن يسلك الطريقة البراغماتية لا يمانع من التعاون مع إبليس إن كان لهذا التعاون من فائدة.

وأذكر غزوة مؤتة بالتبجيل العظيم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حاضراً فيها، وهو من اختار قوادها الواحد تلو الآخر.

وأذكرها لأنها جاءت بقائد إلى معركة ليس لديه سند كنص شرعي، أو توجيه من الرسول، ليس لديه من شيء سوى حنكته الحربية، ودهائه.

ولو سألت سؤالاً قد يبدو مستنكراً لدى العاطفيين:

- ماذا لو كان خالد بن الوليد قائداً لجماعة حماس، هل كان له الإقدام على تسجيل انتصار مؤقت، مع علمه أن خلف ذلك الانتصار المؤقت سيفنى جيشه كاملاً.. مع افتراض أنه على اطلاع بظرفية الزمن، وأدواته، ودوله، وأن العدو سوف ينقل المعركة إلى أرض المسلمين، يهدم البنيان، ويقتل الأطفال والنساء والرجال وكل متحرك على الأرض، فهل كان لخالد الإقدام من أجل تحقيق نصر مؤقت؟

وحرب مؤتة جهاد طلب، وحرب غزة جهاد دفع، ولو كان خالد قائدا لحماس لما نشط على العدو حتى ولو كان الجهاد جهاد دفع.

وشرط الجهاد بأنواعه حق من حقوق ولي الأمر، وليس من حق أي فصيل أو جماعة، فكيف لجماعة أن تُقدم على إهلاك شعب بحجة المقاومة.

ولأن العرب والمسلمين يقولون إن قضية فلسطين هي قضيتنا، ولن نتخلى عنها، فتصبح هي ولية الأمر، فمن وكّل حماس لإعلان الجهاد والتحرير؟

وقبل الجهاد، أليس من الضرورة توفير أسباب النصر أو على الأقل دفع العدو، لم يعد من أسباب النصر، أم ظنت حماس أن مهمتها الهجوم وانتظار الأصوات المؤيدة من خارج المعركة.

وأين تكون النصرة، من غير تهيئة الأسباب، والاعتصام بحبل الله شرطه الاعتصام الجماعي، ونبذ الفرقة.

ولأن أسباب النصر غير متوفرة لم تتجرأ أي دولة لإعلان الجهاد (هذا على مفهوم التيارات الإسلامية الحركية بضرورة وجود ولي الأمر الشامل)، وحماس نقضت الاجتماع على حبل الله، وانشقت عن ولي أمرها، وعملت على معاداة دول عربية إسلامية، فكيف لها حق الحديث باسم الأمة، أو الادعاء بأن جهادهم جهاد بدل الأمة؟

ولو عدنا إلى القائد خالد بن الوليد، فمن المعروف أن الرسول الكريم لم يعينه في حرب مؤتة، وإنما أوجده قائداً واقع المعركة، فلم تأخذه العزة بالإثم، لكي يعاود الكرة على عدوه، فواقع المعركة أمامه، ذلك الواقع الذي يؤكد أن جيشه سوف يفنى فناءً مبرماً لو عاد إلى المعركة، وببراعة القائد احتال، وانسحب من المعركة محافظاً على جيشه.. نعم كان انسحاباً تكتيكياً ناجحاً وبأقل الخسائر.

وحين عاد رضي الله عنه للمدينة، جعل الناس يحثون على الجيش التراب، ويرددون: الفرار.. الفرار (والصحابة هنا يمثلون من يحكم على الواقع بعاطفته)، وكان رد الرسول صلى الله عليه وسلم: (بل الكرار الكرار)، ورد الرسول كان ممثلاً للعقل، فمع تغير الظروف والزمان والإمكانيات، وأحداث أسباب النصر سوف يكرون مرة أخرى.. فليس لأي محتل البقاء أبد الدهر.

والمثل مقاربة للتطبيق فيما حدث ويحدث من دمار لغزة.

فمع بداية الحرب تمكّنت حركة حماس في ضربتها الأولى وارتفعت الحناجر كانتصار تم تسجيله على الإسرائيليين، وكان ذلك من خلال اختراق السدود المنيعة، واشتباك مع عسكريين ومدنيين، ونتج عن ذلك أناس قتلى، وأناس أسرى. وما حدث كان إشارة نصر خدّاعة، ولو كان لدى الحمساويين قائد عارف بما سوف تؤول إليه واقع الحرب، لما وافق على ذلك الهجوم، وجميع قادة حماس في الداخل والخارج ليس فيهم قائد ميداني يقدّر ما آلت إليه المعركة، كيف لقادة يديرون معركة -عن بُعد- وهم في مكاتبهم، وبيوتهم، ينعمون بكل مباهج الحياة، أن يقودوا معركة خاسرة.. فلا ضير لديهم أن يسحق شعب كامل من أجل تحقيق انتصار مزيف لكسب الصيت والدعاية.

الآن والشعب يسحق، وعربدة إسرائيل مدعومة برؤساء نصف الدنيا تسعى تلك المستبدة جاهدة لتهجير الفلسطينيين إلى بلدين عربيين لن يقبلا باستضافة الفلسطينيين مهما كان تأييدهم للقضية، وحبهم لها، لن يقبلا.

إذاً أدخلت حماس القضية الفلسطينية إلى نفق مظلم تماماً.

ومرة أخرى بالقياس، لو كان خالد بن الوليد قائداً في حماس، هل سيسلك ذلك الطريق المدمر لكل شيء؟