كتاب ومقالات

علي مكي.. جلاد الصحفيين الثقافيين

عبده خال

الأخ والصديق علي مكي هلّ على الصحافة الثقافية بطلاً مغواراً، حيث أنجز ما لم يُنجز في صحافتنا المحلية، وتحديداً في الجوانب الثقافية.

عندما جاء للانضمام لصحيفة «عكاظ» يمكن تصنيفه «غلاماً» وفق سنه الصغير، وخلال فترة وجيزة تم تصنيفه من كبار الصحفيين الثقافيين، لم يمنع العمر الصغير لهذا الشاب من الاستطالة والتعملق، فقد تلاحقت ضرباته «الصحفية» حتى بلغ إعجابنا به على مراهنته في إجراء حوار مع فلان أو علان، وهي شخصيات ثقافية كبيرة جداً، مُهابة، لا يتصور أحدنا الجلوس معها عدا محاورتها محاورة صحفية مشاغبة، وفي كل مراهنة صحفية كان علي هو الكاسب.

علي مكي كان الجلاد الذي أثخن زملاءه -في القسم الثقافي- بضربات متوالية، جعلت كلاً منا في حالة استغراب مما يفعله هذا الشاب من ضربات صحفية لم نستطع تمثّل جراءته واقتحامه عوالم الشخصيات الثقافية العربية، وكنا محل اللوم بأننا لا نستطيع فعل ما يفعله علي، ذلك الشاب يقتعد مكتبه ويتصل بأكبر شخصية ثقافية لإجراء حوار مسهب متشعب يمتاز بالمشاغبة ونكش سيرة الضيف بما لا يحب قوله، كانت لعلي طريقة عجائبية في استجلاب الشخصية المتحاور معها حتى إذا بلغ الحوار منعطف الترحيب، وجد الضيف صحفياً قد أخرج أسئلته المدببة، عندها لا يستطيع الضيف إلا الإجابة.

وعلي في عمله الصحفي لا يقف عند عتبة «غير ممكن» أو أن الأمر صعب، أو أن هذه الشخصية لا يمكن لها التحدث للصحافة، كما أن إنجاز حواراته يخضع للوقت الذي يحتاجه رئيسه كتوقيت، علي يمكنه الاتصال في آخر الليل لإجراء لقاء مع أهم الشخصيات الثقافية، كيف له إحداث ذلك؟

لم نكن نعرف «وإلى الآن» ما هي الكلمة أو الكلمات السحرية التي تجعل الضيف يوافق على أجواء الحوار، ليس حواراً سهلاً بل هو حوار شائك وصعب.

علي مكي جاء إلى الصحافة الثقافية وساحتنا المحلية تقدّس عشرات الكتّاب العرب، وهي صحافة خجولة أو أن الصحافيين يتهيبون من محاورة عمالقة الثقافة العربية، جاء ذلك الشاب واخترق عوالم تلك الشخصيات بلقاءات صحفية عميقة ومشاكسة في «نكش» المخبأ لدى الضيف.

أستطيع الإسهاب للحديث عن تجربة علي مكي، وربما أفعل ذلك في مناسبات أخرى، ما حملني لأتذكر مرحلة مهمة في بنية الثقافة المحلية ما جاء به علي، من خلال إصدار كتاب «علمانيون وإسلاميون»، وهو الكتاب الحامل لجزء يسير من مغامرات علي مكي الصحفية.

ربما كان حديث الأصدقاء مع علي هو الدافع لاختيار عدة لقاءات ونشرها في كتاب.

وأكاد أجزم أنه كتاب مهم جداً لمن أراد قراءة المرحلة التاريخية في بناء حياتنا الأدبية المحلية، وإضافة لذلك يمثّل تاريخاً لتلك الشخصيات الثقافية المهمة.

علي مكي ليس صحفياً وحسب، بل هو إنسان يتقطر حباً لأسرته وأصدقائه أيضاً.