الحرب لغةً وتاريخاً
الاثنين / 16 / ربيع الثاني / 1445 هـ الثلاثاء 31 أكتوبر 2023 00:07
طلال صالح بنان
للحرب لغتها، عندما تتعطل سبل التواصل بين أطرافها. للحرب، أيضاً دورها التاريخي، في صناعة السلام.. واستدامة الحياة على الأرض، وعمارة الكون: بتلاقح الثقافات.. وتراكم المعارف.. وتعاقب الحقب والعهود، وتطور الحضارات.
بدايةً: الحربٌ ليست غايةً، في حد ذاتها، تدفعُ بها إغراءاتُ القوة وغواية العجرفة والزهو وتوقعُ الحسم، ليأتي على مسببات اللجوء لخيارها. الحربُ سلوكٌ عنيف، إلا أنها حركةٌ عقلانية، تخضع لمعايير وقيم الربح والخسارة. يلجأُ أطرافُ الحربُ لخيارها عندما يشعرُ أحدهما، أو كليهما أن الفرصة مواتية، لحسم خلافاته مع خصمه أو عدوه، بأقل ضررٍ ممكنٍ وأكثر عائد متوقع. في سبيل النصر، في الحرب، تزولُ كل حسابات تكلفتها، ويبقى الإغراءُ في خوضها وتصورُ عائدَ النصر فيها، مسيطراً على حركة وتفكير أطرافها.
الحربُ، لا تندلع فجأةً، وإن كانت تبدو لأطرافها، واقعةً لا محالة، كحتمية تاريخية مؤكدة. الحربُ، في كل الأحوال، مع تكريس مسببات اندلاعها.. وتجاهل احتمالات وقوعها، واتقاد بؤرة جذوتها تحت الرماد.. وتراكم مفاعلات طاقتها في مكمن اضطرام وقودها، عاجلاً أم آجلاً، يثور بركان غيظها، ليتكشف أوارُ سعيرها، ومن ثَمّ يلاحقُ الجميع مسار ألسنة لهبها، دونما حيلة فعالة، لاحتواء خطرها، حتى تفرغ طاقتها وتضع أوزارها، في كثيرٍ من الأحيان، بعيداً عن إرادة أطراف معادلتها.
في الحروب الكبيرة، التي يطلق عليها، ملاحم أو أيام، تشكل الحروب واقعاً جديداً، غير ذلك الذي استفز حركتها العنيفة وأخرج عفريتها من مكمن قمقمه المحكم الإغلاق. عَدَا الدمار الكبير، الذي تخلفه الحرب وراءها.. والمآسي، التي تتركها تحت أطلال تدميرها.. والتكلفة الباهظة لجميع أطرافها نظير استسلامهم لخيارها، وغياب حساب ضآلة عائدها مقارنةً بهول الكوارث التي تخلفها، حتى على من يظن نفسه أنه كسبها. الحرب، في نهاية المطاف، يكتشف أطرافها، لو كانت لهم كرةً ثانية، لما اختاروا في الأساس، تجربة خوضها.
لكن الحربَ، في نهاية المطاف، ليست بهذه العدمية والظلامية، كما لو لم تكن لها فائدة أو دورٌ في حركة التاريخ. الحربُ، أحياناً تبدو وكأنها ذاتية الاشتعال، ليست في حاجة لمن يشعل فتيلها. الحربُ، في حقيقتها، ظاهرة طبيعية، تتجاوز دور الإنسان في تحديد مسار حركة التاريخ. في النهاية: الحرب تمتلك إرادة ذاتية ماضية، ويقتصر دور الإنسان في اشتعالها، كحامل عود الثقاب، الذي أحياناً، يسقط منه لا إرادياً ليضرم النيران غير متعمدٍ، بل وقد تتسبب في إحراقه، دون أن تكون له حيلة النجاة من ألسنة لهيبها.
تاريخياً: قد تكون، هذه الحالة، الإيجابية الوحيدة لنشوب الحروب، بعيداً عن حسابات وتقديرات إرادة الإنسان في شنها. الفاتحون العظام في التاريخ أقاموا ممالكهم وأرسوا قواعد عروشهم، في ظلال صليل السيوف وصهيل الخيل خوضاً بأرجلهم في دماء القتلى يتعثرون في جثث الجنود غير عابئين بأنين الجرحى، لينقشع غبار المعركة عن انتصارٍ باهرٍ، ليسوا هم في حقيقة الأمر من صنعه، بل إرادة الحرب نفسها، هي التي قادت إليه.
الحربُ، أيضاً، لها أخلاقيات حصرية لتبرير حركتها العنيفة. الحروب، الحاسمة منها في التاريخ، عادةً ما تأتي بقيمٍ جديدة.. وأيديولوجيات مبتكرة، وبعقائد غير تقليدية. الحربُ بافتراض أنها أداة تمثل الحركة العنيفة لمسيرة التاريخ، إلا أنها غايتها، في النهاية: خيرة ونبيلة. الحربُ، كما أنه يتمخض عن حركتها، عند وضع أوزارها، نقلة علمية وتكنولوجية متقدمة، حتى في مخزونات وموارد ترسانتها، تساهم مستقبلاً في ردع اللجوء لخيارها، هي تُحدث نقلة حضارية متقدمة في نظام القيم الإنساني. تُحدث الحربُ طفرات متقدمة في القانون الدولي الإنساني، ومؤسسات النظام الدولي.. وفي تذويب الفوارق بين الثقافات، وإحداث التقارب بين الحضارات. الحربُ تجعل الإنسان أقرب إلى معرفة نفسه، ودوره في تقدم العلوم.. واكتشاف إمكانات قدراته الحقيقية وتفتح أمامه آفاقاً أكثر رحابة لاكتشاف دوره ومكانه ومكانته، بين مخلوقات الله.
الحربُ ليست الشر المطلق، لكن الشر المستطير هو: عدم التفكر في ظاهرة الحرب وتاريخيتها.. والأمية المطبقة في الجهل بلغتها، وعدم الإقرار المتواضع، بأن الإنسان نفسه، هو أداة طيعة لحركة التاريخ، تستخدمه وقوداً للحرب، من أجل غاية أكثر سمواً ونبلاً (السلام).
لعلّ الحرب على غزة، تكشف لنا أسراراً جديدة عن الحروب بفهم أكبر للغتها.. وتبصر أوضح لدورها التاريخي في صناعة السلام، بالنصر المؤزر الحاسم على أعداء السلام (الصهاينة).
بدايةً: الحربٌ ليست غايةً، في حد ذاتها، تدفعُ بها إغراءاتُ القوة وغواية العجرفة والزهو وتوقعُ الحسم، ليأتي على مسببات اللجوء لخيارها. الحربُ سلوكٌ عنيف، إلا أنها حركةٌ عقلانية، تخضع لمعايير وقيم الربح والخسارة. يلجأُ أطرافُ الحربُ لخيارها عندما يشعرُ أحدهما، أو كليهما أن الفرصة مواتية، لحسم خلافاته مع خصمه أو عدوه، بأقل ضررٍ ممكنٍ وأكثر عائد متوقع. في سبيل النصر، في الحرب، تزولُ كل حسابات تكلفتها، ويبقى الإغراءُ في خوضها وتصورُ عائدَ النصر فيها، مسيطراً على حركة وتفكير أطرافها.
الحربُ، لا تندلع فجأةً، وإن كانت تبدو لأطرافها، واقعةً لا محالة، كحتمية تاريخية مؤكدة. الحربُ، في كل الأحوال، مع تكريس مسببات اندلاعها.. وتجاهل احتمالات وقوعها، واتقاد بؤرة جذوتها تحت الرماد.. وتراكم مفاعلات طاقتها في مكمن اضطرام وقودها، عاجلاً أم آجلاً، يثور بركان غيظها، ليتكشف أوارُ سعيرها، ومن ثَمّ يلاحقُ الجميع مسار ألسنة لهبها، دونما حيلة فعالة، لاحتواء خطرها، حتى تفرغ طاقتها وتضع أوزارها، في كثيرٍ من الأحيان، بعيداً عن إرادة أطراف معادلتها.
في الحروب الكبيرة، التي يطلق عليها، ملاحم أو أيام، تشكل الحروب واقعاً جديداً، غير ذلك الذي استفز حركتها العنيفة وأخرج عفريتها من مكمن قمقمه المحكم الإغلاق. عَدَا الدمار الكبير، الذي تخلفه الحرب وراءها.. والمآسي، التي تتركها تحت أطلال تدميرها.. والتكلفة الباهظة لجميع أطرافها نظير استسلامهم لخيارها، وغياب حساب ضآلة عائدها مقارنةً بهول الكوارث التي تخلفها، حتى على من يظن نفسه أنه كسبها. الحرب، في نهاية المطاف، يكتشف أطرافها، لو كانت لهم كرةً ثانية، لما اختاروا في الأساس، تجربة خوضها.
لكن الحربَ، في نهاية المطاف، ليست بهذه العدمية والظلامية، كما لو لم تكن لها فائدة أو دورٌ في حركة التاريخ. الحربُ، أحياناً تبدو وكأنها ذاتية الاشتعال، ليست في حاجة لمن يشعل فتيلها. الحربُ، في حقيقتها، ظاهرة طبيعية، تتجاوز دور الإنسان في تحديد مسار حركة التاريخ. في النهاية: الحرب تمتلك إرادة ذاتية ماضية، ويقتصر دور الإنسان في اشتعالها، كحامل عود الثقاب، الذي أحياناً، يسقط منه لا إرادياً ليضرم النيران غير متعمدٍ، بل وقد تتسبب في إحراقه، دون أن تكون له حيلة النجاة من ألسنة لهيبها.
تاريخياً: قد تكون، هذه الحالة، الإيجابية الوحيدة لنشوب الحروب، بعيداً عن حسابات وتقديرات إرادة الإنسان في شنها. الفاتحون العظام في التاريخ أقاموا ممالكهم وأرسوا قواعد عروشهم، في ظلال صليل السيوف وصهيل الخيل خوضاً بأرجلهم في دماء القتلى يتعثرون في جثث الجنود غير عابئين بأنين الجرحى، لينقشع غبار المعركة عن انتصارٍ باهرٍ، ليسوا هم في حقيقة الأمر من صنعه، بل إرادة الحرب نفسها، هي التي قادت إليه.
الحربُ، أيضاً، لها أخلاقيات حصرية لتبرير حركتها العنيفة. الحروب، الحاسمة منها في التاريخ، عادةً ما تأتي بقيمٍ جديدة.. وأيديولوجيات مبتكرة، وبعقائد غير تقليدية. الحربُ بافتراض أنها أداة تمثل الحركة العنيفة لمسيرة التاريخ، إلا أنها غايتها، في النهاية: خيرة ونبيلة. الحربُ، كما أنه يتمخض عن حركتها، عند وضع أوزارها، نقلة علمية وتكنولوجية متقدمة، حتى في مخزونات وموارد ترسانتها، تساهم مستقبلاً في ردع اللجوء لخيارها، هي تُحدث نقلة حضارية متقدمة في نظام القيم الإنساني. تُحدث الحربُ طفرات متقدمة في القانون الدولي الإنساني، ومؤسسات النظام الدولي.. وفي تذويب الفوارق بين الثقافات، وإحداث التقارب بين الحضارات. الحربُ تجعل الإنسان أقرب إلى معرفة نفسه، ودوره في تقدم العلوم.. واكتشاف إمكانات قدراته الحقيقية وتفتح أمامه آفاقاً أكثر رحابة لاكتشاف دوره ومكانه ومكانته، بين مخلوقات الله.
الحربُ ليست الشر المطلق، لكن الشر المستطير هو: عدم التفكر في ظاهرة الحرب وتاريخيتها.. والأمية المطبقة في الجهل بلغتها، وعدم الإقرار المتواضع، بأن الإنسان نفسه، هو أداة طيعة لحركة التاريخ، تستخدمه وقوداً للحرب، من أجل غاية أكثر سمواً ونبلاً (السلام).
لعلّ الحرب على غزة، تكشف لنا أسراراً جديدة عن الحروب بفهم أكبر للغتها.. وتبصر أوضح لدورها التاريخي في صناعة السلام، بالنصر المؤزر الحاسم على أعداء السلام (الصهاينة).