كتاب ومقالات

الثقافة السعودية تسطع في مدينة النور

حمود أبو طالب

ما زالت ذاكرة مدينة باريس تحتفظ بتفاصيل أول تظاهرة سعودية ثقافية فنية أقيمت فيها عام 1986 «معرض المملكة بين الأمس واليوم» الذي افتتحه صاحب الفكرة وراعيها الملك سلمان عندما كان أميراً للرياض، ورئيس الوزراء الفرنسي جاك شيراك في القصر الكبير التأريخي جراند باليه. وقد زار المعرض آنذاك أكثر من 750 ألفاً، ونوه الإعلام الفرنسي بما قدمه من عروض فنية وثقافية ولوحات ونشاطات تعريفية بالمملكة وتأريخها.

الآن وبعد قرابة أربعة عقود، وفي عهد الملك سلمان الذي دشن أول انفتاح ثقافي على العالم، تضع الرؤية الوطنية 2030 الثقافة ضمن أهم أهدافها الإستراتيجية، وأصبحت وزارة الثقافة بهيئاتها المختلفة تقود حراكاً نوعياً كثيفاً غير مسبوق في كل المجالات. وقد وضعت الوزارة من ضمن أولوياتها برنامج التبادل الثقافي الدولي كجسر حضاري للتقارب بين المجتمعات وتبادل الثقافات والتعريف بالمكونات الثرية للثقافة السعودية بكل تنويعاتها، وقد نشطت الوزارة من أجل الوصول بها إلى مختلف مجتمعات العالم من خلال برنامج مدروس محدد الأهداف.

الآن تشهد باريس خلال الفترة من 28 أكتوبر إلى 10 نوفمبر تظاهرة ثقافية فاخرة تعكس الحالة الثقافية الراهنة للمملكة بكل زخمها، حيث يقام «معرض الثقافة السعودية» الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة بمشاركة هيئات أخرى تابعة للوزارة، مثل هيئة التراث، والمكتبات، والموسيقى، وفنون الطهي، وفنون العمارة والتصميم، والأزياء، والأفلام وغيرها. وقد وضعت الهيئة برنامجاً ثرياً يتضمن ندوات حوارية حول الأدب السعودي وجهود الترجمة بين البلدين، وأمسيات شعرية وموسيقية، ومعارض فوتوغرافية، وتقديم كل مكونات الثقافة السعودية التقليدية من أزياء وفولكلور وفنون وتأريخ وآثار، بمشاركة نخبة من الأدباء والمثقفين والإعلاميين والفنانين السعوديين، ومشاركة بعض المثقفين الفرنسيين المهتمين بالحركة الأدبية والفكرية والثقافية في المملكة.

إلى الآن أخبار المعرض جيدة، كلُّ الزوار مبهورون بجودة التنظيم وحميمية الترحاب وثراء المحتوى. هناك حالة دهشة لدى الفرنسيين الذين لم يتعرفوا على المملكة سابقاً من كنوز الجمال التي شاهدوا عروضها، وهناك حالة زهو لدى القائمين على المعرض بالانطباعات التي تولدت لدى الزوار، والحقيقة أن حالة الزهو تغمرنا كلنا كسعوديين عندما تُقدم ثقافتنا إلى العالم بهذا المستوى.

قرابة أربعة عقود هي الفاصل الزمني بين معرض المملكة بين الأمس واليوم ومعرض الثقافة السعودية الذي يقام الآن، قطعت فيها المملكة مشواراً مهماً في البناء المادي والإنساني، لكنها الآن في زمن الرؤية تقدم نفسها للعالم بلد الثقافة والتعايش والتواصل الحضاري والإبداع الإنساني.