أخبار

أطفال «المرض الحلو»

«الشواك الأسود» علامة تحذيرية للسكري.. والبدانة والوراثة في قائمة الاتهام

هالة نعمان

محمد الهتار (جدة) alhattar@

«سميرة».. متزوجة منذ 10 سنوات، أنجبت ثلاثة ذكور والرابعة أنثى، كانت فرحتها مضاعفة لمجيئها بعد أشقائها الثلاثة، وظلت تعد الأيام والليالي لترى طفلتها تركض وتلعب. وكبرت الطفلة «أماني» ومعها كبر حلم والديها، وبلغت الثالثة من عمرها. ذات يوم هوت الصغيرة أرضاً على الشاطئ لتركض خلفها والدتها ولحق بها والدها للاطمئنان عليها، خصوصاً أنها لم تتعرض لأي أذى أو دفع، وعلى الرغم من محاولة الوالدين تهدئة طفلتهما، إلا أن بعض الملامح في وجه الطفلة لم تكن سارة، وانقلبت فرحتهما بالنزهة إلى حزن وهمّ، رفعا أغراضهم وتوجهوا إلى أقرب منشأة طبية.. وبعد الفحوصات، طفلتهما ذات الأعوام الثلاثة، مصابة بمرض السكري من النوع الأول.. أطبق الصمت على الوالدين، كيف أصيبت ابنتهما بالسكري، وهما الصحيحان في الجسم والبنية والسكر لم يقترب منهما يوماً أو يقترب من أبنائهما الثلاثة الآخرين، وسألا الطبيب كيف أصيبت طفلتهما، هل لأنها أنثى؟

الإجابة جاءت من الطبيب أن إصابة الطفلة بالسكري ربما تعود -وهو الأمر المحتمل- إلى وراثة من أحد أقاربها، وهنا تذكر الأب أن والديه كانا مصابين بالسكري، فيما تذكرت الزوجة أن جدتها لأمها كانت هي الأخرى مصابة، ولم يجدا أمامهما سوى مغادرة المستشفى والاستسلام للقدر والعمل بنصائح الطبيب في متابعة حالة طفلتهما «أماني».

الشواك الأسود.. إشارة تحذيرية

«عكاظ» سألت استشاري الغدد الصماء وسكري الأطفال الدكتور عبدالمعين الاغا: هل الإصابة بمرض السكري لدى الأطفال تختلف عن الإصابة لدى الكبار؟ فقال: السكري نوعان؛ الأول يحدث نتيجة تلف الخلايا المنتجة لهرمون الأنسولين من غدة البنكرياس التي تسمى «خلايا بيتا»، وهو النوع الذي يعتمد علاجه على الأنسولين، وغالبا ما يصيب الأطفال واليافعين، والثاني علاجه يعتمد على العقاقير والحمية، وغالباً ما يصيب «البدناء»؛ سواء كانوا صغاراً أو كباراً، إذ تعدُّ البدانة واحداً من أهم مسببات هذا النوع من السكر.

فالخلاصة كما يقول الاغا: أنه من الممكن في مرحلة الطفولة أن يصاب الأطفال بالنوع الأول المعتمد علاجه على الأنسولين، وهذا النوع لا علاقة له بالسمنة نهائياً، ويعتبر أحد أمراض المناعة الذاتية، وهناك مقدمات وعلامات تظهر على الطفل قبل وصوله إلى مرحلة الإصابة، وهي مرحلة مقاومة الأنسولين وظهور الشواك الأسود على رقبته أو الإبط، وهذا لا يعتبر مرضاً بحدّ ذاته، بل عرض أو إشارة تحذيرية، وهنا يلزم إجراء التشخيص بفحص السكر، لذا فإن تصحيح نمط الحياة وممارسة الرياضة في فترة مرحلة مقدمات السكري ومقاومة الأنسولين مهمة في تراجع المرض وعدم وصوله إلى مرحلة الإصابة بالسكري النمط الثاني.

روائح الفواكه من الفم.. إشارة!

الاستشاري الاغا، أوضح أنه من الممكن أن يصاب الأطفال بمرض السكري في أي عمر، إذ يتوقف فيها جسم الطفل عن إنتاج هرمون الأنسولين، وهنا يحتاج الطفل إلى الأنسولين، لذا يستبدل المفقود بالحقن أو مضخة الأنسولين، وأبرز أعراضه العطش الشديد، كثرة التبول، الشعور بالجوع الشديد، الإرهاق، صدور رائحة تشبه الفاكهة من الفم، وفي حال ملاحظة مثل هذه الأعراض في الأطفال فهنا يجب مراجعة الطبيب فوراً.

ومن الممكن أن يصاب الطفل بالسكري حتى إن كان والداه لا يعانيان من المرض، ففي حال النوع الأول يكون علاجه بالأنسولين، وفي النوع الثاني بالأدوية والحمية، وفي كل الأحوال فإن المرض يلازمه مدى الحياة، ولكن مع اتباع الخطة العلاجية فإنه يتعايش مع المرض، خصوصاً أن التقنيات الحديثة ساعدت كثيراً في متابعة المرضى بشكل دقيق ورصد أي انعكاسات فيما يتعلق بارتفاع أو انخفاض نسبة سكر الدم.

وينصح استشاري الغدد الصماء وسكري الأطفال الأغا، مرضى السكري بأهمية التقيُّد بالإرشادات الصحية والغذاء الصحي وممارسة الرياضة واستبدال المشروبات الغازية بالعصائر الطازجة غير المحلاة، والحرص على النوم الصحي، والحد من استخدام التقنيات، خصوصا الألعاب الإلكترونية.

الأعراض تبدأ بالتدريج

استشارية طب الأسرة بمركز صحي الأجاويد بجدة الدكتور هالة نعمان، أوضحت أن أعراض مرض السكري لدى الأطفال تبدأ بالنوع الثاني بشكل متدرج إلى درجة أنه لا تظهر له أعراض ملحوظة، وقد تظهر على بعض الأطفال مؤشرات وأعراض نتيجة ارتفاع نسبة السكر في مجرى الدم، والشعور بالعطش الشديد وكثرة التبول وزيادة الشعور بالجوع والإرهاق وضبابية في الرؤية، مع ظهور مناطق داكنة في الجلد، غالباً حول الرقبة أو في الإبطين والأربية، وفقدان للوزن.

وأضافت الاستشارية هالة، أن الإصابة بالسكري لا يُعرف حتى الآن سببها، لكن يبدو أن التاريخ العائلي والجينات يؤديان دوراً مهماً في ذلك، والأمر الواضح هو أن أجسام الأطفال المصابين بداء السكري من النوع الثاني لا تستطيع معالجة السكر (الغلوكوز) بشكل سليم، مشيرة إلى أن معظم السكر في الجسم يأتي من الطعام، وعندما يبدأ مستوى السكر في الدم في الانخفاض يقلل البنكرياس -بدوره- كمية الأنسولين التي يفرزها في الدم، وتنحصر الأسباب في عدم إنتاج البنكرياس ما يكفي من الأنسولين ومقاومة الخلايا للأنسولين ومنعها من دخول ما يكفي من السكر إليها.

الأسباب.. غير معروفة

حتى الآن الباحثون لم يقفوا على الأسباب المؤكدة لإصابة الأطفال بالنوع الثاني؛ طبقاً لاستشارية طب الأسرة بمركز صحي الأجاويد الدكتورة هالة، مستدركة أن الباحثين وقفوا على أسباب تؤدي إليه أهمها الوزن الزائد، فكلما زاد عدد الأنسجة الدهنية لدى الأطفال، خصوصاً داخل العضلات وبين العضلات والجلد في محيط البطن زادت مقاومة خلايا أجسامهم للأنسولين، وقلة النشاط، والنظام الغذائي غير الصحي المحلى بالسكر، والتاريخ العائلي، فبعض الأشخاص يكونون أكثر عرضة للإصابة بالنوع الثاني، ويتضمن ذلك ذوي البشرة السوداء، وذوي الأصول الإسبانية، والهنود الأمريكيين، والأمريكيين من أصول آسيوية، وهناك فرصة للإصابة به وهو جنين نتيجة إصابة أمه بالسكري الحملي، وانخفاض وزن الطفل عند الولادة أو الولادة المبكرة، وعادة ما ترتبط إصابة الأطفال بداء السكري من النوع الثاني بمتلازمة التمثيل الغذائي ومتلازمة المبيض متعدد الكيسات ومن الممكن أن يؤثر داء السكري من النوع الثاني على كل عضو في جسم الطفل، بما في ذلك الأوعية الدموية والأعصاب والعينين والكليتين. وتحدث المضاعفات طويلة المدى لداء السكري من النوع الثاني تدريجياً على مدار عدة سنوات، وفي نهاية المطاف قد تصل مضاعفات داء السكري إلى درجة شديدة أو حتى الوفاة.

لا تنساقوا خلف عواطفكم

استشاري طب الأطفال والغدد الصماء والسكري الدكتورة سنية عويضة، أوضحت أن أعراض سكري الأطفال تتمثل في العطش الشديد وكثرة التبول وزيادة الشعور بالجوع والإرهاق وفقدان الوزن وظهور تصبغات في الجلد بمنطقة الرقبة.

وعن وقت ظهور إصابة المواليد بداء السكري، قالت الاستشارية سنية، ظهور سكري حديثي الولادة حتى ستة أشهر يعتبر نادراً جداً في الأطفال، وأعراضه -إن ظهر- تتمثل في زيادة طلب الرضاعة وكثرة التبول والشعور بخمول وجفاف، وقد تحتاج هذه الفئة لتحاليل خاصة بالجينات للوقوف على التشخيص الصحيح المسبب لمرض السكري.

وأوضحت الاستشارية سنية عويضة، أن الوالدين يستطيعان التغلُّب على مشكلة كثرة الحركة لدى أطفالهما وسرعة انفعالهم من خلال التغذية السليمة قليلة المحليات الصناعية، والتمارين الرياضية، واللعب الخارجي، وتأسيس روتين يومي له، وإعطائهم بعض المسؤوليات المنزلية التي تناسب أعمارهم مع أهمية التواصل البصري والحسي معهم، وفي بعض الأحيان قد يحتاج بعض الأطفال إلى المساعدة من قبل الأخصائيين النفسيين.

وحذرت الدكتورة عويضة، الوالدين من الانسياق خلف حبهما الشديد لأبنائهم خاصة عند بكائهم أو إلحاحهم بتناول الوجبات السريعة وتحديداً تناولها بشكل دائم، وذلك بتشجيعهم على الأكل الصحي وتوفيره في المنزل، وتجنب إحضار المأكولات غير الصحية، وتحديد عدد المرات في الأسبوع التي يسمح فيها للطفل بتناول الوجبات السريعة أو الحلويات.

أما أخصائي طبيب الأسرة بمركز صحي الأجاويد بجدة الدكتور ربيع خليفة، فيقول إن العديد من التقارير تشير إلى أن معدل الإصابة بمرض السكري (النوع الأول) لدى الأطفال آخذ في الارتفاع في جميع أنحاء العالم، مع زيادات تراوح بين 2 إلى 5% سنوياً في أوروبا والشرق الأوسط وأستراليا، ويزداد خطر الإصابة بمرض السكري (النوع الأول) بشكل معتدل عند الأطفال الذين لديهم قريب مصاب.

اشركوهم في دروس الرقص

عن مضاعفات داء السكري من النوع الثاني، توضح الاستشارية هالة، أنها تتمثل في ارتفاع مستوى الكوليسترول وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية وتلف الأعصاب وأمراض الكلى والعين، بما في ذلك فقدان البصر، وقد يساعد إبقاء مستوى السكر في دم الطفل قريباً من المدى القياسي معظم الوقت في الحد من خطورة حدوث تلك المضاعفات بصورة كبيرة، والإسهام في وقاية الطفل من المضاعفات عن طريق التعاون مع الطفل في استمرار السيطرة قدر الإمكان على مستوى السكر في الدم، وتوعيته بأهمية اتباع نظام غذائي صحي، والمشاركة في الأنشطة البدنية المنتظمة، مع الانتظام في متابعة الطبيب المختص.

وبينت الدكتورة هالة، ضرورة التغلب على مشكلة حركة الطفل ورغباته في تناول بعض السكريات حتى لا تتفاقم حالته، والوقاية من خلال تبني خيارات صحية لنمط الحياة في الوقاية من داء السكري من النوع الثاني؛ ومنها تناول الأطعمة الصحية المحتوية على القليل من الدهون والسعرات الحرارية والتركيز على الفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة والحرص على التنوع لتجنب الشعور بالملل، مع ممارسة المزيد من الأنشطة البدنية، بالتسجيل في نادٍ للرياضة أو الاشتراك في دروس للرقص.