سقطت عقيدة نتنياهو.. ماذا بعد؟
الثلاثاء / 24 / ربيع الثاني / 1445 هـ الأربعاء 08 نوفمبر 2023 00:18
رامي الخليفة العلي
بينما كان العرب يمدون أيديهم للسلام مع إسرائيل في قمة بيروت كان رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون يجتاح بجنوده مخيم جنين في الضفة الغربية، وبينما كانت المبادرة العربية التي قادتها وصاغتها المملكة العربية السعودية خطة طموحة وعملية لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، كان يتشكل في إسرائيل عقيدة سياسية ترسم أفقاً يمينياً يقدم رؤية متطرفة للحل، يمكن تسمية تلك الرؤية بعقيدة نتنياهو للحل؛ لأنه أشرف على تنفيذها طوال السنوات اللاحقة. تقوم هذه العقيدة على رفض حل الدولتين، فبين النهر والبحر بحسب نتنياهو لا توجد إلا دولة واحدة هي إسرائيل، ولعل الخارطة التي حملها رئيس الوزراء الإسرائيلي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هي التعبير الأوضح والأكثر شفافية عن الرؤية الإسرائيلية. ولكن الأمر ليس مجرد أفكار متبناة من قبل نتنياهو بل استخدمت الدولة العبرية كل ما لديها من إمكانات من أجل وضع العراقيل أمام حل الدولتين وأبرزها زيادة الاستيطان حيث وصل عدد المستوطنين ما يقارب 700 ألف مستوطن في العام الجاري، وبناء المستوطنات لا يعمد إلى التغيير الديمغرافي فقط بل يتبعه تغيير جغرافي بحيث توضع المستوطنات بين القرى والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية حتى لا يبقى هناك امتداد لأرض فلسطينية، بل هي عبارة عن كانتونات وغيتوهات تحت السيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. بالتوازي مع ذلك فصلت القدس عن باقي أجزاء الضفة الغربية وإحاطتها بالمستوطنات والعمل ليل نهار لتهويد القدس، والأخطر والذي كان بالفعل القطرة التي أفاضت الكأس تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً. وتلا ذلك تقسيم المجتمع الفلسطيني من خلال إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وتحويلها إلى سلطة تحاصرها إسرائيل في كل شيء، إدارياً وسياسياً واقتصادياً، بل وشيطنتها داخلياً وخارجياً. والاهم هو إيجاد انقسام فلسطيني عميق من خلال السماح بانفصال تام لقطاع غزة من خلال تقوية حماس التي استقلت بحكم قطاع غزة منذ العام 2006 وسمحت إسرائيل بمرور المال إليها. نتنياهو كان يريد القول بأنه لا يوجد شريك للسلام فيتحاشى أي ضغط دولي، كما أن تصنيف حماس إرهابية في عدد من الدول يؤدي إلى إطلاق يد إسرائيل في حصار القطاع وتجويع أهله. أما بالنسبة للدول العربية فقد حاول نتنياهو نسف مبدأ الأرض مقابل السلام ليستعيض عنه بمبدأ السلام مقابل السلام، عملياً يريد نتنياهو أن يكون الوضع الحالي للسلطة الوطنية الفلسطينية هو الوضع الدائم وإبقاء التنافس الفلسطيني ـ الفلسطيني المتحكم به، ومن ثم تجاهل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإقامة علاقات طبيعية مع المحيط الإقليمي، وقد كانت المملكة العربية السعودية أول من رسم طريق السلام في المبادرة العربية وآخر من أخبر إسرائيل حتى قبل أسابيع قليلة بأن السلام والتطبيع لا يمكن أن يتحقق من دون حل عادل للقضية الفلسطينية. الغرب بدوره أخذ موقفاً منافقاً عندما كان ينادي بحل الدولتين وهو يرى هذا الحل يتلاشى دون أن يحرّك ساكناً، بل إنه وافق ضمناً على عقيدة نتنياهو. إسرائيل تريد عبر عمليتها العسكرية الوحشية في غزة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء إلى ما قبل السابع من أكتوبر، عبر الكذب على نفسها وعلى العالم بأن المشكلة هي حماس. حماس هي نتيجة وليست سبباً، والقضاء عليها مع الإبقاء على عقيدة نتنياهو سيؤدي إلى ظهور حماس جديدة وربما أكثر راديكالية. لقد سقطت عقيدة نتنياهو، ولن يكون هناك سلام إلا عندما تؤمن تل أبيب بذلك وتستجيب لخيارات السلام الممكنة.