دموع على وسائد المستشفيات !
«عكاظ» تفتح الملف الموجع.. الجحود ونكران الجميل
الجمعة / 26 / ربيع الثاني / 1445 هـ الجمعة 10 نوفمبر 2023 01:54
أمل السعيد (الرياض) Amal222424@
يبدو أنها حالة ليست غائبة، فوجود بعض كبار السن في المستشفيات، دون أن يسأل عنهم أحد، أمر بات حقيقة موجعة، فبعض الأبناء أو بعض ذوي القربى ممن يجب عليهم مراعاة كبير السن ينكصون عن هذا الواجب الديني والأخلاقي والإنساني، ويتركون كبارهم في المستشفيات بعد إدخالهم لتلقي العلاج، ثم يغيبون عنهم بشكل كامل ليصبح المستشفى دارهم ومأواهم، لتبتل وسائد المستشفيات بدموعهم الساخنة.
«عكاظ» فتحت الملف في محاولة لتسليط الضوء عليه قبل تفاقمه، واستطلعت بعض الآراء لمن اقتربوا من هذه الحالات؛ بحكم العمل أو الدافع الإنساني.
القانون يحميهم.. جانب من الحلول
العضياني يقول: إن من طرق معالجة هذه الحالات معرفة الأسباب المؤدية لها وفهمها بشكل جيد وإيجاد حلول مستدامة وشاملة لا فردية، ومن الحلول نشر الوعي بين أفراد المجتمع حول حقوق حماية كبير السن، إذ صدر بشأنه نظام من الدولة يعتني بجوانب كثيرة، ويتم نشر الوعي عن طريق إيصال رسائل إيجابية حول كبير السن ووجوده في البيت والآثار الدينية والاجتماعية والنفسية على ذويه وعلى المجتمع، ومن هذا المنطلق يتم تحفيز وتشجيع المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة على نشر الوعي بين الأبناء وأفراد المجتمع عن طريق وسائل التواصل والقنوات الإعلامية وغيرها.
ومن ضمن الطرق لحل المشكلة أن يتم إيجاد تكامل بين الجهات الحكومية والمؤسسات الطبية فيما يخص دراسة مثل هذه الحالات لكبار السن ورعايتهم ودعمهم، خصوصاً ممن يتعرضون لظروف اجتماعية ونفسية ومالية، ليتم تسهيل الدعم الحكومي لهم وتيسير إجراءات رعايتهم مثل استقدام الخدم، وإيجاد وسائل النقل وتوفير وسائل الرعاية والمستلزمات الطبية. ومن طرق العلاج تطبيق أنظمة العقوبة التي نص عليها قانون حماية كبير السن وعدم التهاون بها، وتوجيه جزء من الاستثمار الطبي في برامج الرعاية الصحية المنزلية لضمان وصول الخدمة الطبية الشاملة لكبير السن في بيته وبين ذويه دون أن يتكبدوا عناء التنقل والسفر ولضمان عدم فقدان الرعاية الطبية اللازمة، وكل جهة يقع على عاتقها دور مهم في سبيل دعم وتشجيع حماية كبير السن، فمثلاً خطيب الجامع عليه نشر الوعي من خلال خطب الجمعة، والمشهور الإعلامي عليه واجب وطني في رفع وعي المجتمع وإرسال رسائل إيجابية حول حماية كبير السن، وكذلك مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة عليها دور في إيجاد وسائل مناسبة لاحتضان كبير السن ضمن أفراد المجتمع حتى لا يكون حبيس البيت أو المستشفى بسبب عدم وجود متنفس خاص به سواء في برامج الترفيه أو الدور المجتمعية أو برامج التطوع أو المشاركة في المناسبات الوطنية والرياضية وغيرها.
حكايات حزينة من المستشفيات
وقفت «عكاظ» على حالة المريضة (أم يوسف)، التي ترقد في أحد المستشفيات، وتقول إن ضغطها ارتفع وأصيبت بجلطة فنقلها أبناؤها إلى المستشفى وطالت فترة علاجها. وأقرت بأن أبناءها ظلوا يترددون عليها بالزيارة قبل أن يتركوها لاحقاً، فصارت لا تعلم عنهم شيئاً لتعيش وحيدة في المستشفى، لكنها استدركت بالشكر والحمد لله الذي رزقها، كما تقول، بطاقم طبي أصبحوا بمثابة أولادها.
وعلى النسق ذاته، قالت الممرضة هدى محمد لـ«عكاظ»: هناك مريض في المستشفى أصيب بالزهايمر وفقد عقله، فأحضره أولاده للطوارئ وتركوه.. وكان شيئاً مؤلماً، والآن هو موجود لا يعرف أولاده ولا أحد يسأل عنه.
أما (العم محمد) فيقول: إن زوجته متوفاة، وسكن عند ولده الوحيد، لكن الزوجة لم تطق وجوده وظلت تخلق معه المشاكل بشكل يومي، «أصبت بعدة أمراض من القهر حتى تعبت، فأحضروني بالإسعاف وتركوني بالمستشفى. وكان ولدي في كل فترة يحضر لي مبلغاً من المال وملابس ويزعم إنه سيخرجني من المستشفى في وقت قريب، والآن قضيت سنتين ولا أعرف عنه أي شيء».
لا تكسروا خواطرهم وتطعنوا قلوبهم
الإعلامية أمل العيسى قالت: إن الكبار هم عطر الحياة، وشموسها المشرقة في أفق المسرات، هم فئة عزيزة علينا، وأثيرة لدينا، ومن المؤسف أن نجد في مجتمعنا المسلم مثل حالات العقوق، فالخذلان شعور مؤلم وقاتل لقلوب بذلت وتفانت وقدمت شبابها وصحتها فداءً لفلذات أكبادها دون انتظار لرد الجميل من الأبناء والبنات. ومثل هؤلاء الأبناء لو لم يستطيعوا تقدير تضحيات آبائهم وأمهاتهم فليتجنبوا كسر خواطرهم وطعن قلوبهم بخنجر الجحود والنكران.
وأضافت العيسى: ليس من الإحسان التخلي عن أعمدة البيوت ونورها لأي مبرر كان، فوجود كبار السن في الأسرة بركة ودعواتهم أطواق نجاة بإذن الله، فكيف يجرؤ البعض على رميهم في المشافي وهجرهم؟
وأضافت: للإعلام دور مؤثر، فعلى عاتقه تقع مسؤولية بث الوعي بحقوق هذه الفئة الغالية، وتذكير المجتمع على اختلاف شرائحه بواجبات أفراده نحو الآباء والأمهات وإكرامهم، بل إعطائهم ما يستحقونه من تقدير ورعاية بعد أن مضى بشبابهم قطار العمر، كما أن للمؤسسات التعليمية دوراً عظيماً في توعية الأجيال وغرس قيم البر والإحسان في نفوسهم وإشراكهم في طرح الحلول لإسعاد أعز الناس.
وختمت العيسى حديثها بالقول: للزيارات الميدانية أثرها الكبير في هذا المجال، ونحمد الله أنها حالات معدودة لا تمثل إلا أصحابها.
عاقبوا العاقين واردعوهم
وللطلاب حراكهم الإيجابي في دعم كبار السن المقيمين بالمستشفيات، وذكرت روان الكامل (الطالبة بجامعة الملك سعود) لـ«عكاظ»، إن لديهم فريقاً تطوعياً تابعاً لبرنامج الشراكة الطلابية بالجامعة، إذ يقومون بزيارة كبار السن في المستشفيات الحكومية بشكل دوري، والمشاركة بتقديم برامج ثقافية ترفيهية وهدايا، إلى جانب جهات تطوعية وخيرية أخرى.
وللمواطنات رأي في عقوق الأبناء والبنات، وتقول عبير الخميس: إن العقوق يعكس حالات موجعة للقلب، فحق الأم والأب أن نحتويهما ونبر بهما بأقصى ما نملك دون مَنٍّ أو أذى. ومن جانبها تقول غادة محمد: مستحيل أن يكون أحد في كامل وعيه ويترك أمه وأباه بالمستشفى، ما أراه هو فرض عقوبة على العاقين. وختمت بشاير مقبل: «عندما كنت منوّمة مع أمي بالمستشفى كان هناك مريض تركه أهله، وكانت تصرفاته مقلقة للمرضى، ومع ذلك كان يحتاج للرحمة وتقدير حالته. وأرى أن يقوم المستشفى بالبحث عن أهل أي مريض ويلزمهم بالاهتمام به، وأن يخافوا ربهم فيه».
«عكاظ» حاولت التواصل مع وزارة الصحة؛ لسماع رأيها في الملف، إلا أنها آثرت الصمت، وفضلت عدم الرد.
التوادد الاجتماعي يسهّل الشفاء
الاختصاصي الاجتماعي عبدالعزيز المبارك يقول: نجد ببالغ الأسف بعض حالات كبار السن الذين تم هجرهم والتخلي عنهم في المستشفيات أو دور الرعاية الاجتماعية، إذ يتركون دون أن يسأل عنهم أحد حتى توافيهم مناياهم.
وقال المبارك: إن الدولة حرصت على احتواء مثل تلك الحالات، وكفلت حقوق الرعاية والعناية بهم، والمطلوب من أي شخص يصادف مثل تلك الحالات المسارعة للجهات المختصة وطلب إدخالهم ضمن البرامج المخصصة لهم، أما إذا كانوا يرقدون على أسرة المستشفيات يجب علينا كمجتمع مبادرتهم بالزيارة والسؤال عنهم وإشعارهم بالاهتمام ومحاولة إيصال حالاتهم للجهات والجمعيات المختصة بكبار السن والجمعيات التي تقدم خدمات اجتماعية وإنسانية لمثل تلك الحالات وتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي؛ الذي حثنا عليه ديننا. وبحكم عملي في جمعية متخصصة بالمكفوفين تردنا حالات لمكفوفين مسنين تم التخلي عنهم في المستشفيات، ورفض أبناؤهم وإخوانهم استلامهم والعناية بهم، وقامت الوزارة بتسلمهم واحتوائهم في الدور المخصصة. ومن وجهة نظري، أن التواصل الاجتماعي مع تلك الحالات يساعد كثيراً على تقبلها للعلاج وتعافيها، إذ إنه يعتبر علاجاً معنوياً.
تركوهاحتى ماتت في الغسيل!
ومن جانبها، ترى المستشارة الأسرية والاختصاصية النفسية دعاء زهران، إن بر الوالدين توجيه رباني، إذ قال تعالى «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا»، فبر الوالدين ورحمة ضعفهما في الكبر من صفات المؤمن التقي، وهو حق وواجب، وأن كل عمل ابن آدم مأجور عليه فكيف لحق وواجب كالوالدين، وأن ظلمهم وعقوقهم وإهمالهم إثم عظيم، يؤجر بارهم ويعاقب ويؤثم في الدنيا قبل الآخر عاقهم. وللأسف، بتنا نرى في بعض الآحيان إهمالاً واضحاً شيَّاباً يرعاهم خدمهم لا ابن ولا ابنة ولا حفيد، وكأنه لا عائلة لهم، فترى قسوة الخادمة حين يطلب المساعدة أو يتصرف بشكل لا يروق لها.
والكارثة الأكبر حين نجد ملل الأبناء من مواعيد آبائهم، خصوصاً لمن لديهم مواعيد أسبوعية، وهناك قصة مؤلمة لأبناء والدتهم لديها غسيل كلى ثلاثة أيام في الأسبوع. فكانوا يحضرونها عند البوابة من الصباح باكراً ويعود أحدهم لأخذها بعد إغلاق أبواب المستشفى، ولما طال الأمر قرروا تركها طيلة الأسبوع لتنام بين كراسي الانتظار، ويأخذها أحدهم آخر الأسبوع ثم قرروا أخيراً تركها دون الرجوع لأخذها وبعد فترة بسيطة توفيت أثناء الغسيل.. وبقيت في الثلاجة أسابيع لعدم تفرغ أبنائها لتسلّم جثتها.. فأين الرحمة والإنسانية؟
وختمت دعاء زهران حديثها بالقول: إن هناك دراسات أكدت أن البنات أكثر عطفاً ومسؤولية واهتماماً تجاه الوالدين في كبرهم، مطالبة بأن يكون البر شاملاً الأبناء والبنات، والدنيا دولاب، وكما تدين تدان.
حالات متكررة.. صور مؤلمة
يقرُّ أستاذ واستشاري طب الأسرة وأمراض الشيخوخة وأمراض الذاكرة بكلية الطب والمدينة الطبية بجامعة الملك سعود البروفيسور عبدالعزيز العضياني، أن هناك حالات يتم فيها إيداع كبار السن بالمستشفيات لسبب مرضي في الغالب، ثم يتم إهمالهم من ذويهم أو من يعولهم وعدم زيارتهم أو السؤال عنهم، ومثل هذه الحالات لم تصل إلى مستوى الظاهرة لكنها تتكرر، وهي صورة مزعجة ومؤلمة لكبير السن وللطاقم الطبي ولمن يعايش حالات هؤلاء.
ويؤكد العضياني أنّ كبير السن له الحق أن يعيش كريماً محاطاً بأسرته وذويه ومع من يرتاح لهم؛ ليعتنوا بصحته وأموره الشخصية بشكل يومي، خصوصاً من هو في حاجة إلى آخرين. وقد نص نظام حماية كبير السن ورعايته؛ الذي صدر بقرار مجلس الوزراء؛ على أهمية ضمان العيش الكريم لكبير السن بين ذويه وحقه في العيش مع أسرته، وأن عليها إيواءه ورعايته.
وقال العضياني: إن الأسباب تتنوع في إهمال رعاية كبير السن وتركه حبيس المستشفى، فقد يكون ذلك لعدم وجود عائل قريب، أو لانشغال ذوي كبير السن بأعمالهم اليومية، وأحياناً لاعتقاد ذوي كبير السن أن المستشفيات المكان الأنسب للعناية به وإطعامه ورعايته، وقد تكون الأسباب ضعف الوازع الديني والتفكك الاجتماعي؛ ما يؤدي إلى اللجوء لإيجاد وسيلة للتخلص من العناية بكبير السن وفي بعض الحالات يعاني ذوو كبير السن من ضيق الحال وقلة ذات اليد فلا يوجد لديهم مكان مناسب أو مصادر دخل كافية للقيام برعاية كبير السن في البيوت.
جحود ونكران وعقوق
القانوني خالد البابطين قال لـ«عكاظ»: إن كبير السن لو كان مقيماً في مستشفى خاص ولا يوجد من يدفع للمشفى حقوقه المالية بعد وفاته، فللمستشفى إقامة دعوى على الورثة ليستوفى دينه ممّا يتركه الميت من أموال، فلا تركة إلا بعد سداد الديون، لكن السؤال لماذا يتركون أباءهم ويجحدونهم وينسون فضلهم، إذا كانت المسألة مادية فالدولة متكفلة بعلاج أبنائها كباراً وصغاراً.. إذن الموضوع ليس موضوع الخشية من الخسارة المادية، هو جحود ونكران وعقوق حرَّمه ربنا علينا كمسلمين وأقرن رضاه برضا الوالدين.. واليوم نحن أبناء وغداً آباء.
«عكاظ» فتحت الملف في محاولة لتسليط الضوء عليه قبل تفاقمه، واستطلعت بعض الآراء لمن اقتربوا من هذه الحالات؛ بحكم العمل أو الدافع الإنساني.
القانون يحميهم.. جانب من الحلول
العضياني يقول: إن من طرق معالجة هذه الحالات معرفة الأسباب المؤدية لها وفهمها بشكل جيد وإيجاد حلول مستدامة وشاملة لا فردية، ومن الحلول نشر الوعي بين أفراد المجتمع حول حقوق حماية كبير السن، إذ صدر بشأنه نظام من الدولة يعتني بجوانب كثيرة، ويتم نشر الوعي عن طريق إيصال رسائل إيجابية حول كبير السن ووجوده في البيت والآثار الدينية والاجتماعية والنفسية على ذويه وعلى المجتمع، ومن هذا المنطلق يتم تحفيز وتشجيع المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة على نشر الوعي بين الأبناء وأفراد المجتمع عن طريق وسائل التواصل والقنوات الإعلامية وغيرها.
ومن ضمن الطرق لحل المشكلة أن يتم إيجاد تكامل بين الجهات الحكومية والمؤسسات الطبية فيما يخص دراسة مثل هذه الحالات لكبار السن ورعايتهم ودعمهم، خصوصاً ممن يتعرضون لظروف اجتماعية ونفسية ومالية، ليتم تسهيل الدعم الحكومي لهم وتيسير إجراءات رعايتهم مثل استقدام الخدم، وإيجاد وسائل النقل وتوفير وسائل الرعاية والمستلزمات الطبية. ومن طرق العلاج تطبيق أنظمة العقوبة التي نص عليها قانون حماية كبير السن وعدم التهاون بها، وتوجيه جزء من الاستثمار الطبي في برامج الرعاية الصحية المنزلية لضمان وصول الخدمة الطبية الشاملة لكبير السن في بيته وبين ذويه دون أن يتكبدوا عناء التنقل والسفر ولضمان عدم فقدان الرعاية الطبية اللازمة، وكل جهة يقع على عاتقها دور مهم في سبيل دعم وتشجيع حماية كبير السن، فمثلاً خطيب الجامع عليه نشر الوعي من خلال خطب الجمعة، والمشهور الإعلامي عليه واجب وطني في رفع وعي المجتمع وإرسال رسائل إيجابية حول حماية كبير السن، وكذلك مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة عليها دور في إيجاد وسائل مناسبة لاحتضان كبير السن ضمن أفراد المجتمع حتى لا يكون حبيس البيت أو المستشفى بسبب عدم وجود متنفس خاص به سواء في برامج الترفيه أو الدور المجتمعية أو برامج التطوع أو المشاركة في المناسبات الوطنية والرياضية وغيرها.
حكايات حزينة من المستشفيات
وقفت «عكاظ» على حالة المريضة (أم يوسف)، التي ترقد في أحد المستشفيات، وتقول إن ضغطها ارتفع وأصيبت بجلطة فنقلها أبناؤها إلى المستشفى وطالت فترة علاجها. وأقرت بأن أبناءها ظلوا يترددون عليها بالزيارة قبل أن يتركوها لاحقاً، فصارت لا تعلم عنهم شيئاً لتعيش وحيدة في المستشفى، لكنها استدركت بالشكر والحمد لله الذي رزقها، كما تقول، بطاقم طبي أصبحوا بمثابة أولادها.
وعلى النسق ذاته، قالت الممرضة هدى محمد لـ«عكاظ»: هناك مريض في المستشفى أصيب بالزهايمر وفقد عقله، فأحضره أولاده للطوارئ وتركوه.. وكان شيئاً مؤلماً، والآن هو موجود لا يعرف أولاده ولا أحد يسأل عنه.
أما (العم محمد) فيقول: إن زوجته متوفاة، وسكن عند ولده الوحيد، لكن الزوجة لم تطق وجوده وظلت تخلق معه المشاكل بشكل يومي، «أصبت بعدة أمراض من القهر حتى تعبت، فأحضروني بالإسعاف وتركوني بالمستشفى. وكان ولدي في كل فترة يحضر لي مبلغاً من المال وملابس ويزعم إنه سيخرجني من المستشفى في وقت قريب، والآن قضيت سنتين ولا أعرف عنه أي شيء».
لا تكسروا خواطرهم وتطعنوا قلوبهم
الإعلامية أمل العيسى قالت: إن الكبار هم عطر الحياة، وشموسها المشرقة في أفق المسرات، هم فئة عزيزة علينا، وأثيرة لدينا، ومن المؤسف أن نجد في مجتمعنا المسلم مثل حالات العقوق، فالخذلان شعور مؤلم وقاتل لقلوب بذلت وتفانت وقدمت شبابها وصحتها فداءً لفلذات أكبادها دون انتظار لرد الجميل من الأبناء والبنات. ومثل هؤلاء الأبناء لو لم يستطيعوا تقدير تضحيات آبائهم وأمهاتهم فليتجنبوا كسر خواطرهم وطعن قلوبهم بخنجر الجحود والنكران.
وأضافت العيسى: ليس من الإحسان التخلي عن أعمدة البيوت ونورها لأي مبرر كان، فوجود كبار السن في الأسرة بركة ودعواتهم أطواق نجاة بإذن الله، فكيف يجرؤ البعض على رميهم في المشافي وهجرهم؟
وأضافت: للإعلام دور مؤثر، فعلى عاتقه تقع مسؤولية بث الوعي بحقوق هذه الفئة الغالية، وتذكير المجتمع على اختلاف شرائحه بواجبات أفراده نحو الآباء والأمهات وإكرامهم، بل إعطائهم ما يستحقونه من تقدير ورعاية بعد أن مضى بشبابهم قطار العمر، كما أن للمؤسسات التعليمية دوراً عظيماً في توعية الأجيال وغرس قيم البر والإحسان في نفوسهم وإشراكهم في طرح الحلول لإسعاد أعز الناس.
وختمت العيسى حديثها بالقول: للزيارات الميدانية أثرها الكبير في هذا المجال، ونحمد الله أنها حالات معدودة لا تمثل إلا أصحابها.
عاقبوا العاقين واردعوهم
وللطلاب حراكهم الإيجابي في دعم كبار السن المقيمين بالمستشفيات، وذكرت روان الكامل (الطالبة بجامعة الملك سعود) لـ«عكاظ»، إن لديهم فريقاً تطوعياً تابعاً لبرنامج الشراكة الطلابية بالجامعة، إذ يقومون بزيارة كبار السن في المستشفيات الحكومية بشكل دوري، والمشاركة بتقديم برامج ثقافية ترفيهية وهدايا، إلى جانب جهات تطوعية وخيرية أخرى.
وللمواطنات رأي في عقوق الأبناء والبنات، وتقول عبير الخميس: إن العقوق يعكس حالات موجعة للقلب، فحق الأم والأب أن نحتويهما ونبر بهما بأقصى ما نملك دون مَنٍّ أو أذى. ومن جانبها تقول غادة محمد: مستحيل أن يكون أحد في كامل وعيه ويترك أمه وأباه بالمستشفى، ما أراه هو فرض عقوبة على العاقين. وختمت بشاير مقبل: «عندما كنت منوّمة مع أمي بالمستشفى كان هناك مريض تركه أهله، وكانت تصرفاته مقلقة للمرضى، ومع ذلك كان يحتاج للرحمة وتقدير حالته. وأرى أن يقوم المستشفى بالبحث عن أهل أي مريض ويلزمهم بالاهتمام به، وأن يخافوا ربهم فيه».
«عكاظ» حاولت التواصل مع وزارة الصحة؛ لسماع رأيها في الملف، إلا أنها آثرت الصمت، وفضلت عدم الرد.
التوادد الاجتماعي يسهّل الشفاء
الاختصاصي الاجتماعي عبدالعزيز المبارك يقول: نجد ببالغ الأسف بعض حالات كبار السن الذين تم هجرهم والتخلي عنهم في المستشفيات أو دور الرعاية الاجتماعية، إذ يتركون دون أن يسأل عنهم أحد حتى توافيهم مناياهم.
وقال المبارك: إن الدولة حرصت على احتواء مثل تلك الحالات، وكفلت حقوق الرعاية والعناية بهم، والمطلوب من أي شخص يصادف مثل تلك الحالات المسارعة للجهات المختصة وطلب إدخالهم ضمن البرامج المخصصة لهم، أما إذا كانوا يرقدون على أسرة المستشفيات يجب علينا كمجتمع مبادرتهم بالزيارة والسؤال عنهم وإشعارهم بالاهتمام ومحاولة إيصال حالاتهم للجهات والجمعيات المختصة بكبار السن والجمعيات التي تقدم خدمات اجتماعية وإنسانية لمثل تلك الحالات وتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي؛ الذي حثنا عليه ديننا. وبحكم عملي في جمعية متخصصة بالمكفوفين تردنا حالات لمكفوفين مسنين تم التخلي عنهم في المستشفيات، ورفض أبناؤهم وإخوانهم استلامهم والعناية بهم، وقامت الوزارة بتسلمهم واحتوائهم في الدور المخصصة. ومن وجهة نظري، أن التواصل الاجتماعي مع تلك الحالات يساعد كثيراً على تقبلها للعلاج وتعافيها، إذ إنه يعتبر علاجاً معنوياً.
تركوهاحتى ماتت في الغسيل!
ومن جانبها، ترى المستشارة الأسرية والاختصاصية النفسية دعاء زهران، إن بر الوالدين توجيه رباني، إذ قال تعالى «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا»، فبر الوالدين ورحمة ضعفهما في الكبر من صفات المؤمن التقي، وهو حق وواجب، وأن كل عمل ابن آدم مأجور عليه فكيف لحق وواجب كالوالدين، وأن ظلمهم وعقوقهم وإهمالهم إثم عظيم، يؤجر بارهم ويعاقب ويؤثم في الدنيا قبل الآخر عاقهم. وللأسف، بتنا نرى في بعض الآحيان إهمالاً واضحاً شيَّاباً يرعاهم خدمهم لا ابن ولا ابنة ولا حفيد، وكأنه لا عائلة لهم، فترى قسوة الخادمة حين يطلب المساعدة أو يتصرف بشكل لا يروق لها.
والكارثة الأكبر حين نجد ملل الأبناء من مواعيد آبائهم، خصوصاً لمن لديهم مواعيد أسبوعية، وهناك قصة مؤلمة لأبناء والدتهم لديها غسيل كلى ثلاثة أيام في الأسبوع. فكانوا يحضرونها عند البوابة من الصباح باكراً ويعود أحدهم لأخذها بعد إغلاق أبواب المستشفى، ولما طال الأمر قرروا تركها طيلة الأسبوع لتنام بين كراسي الانتظار، ويأخذها أحدهم آخر الأسبوع ثم قرروا أخيراً تركها دون الرجوع لأخذها وبعد فترة بسيطة توفيت أثناء الغسيل.. وبقيت في الثلاجة أسابيع لعدم تفرغ أبنائها لتسلّم جثتها.. فأين الرحمة والإنسانية؟
وختمت دعاء زهران حديثها بالقول: إن هناك دراسات أكدت أن البنات أكثر عطفاً ومسؤولية واهتماماً تجاه الوالدين في كبرهم، مطالبة بأن يكون البر شاملاً الأبناء والبنات، والدنيا دولاب، وكما تدين تدان.
حالات متكررة.. صور مؤلمة
يقرُّ أستاذ واستشاري طب الأسرة وأمراض الشيخوخة وأمراض الذاكرة بكلية الطب والمدينة الطبية بجامعة الملك سعود البروفيسور عبدالعزيز العضياني، أن هناك حالات يتم فيها إيداع كبار السن بالمستشفيات لسبب مرضي في الغالب، ثم يتم إهمالهم من ذويهم أو من يعولهم وعدم زيارتهم أو السؤال عنهم، ومثل هذه الحالات لم تصل إلى مستوى الظاهرة لكنها تتكرر، وهي صورة مزعجة ومؤلمة لكبير السن وللطاقم الطبي ولمن يعايش حالات هؤلاء.
ويؤكد العضياني أنّ كبير السن له الحق أن يعيش كريماً محاطاً بأسرته وذويه ومع من يرتاح لهم؛ ليعتنوا بصحته وأموره الشخصية بشكل يومي، خصوصاً من هو في حاجة إلى آخرين. وقد نص نظام حماية كبير السن ورعايته؛ الذي صدر بقرار مجلس الوزراء؛ على أهمية ضمان العيش الكريم لكبير السن بين ذويه وحقه في العيش مع أسرته، وأن عليها إيواءه ورعايته.
وقال العضياني: إن الأسباب تتنوع في إهمال رعاية كبير السن وتركه حبيس المستشفى، فقد يكون ذلك لعدم وجود عائل قريب، أو لانشغال ذوي كبير السن بأعمالهم اليومية، وأحياناً لاعتقاد ذوي كبير السن أن المستشفيات المكان الأنسب للعناية به وإطعامه ورعايته، وقد تكون الأسباب ضعف الوازع الديني والتفكك الاجتماعي؛ ما يؤدي إلى اللجوء لإيجاد وسيلة للتخلص من العناية بكبير السن وفي بعض الحالات يعاني ذوو كبير السن من ضيق الحال وقلة ذات اليد فلا يوجد لديهم مكان مناسب أو مصادر دخل كافية للقيام برعاية كبير السن في البيوت.
جحود ونكران وعقوق
القانوني خالد البابطين قال لـ«عكاظ»: إن كبير السن لو كان مقيماً في مستشفى خاص ولا يوجد من يدفع للمشفى حقوقه المالية بعد وفاته، فللمستشفى إقامة دعوى على الورثة ليستوفى دينه ممّا يتركه الميت من أموال، فلا تركة إلا بعد سداد الديون، لكن السؤال لماذا يتركون أباءهم ويجحدونهم وينسون فضلهم، إذا كانت المسألة مادية فالدولة متكفلة بعلاج أبنائها كباراً وصغاراً.. إذن الموضوع ليس موضوع الخشية من الخسارة المادية، هو جحود ونكران وعقوق حرَّمه ربنا علينا كمسلمين وأقرن رضاه برضا الوالدين.. واليوم نحن أبناء وغداً آباء.