كتاب ومقالات

رعاية البيئة وإعادة التدوير.. واجب ديني

بشرى فيصل السباعي

من مظاهر محدودية وخلل الخطاب الديني السائد أنه ركز على جانب التسييس والظاهر والمظاهر الدينية وأهمل المنظور الشمولي الأوسع والأعمق لماهية التدين، وهذا أدى إلى التطرف بالمظاهر والإرهاب المناقضين لجوهر التدين الرشيد ومنظوره الشمولي، وأبرز دليل على هذا الفهم القاصر في الخطاب الديني مفهوم الخلافة الوارد بالقرآن ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)، حيث تم تفسيره بمنظور مسيس يعتقد أن المقصود بالخلافة فرض سلطة موحدة على العالم، وهو أمر مستحيل، وكل من حاول تحقيقه تسبب في مقتل أعداد لا تحصى من الأبرياء واستجلب الدمار الشامل على بلده، بينما المعنى الصحيح للخلافة يتبين من شهادات من مروا بخبرة «الموت المؤقت» - Near death experiences/‏NDEs؛ أي خرجت أرواحهم من أجسادهم بعد توقف قلوبهم قبل أن يتم إنعاشهم وقام الأطباء الغربيون بجمع شهاداتهم وتوثيقها، فالأمريكي Oliver John Calv قيل له بالعالم الروحي إنه لم يحقق الغاية من إيجاده بالدنيا، وهي ذات الغاية المكلف بها كل إنسان، وهي تحمل المسؤولية عن الأرض والطبيعة والكائنات الحية؛ لأن الإنسان تم تكليفه برعايتها وعدم إفساد وتلويث الطبيعة والتسبب بانقراض كائناتها، وأيضاً الأمريكي Peter Anthony تم إطلاعه على إفساد الإنسان للبيئة والطبيعة وتحميله المسؤولية الشخصية عنها مثل جعله يرى عواقب رميه ورقة تغليف علكة على تسميم الناس بالتلوث، ومثل هذه الشهادات عن مسؤولية الإنسان تجاه البيئة والمخلوقات وحالة الأرض ومحاسبته على عدم القيام بدوره في رعايتها بالغة الأهمية لتحرير مفهوم الخلافة من التسييس الذي كان وراء إرهاب الجماعات الإسلامية؛ فمفهوم الخلافة بالآية هو كما تضمنته شهادات من مروا بخبرة الموت المؤقت؛ أي رعاية الأرض ومخلوقاتها وليس إقامة سلطة عالمية تهيمن على الشعوب بالعنف والإرهاب، والفارق في فهم مفهوم الخلافة يمثل الفارق بين الخير والشر؛ لأن إرادة فرض السيطرة والهيمنة بالعنف تؤدي لاقتراف الجرائم الجماعية بحق الخلق والإفساد في الأرض، مما يجعل القائم بها كائناً شريراً خالياً من صفات الخيرية، بينما مفهوم الخلافة الذي يعني الرعاية الشاملة يؤدي للقيام بأعمال الإحسان والخيرية والنفع والمساعدة، ولأن الثقافة العامة السائدة دينية المرجعية، فالتوعية البيئية يجب أن يكون منطلقها هذا الفهم الروحي الشمولي لمفهوم الخلافة لتكون مؤثرة، ومن أبرز عواقب الافتقار لهذا الفهم الجوهري للتدين ضعف الوعي بأهمية حماية البيئة من التلوث بوازع ذاتي وليس خوفاً من العقوبات ابتداءً من رمي النفايات في المنتزهات ووصولاً لتلويث المصانع للبيئة بمخلفاتها (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس). ونشر هذا الفهم للحفاظ على البيئة كواجب ديني مهم لإنجاح خطط الهيئات المعنية بالبيئة مثل «المركز الوطني لإدارة النفايات/‏موان» وحماية الحياة الفطرية، ومما سيساعد على ذلك نشر التوعية بأضرار التلوث البيئي على الصحة العامة والإصابة بالأمراض وتشوهات الأجنة، وتحميل الفرد المسؤولية الأخلاقية والدينية عن هذا الإضرار بالبشر وبقية المخلوقات وقتلهم بالأمراض الناتجة عن التلوث، وأيضاً مطالعة خبرات الدول التي طبقت إستراتيجيات إعادة التدوير حتى صارت ثقافة عامة فيها ويلتزم بها المواطن حتى دون عقوبات، بالإضافة للفوائد الاقتصادية للبيئة الخالية من التلوث؛ فالسياح يتجنبون البلدان المعروفة بتلوث بيئتها وهوائها ويقبلون على البلدان المعروفة بخلوها من التلوث، أيضاً الحياة الفطرية عامل جذب سياحي، والبلدان التي لديها نسب تلوث بيئي مرتفع يعاني سكانها من ارتفاع معدلات العديد من الأمراض كأمراض الجهاز التنفسي، مما يعني المزيد من العبء على النظام الصحي وإنتاجية مفقودة، كما أن إعادة تدوير النفايات تمثل فرصا استثمارية واعدة لا يزال لا يوجد وعي حولها.