دواك عندي!
الثلاثاء / 13 / جمادى الآخرة / 1445 هـ الثلاثاء 26 ديسمبر 2023 21:34
بقلم: سعيد المبارك salmobark@
للإيمان بالله تعالى أركان ستة لا تخفى على أي مسلم، أما الإيمان بالعلم فهو الإيمان بالأسباب والنواميس الطبيعية، التي تتمثل في قدر الله تعالى على عباده، فعندما يلجأ المريض إلى العلاج، فإنه يفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، ووجب عليه أن يفعل، فلو لم يفعل عامداً لكان أشبه بمن يقتل نفسه.
لكن عندما نلمح كثيراًً من الناس في معظم المجتمعات العربية يفزعون إلى العلاج الشعبي، ويقدمونه على غيره من أنواع العلاج، من منطلق قناعات ومعتقدات خاصة موروثة لديهم، فقد وجب علينا أن نطرق جرس الإنذار، وننوه إلى خطر لا يستهان به إذا استفحل أمره.
نعم.. ربما تكون الحالة الاقتصادية التي يحيا عليها الناس، هي السبب الأكبر في لجوء الأفراد إلى هذا النوع من العلاج، ناهيك عن تدني المستويين المعرفي والاجتماعي لهم، فهناك الكثير من الممارسات الشعبية المعلنة وغير المعلنة التي تكتظ بها تلك المجتمعات، وربما تغيب عن الغطاء القانوني، بل الشرعي في أحيانٍ كثيرة.
أيضاً عندما يغيب الوازع الديني أو يقل ويضعف، هنا تبرز بقوة مظاهر ذاك الضعف والغياب، حيث يدَّعي بعض الأشخاص من فاقدي الهوية الإنسانية والشرعية، أن لهم قدرات خارقة على الشفاء، والتمكن من كشف ما يصيب بعض المرضى من قاصديهم، والمؤمنين بتلك القدرات لديهم؛ جهلاً وقصوراً في معارفهم وثقافاتهم وشرائعهم؛ ونتيجة مباشرة لالتباس أشكال المعالجة الشعبية ذائعة الصيت بالجانب الديني، أو بمصطلح الطب النبوي والرقية، فلا يملك الناس إلا اللجوء إلى الرقاة أو المطببين الشعبيين لطلب العلاج، لوجود رصيد كبير من القناعة الذاتية لديهم. كما أن هذه الفئة تملك ما هو أكثر من الشهادة الأكاديمية، ألا وهي شهادة الناس أنفسهم.
حلقاتُ تواصلٍ دأبت عليها الأجيال بين معالجٍ أو راقٍ، وبين مريضٍ يبحث عن علاج، وثالثٍ يوجِّهُ إلى ممارسٍ أو يدل على مكانه، في صورة تنظيم تقوده ثقافة مجتمع، وسلوك يمتهنه بائعو الأعشاب والعطارون الذين صنَّفوا أنفسهم رقاةً أو معالجين شعبيين، وذاع صيتهم في أماكن التجمع العامة والخاصة، بتقديمهم النصائح وخلطات الأعشاب النافعة والمجربة؛ ما ساهم في تحقيق أهدافهم، وتثبيت أقدامهم بين أطياف مجتمعاتهم.
وهذا يؤكد أن نجاح الطب الشعبي يعود إلى الوسط الاجتماعي والمعرفي والديني للمجتمع، وأن ثقافة التطبيب الشعبي لها منشأ ذهني وسلوكي، ساهم فيه وجود المعالجين الشعبيين الذين نجحوا في إبراز دورهم وتأكيده؛ كونهم قبلة القاصدين والمصدر الذي يلجأ إليه كثير من أفراد المجتمع بغية شفائهم من الأمراض والعلل، تحت غطاء كبير من الثقة فيهم وفي أساليبهم وأشكال علاجهم وممارساتهم، وما يستخدمونه من رموز وأعشاب وطقوس، ورَثُوها إرثاً له احترامه وتقديره لديهم.
لكن ما تنشره وسائل الإعلام الحديثة وسبل التقنية المختلفة، من خطر انتشار المعالجين الشعبيين والرقاة بشكل لافت على مواقع التواصل الاجتماعي، وزعمهم القدرة على علاج كل شيء، في مخالفاتٍ صريحة يتنكر لها العرفُ قبل العقيدة، حتى وصل الأمر ببعضهم أن يطلب يد من تُعَالَج عنده، أو يخطبُ ودَّها بشكل أو بآخر، فهذا كله يحتم علينا الوقوف والتصدي بكل قوة لكل تلك المخالفات والممارسات المشينة، التي يقترفونها دون حرجٍ أو خجل، بغية الوصول إلى أغراض دنيئة تأباها كل الأعراف والمبادئ، ودون ضوابط قانونية أو شرعية.