كتاب ومقالات

الرأي العام الوجداني..!

أحمد الجميعة

هناك رأي عام منطقي يعبّر عن الحكم المجرد الذي يصل إليه الحوار حول قضية مطروحة للنقاش، وهناك رأي عام وجداني يتبنى رأي الأغلبية دون مخاطرة في إبداء وجهة النظر الأخرى؛ خوفاً من العزلة الاجتماعية، وهذا النوع تحديداً هو مثار جدل واسع بين من يرى سلبية من يتبناه، أو يعبّر عنه، أو ما ينتج عنه من وعي زائف لمناخ الرأي العام في المجتمع، ووجهة نظر أخرى ترى في هذا النوع تقديراً للمصلحة الشخصية أو العملية، أو السير في ركب المجموع؛ وصولاً إلى منطقة الدفء بعيداً عن مواجهة الآخرين والتصادم مع آرائهم.

الرأي الثالث الذي أتبناه؛ هو أن الجمهور الذي يعبّر عن رأيه المنطقي أو الوجداني ليس سلبياً، وليس أيضاً بالضرورة أن يكون رأيه معبراً عن الرأي السائد في المجتمع؛ فالمعيار هنا ليس في الصمت أو الحديث، ولكن في تقديري يعود إلى الفكرة التي ينطلق منها هذا الرأي، والمعلومة التي يستند إليها، والواقع الذي لا ينفصل عنه، وبالتالي الذي لا تتوافر لديه هذه المقومات من الأفضل أن يبقى صامتاً؛ لأن هناك باختصار من يملك الفكر والمعلومة والتجربة للرد عليه.

اليوم في اجتماعات العمل -على سبيل المثال- هناك أغلبية صامتة تتبنى رأي الأغلبية، وقد يكون لديها رأي آخر مختلف، وتُمنح الفرصة أثناء الاجتماع للتعبير عنه لكنها تفضّل أن تبقى صامتة، والسؤال هل صمتها يعني أنها تملك الحقيقة، أو على الأقل الرأي الأصوب عن غيرها من حضور الاجتماع، والجواب المنطقي لا، لأنه باختصار قد لا يكون لديها ما يمكن أن تقنع الآخرين به، أو تشاركهم على الأقل بفكرة جديدة، أو ممارسة نوعية مختلفة، أو حتى تجارب سابقة للاستفادة منها، والدليل أن الفرصة متاحة لها للتعبير عن رأيها، ولكنها فضّلت الصمت.

لنأخذ مثال الاجتماعات ونطبقه على نطاق واسع في المجتمع؛ باعتبار معايير الفكرة والمعلومة والواقعية في النقاش، وليس معيار الصمت أو الحديث، ونلحظ أن من لديه فكرة طموحة أو مبدعة هو محل تقدير من الجميع، ومن لديه معلومة يقدمها لمؤسسات المجتمع سواءً في صورة بلاغ، أو نقل معرفة من تجارب ومقارنات معيارية هو أيضاً مرحب فيه، كذلك من لديه نظرة واقعية وموضوعية في الحكم والتقييم منسجمة مع التغيرات والسياسات المعلنة هو مكسب للتطوير والتحسين للأفضل.

ما نريد أن نؤكد عليه هو أن الصمت ليس مبرراً عن قول الحقيقة إذا توافرت عناصرها، والأهم أن تراعي المصلحة الوطنية العليا التي هي الأساس متى نبقى صامتين أو متحدثين؛ للحفاظ على وحدتنا، وأمننا، وسلمنا الاجتماعي.