كتاب ومقالات

مصداقية الصحف الورقية !

نجيب يماني

في منتدي مصر للإعلام الذي عقد في القاهرة مؤخراً، تم دق ناقوس الخطر مع عدة تساؤلات حول مستقبل العالم (حال تُرك بلا إعلام).

وصدق هذا الواقع بعد تصاعد الانتقادات لأداء الإعلام المؤسسي في تغطية حرب غزة مع اتساع مساحة دور منصات التواصل الإعلامي؛ بوصفها مصادر للمعلومات، مما ينبئ بسقوط الإعلام المؤسسي في فخ اللامهنية تاركاً المساحة لمنصات التواصل ولمصادر غير موثوقة لتشكل الوعي الجمعي.

تم في المنتدى إطلاق تحذير خطير، من مغبة الانزلاق نحو عالم بلا إعلام وصحافة، وأنه لا يمكن تحمل نتائج وجود مثل هذا العالم، وأن هذا الاحتمال يتعزّز كلما فقدت صناعة الإعلام اتجاهها على الصَعود المهني، أو أخفقت في تطوير نماذج أعمال قادرة على تحقيق الاستدامة مع إخفاق وسائط التواصل الاجتماعي وما تشهده من فقدان لمصداقيتها رغم انتشارها ليكون (عالم بلا إعلام).

كما نوقش في المنتدى سؤال مركزي مفاده ماذا لو تُرك الجمهور بلا إعلام مؤسسي يعتمد معايير التحقق وتدقيق المعلومات؟ ماذا لو تُرك الجمهور لمنصات التواصل ومنشورات غير موثوقة؟

وهو سؤال جوهري يطرح نفسه بعد الغياب القسري التام لبعض الصحف والمجلات والملاحق الأدبية والفكرية في عالم اليوم، والاتجاه إلى وسائل التواصل المختلفة بكل ما فيها من مبالغات وتهويل وأخبار غير موثوقة.

يقول الأستاذ سمير عطالله في مقال له جدة بين دفتين «كانت مشاركتي في إحدى ندوات معرض الكتاب حول كتابة العامود اليومي، وطرحت أسئلة كثيرة حول نهاية الصحافة الورقية وحول الرقابة التي هي إلى زوال، وعن دعمي للرأي القائل بأن على الدولة مساعدة الصحافة في الصمود فهي في نهاية المطاف شريكة كبرى في هذه الصناعة، وإن الحداثة الكبرى التي تمر بها السعودية تجعل الصحافة والميديا عنصراً أساسياً في رؤية ولي العهد محمد بن سلمان».

ما قاله المعلم عطالله هو لسان حالنا بعد أن فقدنا متعة الصحافة الورقية ولذة تصفحها يومياً والغوص في تفاصيلها وقراءة أعمدة الرأي فيها، والتي كانت تمثل عنصراً مهماً لمعرفة الرأي العام تجاه قضايا العالم المختلفة، ويتوه جيل اليوم في وسائل التواصل الافتراضية الفاقدة للمصداقية وعبثيتها في الجدال والنقاش وهزليتها في الطرح ودقة الأخبار.

الصحافة الورقية ولدت لتعيش وتكون رفيقة درب للشعوب في مسيرتها ومنبراً للحقيقة والحراك اليومي، مرآة صادقة على ما يحصل على أرض الحقيقة والواقع.

نعيش اليوم حراكنا المتسارع وتتصدر إنجازاتنا أسماع الدنيا فلا بد لنا من صحافة ورقية مساندة تكون هي الناطق الرسمي للأحداث المستجدة التي أوجدتها رؤية المملكة في شتى مجالات الحياة.

صحافة ورقية متسيدة تكون هي مصدر الأخبار والحراك الأدبيّ والثقافي والمسرح والسينما والشعر والفنون والرياضة وكل ما نعيشه اليوم.

صحافة تدعمها كل قطاعات الدولة ومؤسساتها لتزدهر وتعود سيرتها الأولى عن طريق الاشتراك المفوتر المدفوع والإعلانات.

أصبح لدينا العديد من شركات الطيران ورحلات القطارات، وأصبحت مطارات المملكة كخلية نحل على مدار العام،

فليكن للصحف مكان في صدارتها، ولتكن رفيقاً أميناً لمسافرها بدلاً من نت مقطوع تفقد معه لذة القراءة ومتعتها.

كانت صحفنا الورقية تقف بشموخ على استاندات المكتبات وفي أماكن التسوق والسوبر ماركت والمطارات وحتى في دكاكين الحارات.. اليوم لم يعد لها وجود الكل تخلص منها الكل وكأنها عار.

كوّن جيلي ثقافته عن طريق الصحف وتتبع الملاحق الأدبية والثقافية ومعارك الكبار فيها والاطلاع على ما يجري من حراك مجتمعي في مجال الثقافة والأدب واللغة ولكنها تصاريف الأيّام، وما أقساها، فها هي الصحف تزوي وتضمحل وتضمر، وتكاد تغادر محاضنها في الورق إلى الفضاء الإلكتروني بكل مثالبه.

يا أهل الاختصاص والهمّة في (وطن اقرأ) أدركوا الصحف الورقية فهي تحتضر، أحيوها فهي ذاكرة أجيال حفرت في الصخر، وغالبت المستحيل لتصنع فجر الكلمة، ونافذة الخبر، ومشرق الرأي والفكر..

لا تحتاج جهازاً ذكياً، ولا شحناً كهربائياً، ولا خدمة متصلة للإنترنت، سهلة التقليب، طيّعة، ليّنة، يغوص في طياتها المسافر والمقيم ينسى معها الوقت ويعيش اللحظة، رفيقته في حله وترحاله، مضطجعاً أو قائماً، يلتقط منها ما يشاء للاحتفاظ به، أخبارها ثقة لا تحتطب بليل، ولا تلمّ الأنباء من كل طرف، حدود المسؤولية فيها منضبطة، إنها ذاكرتنا التي بها نحيا وعليها نتكل في التوثيق والاسترجاع، لسان الوطن الصادق والمنافح في ظل التكالب إلاعلامي وترصّده بالمملكة وإنجازاتها من الجهات المغرضة.

لنا في ولي عهدنا الأمين محمد الخير وقد أهدانا الرؤية المورقة أن يقيل عثرة صحفنا الوطنية، ويجعل لها نصيباً مفروضاً في مسيرة الوطن أسوة بما تكرم به مع الأندية الرياضية، والأدبية وغيرهما، ممن أخذ بناصيتها ودعمها حتى ضمنت البقاء.

ويمكن معالجة أوضاع صحفنا بتجميعها وإدماجها لتقليص كلفتها، وتجويد أدائها، وتحسين مخرجاتها. وتقديم ما يُقنع لضمان البقاء في وطن لم يعد يحتمل المجاملة والحضور الهامشي غير المؤثر..