كتاب ومقالات

لحارق «البسس» ألف مذمة

عبده خال

نفسي أعلق طالب جامعة البترول الذي أحرق القطة، نفسي أعلقه من أذنه.. ولأن الجهات المعنية سوف تحاسبه وتعاقبه، سوف أعرج على مقالة قديمة تحدثت فيها إلى فضل الحيوان على الإنسان، وقد بدأ فضله مع أول قطرة دم، فالغراب فاض علينا من علمه بمداراة أفعالنا القبيحة.

وقد كتبت تلك المقالة بعنوان «يا حيوان انتبه!»، فأقرب لفظ على اللسان أثناء الاحتداد أو الغضب، أو انفلات الأعصاب هي الشتائم، وأقرب الكائنات التي نستخدمها في سبابنا هي الحيوانات، وأقربها: الكلب، والحمار، والخنزير، أو نوسع الدائرة فنقول: يا حيوان.

وإن ركزنا سوف نخرج كثيراً من الحيونات من خانة القدح إلى خانة المدح، فنمتدح فلاناً أنه: «ذيب» أو أسد، أو صقر، وهناك حيوانات نستخدم التمثل بها وفق تقلبات الأمزجة أو ما تعارف عليه الناس في إطلاق اسم حيوان على حالات معيشية يتصف بها الإنسان الذي نصفه، فنقول: حوت، ثعلب، عقرب، ثعبان، قرد...

والتركيز في هذه المسميات، سوف يقودك إلى بواطن وأسرار تنقل الحيوانات على ألسنتنا، إلا أن عجلتنا تفوت علينا ميزة كل حيوان على حدة، وأي الصفات أصيلة وأيها هجينة.

وذات يوم كتبت عن مثل يقول:

- بين الهجين والأصيل عصا.

وقلت إنها جملة قابلة أن تصبح مثلاً يسافر بين الألسن، وطرأت في بالي بهذه الصياغة من حقيقة واقعية مجربة لدى مربي الخيول.

فهؤلاء المربون إذا تجمعت لديهم خيول كثيرة، ولا يعرفون أيا منها خيلاً أصيلاً أو هجيناً، يعمدون إلى وضع تلك الأعداد داخل إسطبل كبير يتسع لكل تلك الأعداد، ويمنعون عنها الأكل والشراب حتى تصل إلى مراحل متقدمة من الجوع، وبعد ذلك يقومون بضربها ضرباً مبرحاً، لتأتي مرحلة الفرز بتقديم الطعام والشراب، هنا تنقسم الخيول بين مهرول طلباً للأكل والشراب، وخيول تحجم عن تناول الأكل والشراب.

ومن تلك التجربة يقوم المربون بمعرفة الخيل الأصيلة من الخيل الهجينة، فالخيل الأصيلة لا تأكل من يد ضربتها مهما اشتد بها الجوع والعطش، بينما الخيل الهجينة لا يعنيها أي يد ضربتها أو قدمت لها الأكل، ولهذا يمكن صياغة المثل (بين الهجين والأصيل عصا).

والدروس المستقاة من الحيوانات، هي دروس قديمة لجأ الإنسان إليها كدرس مطبق تطبيقاً يكشف كثيراً من السلوك المشترك بينه وبين الحيوان الذي ظهر منذ بدء الخليقة كمعلم يكشف سوءة الإنسان، ويقوم بتورية تلك الأفعال إن كانت مشينة، فقصة دفن الغراب للغراب هي الدرس الأول للبشرية.

وتوالت قصص الحيوانات كأول جامعة تعطي دروساً حياتية سواء كانت تلك القصص في الكتب السماوية أو من خلال القصص الأسطورية أو الشعبية، ولم يقف الإنسان على أخذ الحكمة من تصرف الحيوان وتحويل ذلك التصرف إلى حكمة أو قول يجري في نهر الزمن، بل استطاع الإنسان ملاحظة التصرف الحيواني ومحاكاته في التغلب على الظرف البيئي ونقل ذلك التصرف كمخترع فاد البشرية ونقلها من طور إلى طور.

ولا زالت الدروس الحيوانية تقدم يومياً معرفة لم يتم استيعاب كل تلك الدروس، وأعتقد أن على الإنسان أن يعود إلى البيئة لاستخراج كنوز خائفة لم يبح بها الحيوان إلى الآن.

الله عز وجل لم يخلق أي مخلوق عبثاً، والإيمان بتكامل الكون يمكّن العين الفاحصة من التقاط الدروس الحيوانية التي لم نعرفها بعد.

الآن ونحن نقرأ هذه المقالة دعونا نطف في معرفتنا وتجاربنا لإحصاء الكم المهول من المعارف التي استقاها الإنسان من ذلك العالم الذي نستهين به ونحول جملة «يا حيوان» إلى شتيمة، بينما ذلك الحيوان مدنا بمعرفة لم نكن لنصل إليها لولا وجود الحيوان.

الغباء الإنساني الفاحش أننا لا زلنا نكرر «يا حيوان» كشتيمة.

إذاً لننشط مخيلتنا، ونتصور ماذا تقول الحيوانات عنا، هل تستخدم مفردة «يا إنسان» كشتائم متبادلة بينهم؟

هذه العودة للمقال الهجين والأصيل بحاجة ماسة للوقوف على حيوانية الإنسان حين لا يستوعب لماذا خُلق، ولماذا يتعدى على خلق الله.

وللمرة الألف:

- يا حيوان انتبه!