كتاب ومقالات

ممنوع يعني ممنوع

حمود أبو طالب

جاء البيان الصحفي الصادر على خلفية إلغاء مباراة السوبر التركي لكرة القدم في الرياض سريعاً ودقيقاً وواضحاً، وبلغة مباشرة تقطع الطريق على التكهنات والمزايدات والتأويلات واستغلال الحدث لخدمة أي توجهات أو أجندات، أو إقحامه في قضايا أخرى لا علاقة له بها. بالتأكيد كانت ستخرج قصص عديدة في وسائل إعلامية سواءً تركية أو غيرها لو تأخر البيان أو لم يكن بتلك الدقة والوضوح، وبالتأكيد كان هناك من ينتظر حدثاً كهذا لتوظيفه بشكل سلبي، ولكن ذكاء وسرعة ومهنية الجهة التي أصدرت البيان قطعت الطريق على كل ذلك.

دعونا من اللوائح والأنظمة الدولية لكرة القدم التي تقتضي تقديم الرياضة دون أي شعارات خارج نطاقها، ولنسأل: هل كان الاتحاد التركي لكرة القدم، أو وزارة الخارجية التركية أو السفارة التركية، أو حتى رئاسة الدولة التركية لا تعرف أن أنظمة المملكة تمنع بشكل قاطع رفع أي شعارات سياسية أيّاً كانت، في أي مكان وزمان ومناسبة. حتماً تعرف الجهات المسؤولة التركية ذلك، مثلما تعرفه كل دول العالم. وأيضاً، هل يمكن افتراض أن إدارتي الفريقين قررتا بشكل مستقل ومفاجئ تسييس المنافسة بينهما دون علم بقية الجهات المسؤولة في تركيا، طبعاً يصعب أو يستحيل ذلك، لا سيما والمباراة في دولة أخرى خارج تركيا. وبأبسط الافتراضات ربما وافقوا ضمناً أو علموا عما سيحدث ولم يمنعوه، جعلوه من المسكوت عنه على طريقة لم آمر به ولم يسؤني.

لكل دولة طبيعتها وتركيبتها السياسة، ولها رموزها الوطنية، ولها ظروفها الخاصة المتعلقة بالتنافس بين الأحزاب والتيارات، كل ذلك شأنها وحدها ولا علاقة للدول الأخرى به، وليس من حق جمهورها نقل ميوله المختلفة خارج ساحاته الداخلية، شهدنا منافسات ومناسبات دولية في المملكة في مجالات مختلفة كثيرة، مضت في إطارها دون خروج عنه، والذين حاولوا في الماضي تسييس مناسبات دينية كالحج أو أزمات وحروب وصراعات سياسية في العالم العربي والإسلامي تم منعهم بحزم، ميزة هذا البلد أن قيادته منذ تأسيسه وتوحيده جنبته غوغائية الشعارات والهتافات المسيسة التي ألهت بها كثير من أنظمة الحكم مجتمعاتها عن ضرورات الحياة المنتجة والعيش الكريم. كما أن المجتمع السعودي لا وقت لديه ماضياً وحاضراً للانشغال بشيء غير تنميته، يداً بيد مع دولته، وإذا كان الحال كذلك كيف سيستوعب أو يحترم من يأتون من الخارج وينقلون معهم أزماتهم وصراعاتهم السياسية.

عموماً، لقد خسر الفريقان التركيان المشاركة في أهم موسم ترفيهي وسياحي ورياضي في الشرق الأوسط، وأعطوا انطباعاً سلبياً عن مدى وعيهما واحترامهما لأنظمة المملكة، خصوصاً أن الضوابط كانت واضحة لديهما ولدى الاتحاد التركي سواءً ما يختص بالأنظمة الدولية لكرة القدم، أو بالأنظمة السعودية التي تؤكد بحزم على منع تسييس أي حدث أو مناسبة داخل المملكة، ولعل ما حدث يكون عبرةً لمن يفكرون في ذلك مستقبلاً.