أخبار

خطيب المسجد الحرام: الاعتقاد بتأثير الأبراج طعنة في العقيدة وترويج للخزعبلات

حذّر من الدجالين وممارسي الرقية الموهومة.. والمتصدين لتفسير الأحلام

السديس أثناء خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام

«عكاظ» (جدة)

شدد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، على أن الله تعالى اختص بعلم الغيب وما خفي، ولا ريب، وأن المؤمن الحق ديدنه التوكل على ربه، فلا يدعو ولا يرغب ولا يرجو إلا خالقه عز وجل، ولا يخاف ولا يرهب إلا منه وحده تبارك وتعالى.

وقال في خطبة الجمعة اليوم: جاء النهي صريحا في الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة، عن كل ما يخالف هذه الحقيقة الثابتة ويضادها من الأوهام والانحرافات العقدية، كالتعلق بغير الله سبحانه، واعتقاد النفع والضر بيد غيره عز وجل، ويأتي في الطليعة من ذلك؛ التعلق بأوهام السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين، سماسرة الخرافة والدجل والتضليل، الذين أردوا كثيرا من المسلمين إلى حضيض الشرك الدامس، والجهل الطامس، ومنها التعلق بالأضرحة والمقامات، والأبراج والطوالع والنجوم، واعتقاد تأثيرها في حياة الإنسان فرحا وترحا، خمولا ونشاطا، كدرا واغتباطا، وأن من ولد في برج كذا، فهو السعيد المحروس، ومن ولد في برج كذا، فهو التعيس المنحوس، في سرد للفضائح وإعلان بالقبائح لا يقرها شرع ولا عقل ولا منطق! فسبحان الله عباد الله! كيف تفتك الخرافات والأوهام بعقيدة أولي الحجا والأفهام!؟.

وأردف: إنها -وأيم الله- لهي الطعنة النجلاء في صميم العقيدة، والشرخ الخطير في صرح التوحيد الشامخ، وإنها الانهيار السحيق الذي يثلم القوة، ويذهب العزة، ويجلب الانتكاسة، ويلحق الهزيمة بالجيل، ويشكك في الثوابت واليقينيات، ويروج لبضاعة التخرصات والخزعبلات.

وأوضح أن من القواصم الفاقرات لأزكى الاعتقادات، تعاطي السحر والشعوذة وإتيان السحرة والساحرات، وإنه لجمع بين الكفر بالله، والإضرار بالناس، والإفساد في الأرض بوبيل الأرجاس، قال صلى الله عليه وسلم محذرا من الذهاب إلى السحرة والكهان وتصديقهم في الأوهام والبهتان: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد»، وقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم السحر من السبع الموبقات، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وحذر من أن هؤلاء الدجاجلة الأفاكين منتشرون في بعض الوسائل الإلكترونية الحديثة، من القنوات، والمواقع، والشبكات، فلهم معرفات ودعايات، تروج الأباطيل مع الأسف اللاهب على العامة والدهماء من الفتيان والفتيات، -ولا نكتم الخجل- تتاجر ببضاعتها على بعض الموهومين والمتعالمين، ولهم أسماء وبرامج للحظ زعموا، مما يفتن الجهال والأغرار، بل ربما يتصدى للفتوى كل متعالم مأفون، أو يتطبب من ليس في الطب من قليل ولا كثير، وتتكلم الرويبضة في كل فن، والمتلقون لهذه الأوهام يرتعون بكل وخم وزخم دون تمييز بين الغث والسمين.

ووجه الشيخ السديس نداء عاجلا لمن يهمه الأمر من الآباء والأمهات والمربين والمربيات، والعلماء والدعاة، ورجال الحسبة وفقهم الله وأيدهم، أن يبادروا بالتحصين الإيماني لمجتمعاتهم، ضد هذه المزالق الوهمية، والأعمال الشيطانية، والتكاتف والتعاضد للقضاء على هذه الأوهام؛ لما تمثله من خطر على الأمة، وإخلال بأمن المجتمع، وإفساد لعقيدة المسلمين، واستهانة بعقولهم، وابتزاز لأموالهم، وتثبيط لهممهم، في متاجرة خاسرة وصفقات بائرة، والنصيحة مبذولة لكل من ابتلي بهذه الأمور المزرية الشنيعة، أن يتوب إلى الله ويؤوب، ويستغفره من هذه الشركيات الجاهلية، والوضاعات الخرافية؛ طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحفاظا على دينه، وعقيدته.

وأشار السديس إلى أن من الأوهام المتعلقة بالعقيدة تأتي الأوهام الفكرية بين الغلو والجفاء، والتنطع والانحلال في تجاف عن تحقيق للوسطية والاعتدال، وكذا المضرة بالعبادات، كالرياء والتشديد والتعصب في التقليد ونحوه، أو التعلق بأذكار وأوراد مخترعة هي شبه خطافة في أوجه حمالة، وقوالب أخاذة ليست على أثارة من علم من الهدي النبوي.

وقال: ومما يروج به من الأوهام ما عمت به البلوى في هذه الأزمان، من أمراض نفسية، وجسدية، ممن ابتلوا بوسوسة في العبادات دون يقين، وشك في المسلمات من الدين، وصرع ومس وسحر وعين، ونفس وحسد واكتئاب، ومن هذا الباب ما يتعلق بالرقية الشرعية فكم من مريض أشرف على الهلكات والممات، استطب بالرقية الشرعية فحقق الله له البرء والشفاء.

ونبه أن للرقية الصحيحة المفيدة بإذن الله، شروطا ثلاثة ذكرها أهل العلم أولها: أن تكون بأسماء الله وصفاته، والمجود من آياته، وأن تكون بلغة عربية واضحة المباني، مفهومة المعاني، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى، فأين هذا من ممارسي الرقى الموهومة والمروجين لها، والمتاجرين بعلل الناس وآلامهم، مما يذرف العَبرة، ويوجب العِبرة على غربة التوحيد والسنة، وقل مثل ذلك في المتصدين لتعبير الرؤى وتفسير الأحلام، وما هي إلا أضغاث أحلام، وكم وكم من مروجي المقاطع، وناشري المحتوى الإعلامي المضلل للحقائق، المروج للأكاذيب والشائعات والخزعبلات والافتراءات، ومن ذلك التشبه بغير المسلمين فيما هو من خصائصهم.

وكشف إمام وخطيب المسجد الحرام أن من مضلات الأوهام، واستلابات الأفهام، التي بُليَ بها فئام من الناس، اللهاث المادي خلف تجار الكسب السريع، دون تثبت من مصادر هذه الأموال، وهل هي من حلال أم حرام، ودون نظر إلى عواقب الأمور ومآلاتها، وذلك الذي أودى بكثير ممن سلكوا هذه المسالك الموبوءة، والطرق الملتوية المشبوهة، إلى المصير المحتوم؛ ألا وهو الإفلاس والعيش المدقع المأزوم، أو الوقوع في الفساد وغسل الأموال أو الكساد.

وختم خطبته بالقول: يلحق بهؤلاء الأفدام الأغرار، أقوام غدوا في رق وبيل الأوطار، فبحثوا عن الكمال في صحة القامات وقوة العضلات، وجمال القسمات، وذلك عن طريق تعاطي بعض المنشطات، والخلطات، مجهولة المصادر والهويات، التي يروجها ويبيعها أشخاص مجهولون، وأفراد منكرون، من أهل الابتزاز والإفساد، مروجو المفترات والمخدرات، للمتاجرة بأوهام القوة والفتوة، والنشاط والإسعاد، وفي نهاية المطاف يكون هؤلاء المساكين رهن المستشفيات والمصحات؛ للتخلص من إدمان المخدرات الذي سلب عقولهم وصحتهم، وأموالهم وقيمهم، ودمر نفسياتهم، وأشقى أسرهم ومجتمعاتهم، وهنا لفتة للمرأة المسلمة بعدم الاغترار بالدعوات الموهومة في تحريرها من القيم والمبادئ، في استيقان أن فخرها وعزها بعفافها وحيائها وحجابها وحشمتها، وحذار من دعاوى الانتصارات الموهومة أو الانكسارات المزعومة في إرجاف أو تخذيل، ومنها الدعوات الموهومة والمضللة ضد بلادنا المباركة بلاد التوحيد والسنة وخدمة الحرمين الشريفين، والنيل من قادتها وعلمائها، حرسها الله وأدام أمنها واستقرارها وسائر بلاد المسلمين.

وذكر الشيخ السديس المسلمين أنه في هذه الأيام الباردة والليالي الشتائية القارسة، بأن لنا إخوانا في الدين من المحتاجين والمتضررين والنازحين واللاجئين ولا سيما في فلسطين، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، في مخيمات لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة، ولا يجدون ما يقيهم عواصف الشتاء الباردة، من لباس ودواء، وغذاء وكساء، إلا ما تجود به أيدي إخوانهم في العقيدة، فالله الله عباد الله، وأنتم تعيشون الأمن والرخاء: أسهموا في تخفيف آثار هذا الشتاء القارس على إخوانكم، وذلك بغوثهم عن طريق المؤسسات الموثوقة، والمظلات المأمونة، لتنالوا الأجر العظيم من المولى الكريم سبحانه، ونسأل الله أن ينزل من لطفه ودفئه على المستضعفين والمتضررين.