كتاب ومقالات

بانتظار لحظة الانفجار العظيم

رامي الخليفة العلي

في رائعته السينمائية Don’t Look Up أو «لا تنظروا إلى السماء»، يتخيل المخرج والكاتب الأمريكي آدم مكاي كويكباً صغيراً يقترب من الأرض ويهدد بالقضاء على الجنس البشري، حيث يعمد عالمان إلى محاولة تنبيه العالم إلى خطورة ما ينتظرهم، ولكن جهودهما تبوء بالفشل بسبب الاستخفاف الذي يلقيانه من الإدارة الأمريكية وكذلك من وسائل الإعلام بالرغم من الإدراك بأن هذا الخطر حقيقي، ويبقى الجميع منتظراً هذا الكويكب وكأنه قدر لا مفر منه حتى تحدث الكارثة. تذكرت هذا الفيلم أثناء زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن إلى المنطقة في الأيام القليلة الماضية. فقد حمل عميد الدبلوماسية الأمريكية ملفات عدة إلى دول المنطقة يسعى إلى إيجاد حلول لها؛ الملف الأول وهو بناء تحالف لحماية التجارة الدولية خصوصاً في البحر الأحمر، أما الملف الآخر والأكثر تعقيداً فهو الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأخيراً ملف المليشيات المنتشرة في دول المنطقة. في العام 2015 ثم في العام التالي 2016 حذرت المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى من أن التجارة الدولية تتعرض للخطر بسبب وجود المليشيات المسلحة ودعت الإدارة الأمريكية وكذلك المجتمع الدولي إلى بناء تحالف لتقليل هذه الأخطار، ولوضع منظومة أمنية مستدامة تسمح باستمرار انسياب البضائع في هذا الممر المائي البالغ الأهمية، لكن الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن نظرت إلى الموضوع باعتباره مصلحة لدول الخليج وحسب وفي أحسن الأحوال مصلحة للمملكة العربية السعودية، واعتبرت نفسها غير معنية بهذه الأخطار، وعندما انتبهت الولايات المتحدة إلى هذا الخطر، وعمدت إلى بناء تحالف لمواجهته كان الأوان قد فات، وأصبحت المعالجة في غاية الصعوبة من الناحية العسكرية والأمنية، ويكفي أن نتخيل كم كان من الممكن أن يتم توفير الكثير من الجهد والمال لو بدأ العمل منذ ذلك الوقت. أما الكارثة الأخرى فكانت المليشيات المسلحة التي بدأت تتكاثر في المنطقة العربية كالفطر منذ بدء ما سمي الربيع العربي، حيث اعتمدت على وجود مليشياوي تم التأسيس له على امتداد العقود الأربعة باعتباره أذرعاً أمنية وعسكرية لدول تحاول أن تبني نفوذاً لها في المنطقة، وقد تم تحذير الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية من خطورة هذه المليشيات، ولكن ذهبت هذه التحذيرات أدراج الرياح بل ونظرت واشنطن إلى تلك المليشيات باعتبارها واقعاً يمكن التأقلم معه وتعاونت مع هذه المليشيات أو تلك بحسب كل ملف وخصوصية كل دولة، وها هي واشنطن تدفع وستدفع الكثير من الأثمان في مواجهة هذه المجموعات. في النقاش المعمق الذي جرى ما بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية حول السلام في المنطقة والعلاقات العربية الإسرائيلية كانت وجهة النظر السعودية واضحة ومعبر عنها في السر والعلن بأن السلام لن يسود المنطقة ما لم يكن هنالك حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية تضمن عودة الحقوق وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة والقابلة للحياة على حدود الرابع من حزيران 1967، ولكن تجاهلت واشنطن ومن خلفها تل أبيب هذه الحقيقة وحاولا وضع العربة قبل الحصان بمعنى السلام بين تل أبيب والدول العربية قبل إعادة الحقوق إلى الشعب الفلسطيني وهذا ما رفضته المملكة وبقي حجر العثرة أمام الطموح الأمريكي بتطبيع عربي شامل مع إسرائيل.

أما الآن فإن الخشية أننا جميعاً نجلس على الطاولة كما أبطال فيلم «لا تنظروا إلى السماء» في المشهد الأخير وهم ينتظرون لحظة الانفجار العظيم.