أخبار

جُرحي.. لا يندمل !

القدم السكرية .. آخر العلاج «البتر»

محمد الهتار (جدة) alhattar@

تجاوز الخمسين من عمره، يعيش في هدوء، يومياً يستيقظ مبكراً لأداء صلاة الفجر، ثم ينطلق لممشى الحي لممارسة الرياضة وحرق السعرات الحرارية.. إنه (سعد) أحد مصابي مرض السكري.

لم يكن الخمسيني (سعد) يكتفي برياضة المشي، إذ كان حريصاً على السير ليلاً، وذات ليلة تأخر في الذهاب إلى الممشى الذي اعتاده، وقرر أن يمارس هوايته في شارع الحي فعرج إلى ممرٍ مصابيحُه خافتة، وأرضيته مفروشة بالحصى والحجارة، ودون أن ينتبه ارتطمت قدمه اليسرى بحجر صلب، شعر حينها بالألم لكنه لم يكترث وواصل سيره، وتفقد الضربة ووجدها كدمة بسيطة لن تضره ولن تسبب له بأذى.. سكت (سعد) عن نفسه ثم بدأ يشعر بألم وتفقد بين أصابع قدمه ووجد جرحاً بسيطاً ولم يعطِ ذلك بالاً، وقرر معالجة نفسه بنفسه دون طبيب. ومع الوقت بدأت المضاعفات، وتغيّر موقع الإصابة، فقرر الذهاب إلى المستشفى حتى يلحق نفسه ولا يدخل غرفة العمليات، خصوصاً أن البعض كان قد همس له وبصوت مسموع ولم يسمع النصيحة إذن إلى المستشفى!.. وفي مركز السكري كانت فاجعة الخمسيني، لقد أُدخل غرفة العمليات بعد أن تقرر بتر جزء من قدمه!.

نصيحة للرياضيين

مدير مركز السكر والغدد الصماء في جدة الدكتور سعيد يولداش يقول: إن مرضى السكري الأكثر عرضة للبتر، خصوصاً المصابين بفقدان الإحساس بسبب ضعف الأعصاب الناتج من عدم انتظام مستوى سكر الدم، إذ ينتج البتر عن جرح بسيط بالقدم ويهمل علاجه، ليتسبب في حدوث التهاب حاد لا علاج له إلا الجراحة. ويحذر الدكتور يولداش الرياضيين المصابين بالسكري من إهمال الإصابات، فقد تصل جراحهم إلى غرف العمليات للبتر، والأمر كله يعتمد على نوع الإصابة ومستوى السكر والوعي بالخطر. ويبيّن أن ضعف تدفق الدورة الدموية للذراعين والساقين قد يتسبب في بتر عضو، والوقاية تكون بالمراجعة الدورية المنتظمة لطبيب السكر وأخصائي القدم السكرية، وإجراء الفحوصات السريرية؛ التي تفيد في الوقاية من ضعف تدفق الدورة الدموية.

ويشير يولداش إلى أن مصابي مرض السكرى والكلى، أكثر المرضى عرضة للإصابة بالمضاعفات التي قد تجبرهم على دخول غرف العمليات للخضوع للبتر في حال إهمالهم للإصابة، ووصولها إلى مرحلة متقدمة من المضاعفات التي تصعب السيطرة عليها إلا بالعملية الجراحية.

5000 حالة بتر

وحول كيفية حماية القدمين من الإصابة، خصوصاً لبعض مزاولي المهن التي أجبرتهم ظروف عملهم العمل في أماكن قد يتعرضون فيها لجروح أو خدوش في أقدامهم، يقول طبيب السكري يولداش: إن العناية بالقدم السكرية لها خطوات مهمة تبدأ بالأظافر وطريقة قصها دون حدوث نمو خاطئ، والعناية بجلد القدم والحفاظ عليها بمراهم خاصة وتجفيفها عند الوضوء ومعالجة الفطريات، أما الجروح فيجب معالجتها سريعاً بواسطة المختص والمتابعة الفورية والمستمرة للغيارات حتى يلتئم الجرح مع الحفاظ على مستويات السكر بالنطاق الطبيعي.

ويطرق مدير مركز السكري بجدة يولداش، أجراس الخطر لمرضى السكري: البتر يبدأ بإهمال لجرح بسيط يصل إلى مضاعفات، وإحدى الدراسات في 2017م، وجدت أن نسبة انتشار الإصابة بالقدم السكرية بالسعودية وصلت إلى 11.85%، وفي أحد الأبحاث وصل المجموع إلى 5000 حالة بتر سنوياً على افتراض نسبة الخطر 0.2% من المصابين بداء السكر في السعودية، ولا بد من العمل على الجانب العلاج الوقائي أولاً ثم العلاج الطبي لمنع الوصول لمرحلة المضاعفات، مشيراً إلى أن «مريض القدم السكرية يخضع قبل البتر إلى جلسات نفسية تهيئة لما بعد الخروج من غرفة العمليات وإعادة تأهيل المريض للمرحلة التالية».

في هذه الحالة.. غرفة العمليات الحل

استشارية طب الأسرة بمركز صحي الفضيلة التابع لمستشفى الملك عبدالعزيز الدكتورة إيمان القرشي، ترى أن بتر القدم السكرية إجراء جراحي تتم فيه إزالة جزء من القدم أو الساق بسبب تلف الأنسجة الناجم عن مرض السكري، ويمكن أن يكون البتر ضرورياً في الحالات التي لا يمكن فيها علاج العدوى أو القرحة في القدم ويكون ضرورياً إذا كانت القرحة في القدم شديدة ولم تستجب للعلاج الطبي، وإذا انتشرت العدوى إلى العظام أو الأنسجة العميقة وإذا كان هناك خطر كبير من فقدان الحياة أو الأطراف الأخرى. وعن أنواع البتر توضح: إنها أشكال عدة تختلف حسب مستوى القطع في الطرف المصاب؛ وتشمل بتر الأصابع؛ وتتم فيه إزالة واحد أو أكثر من أصابع القدم، وبتر القدم الجزئي؛ وتتم فيه إزالة جزء من القدم، بما في ذلك أصابع القدم والعظام والأنسجة الرخوة، وبتر القدم الكامل؛ بإزالة القدم بالكامل من الكاحل، وبتر الساق الجزئي؛ وتتم فيه إزالة جزء من الساق، بما في ذلك القدم والكاحل والعظام والأنسجة الرخوة، وأخيراً بتر الساق الكامل من الركبة.

نعم تحدث الوفاة

طبيبة الأسرة إيمان القرشي، تشير إلى العوامل التي تزيد من مخاطر بتر القدم السكرية؛ وتتمثل في ارتفاع مستويات السكر في الدم هي: ضعف الدورة الدموية، تلف الأعصاب، وجود تاريخ من تقرحات القدم، التدخين، السمنة ثم العمر.

وهل عمليات البتر تؤدي إلى الوفاة بعد سنوات من إجرائها؟ تجيب القرشي: نعم، لكن لها أسبابها، وتحدث في المنشأة الصحية غير المجهزة أو غير المؤهلة، وتنجم عن حالات الوفاة بسبب مضاعفات التخدير والعمليات الجراحية، إذ يمكن أن تؤدي إلى مشكلات طبية خطيرة؛ مثل العدوى أو النوبات القلبية أو السكتة الدماغية، كما تحدث بسبب العدوى من الطرف المصاب إلى باقي أجزاء الجسم، ما قد يؤدي إلى تسمم الدم أو الوفاة، وهناك مضاعفات ما بعد الجراحة؛ مثل الجلطات الدموية أو التهابات الجرح التي تؤدي إلى مشكلات طبية خطيرة، مثل فشل الأعضاء أو الوفاة.

وأشارت الطبيبة في مركز الفضيلة إلى أنه؛ وفقاً لدراسة أجريت 2022م، فإن معدل الوفيات بعد البتر بسبب مرض السكري هو 10% في السنة الأولى، و20% في السنة الخامسة.

هل تتضاعف الحالة ؟

وعن المضاعفات بعد البتر تجيب الدكتورة القرشي قائلة: صحيح في بعض الحالات يمكن أن يؤدي البتر إلى فقدان التوازن، ما يجعل من الصعب على المريض ممارسة الرياضة أو المشي. ويمكن أن يؤدي البتر إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري، وفي الوقت نفسه، يمكن أن يساعد البتر في إنقاذ حياة المريض في الحالات التي لا يمكن فيها علاج العدوى أو القرحة في القدم. كما يمكن أن يساعد البتر في تحسين نوعية حياة المريض عن طريق تخفيف الألم ومنع انتشار العدوى، لذلك، فإن قرار إجراء البتر صعب يجب اتخاذه بعد تقييم شامل لحالة المريض.

وحول كيف يحمي مريض السكري نفسه من البتر، قالت: من خلال العناية الجيدة بالقدمين، والتحكم في مستويات السكر في الدم، وفحص القدمين يومياً؛ بحثاً عن أي تقرحات أو علامات أخرى للعدوى، غسل القدمين يومياً بالماء والصابون، وتجفيفهما تماماً بعد الغسيل، استخدام مرطب للقدمين غير معطر، ارتداء أحذية مريحة ومناسبة لحجم القدمين، تجنُّب المشي حافي القدمين.

وتبين الطبيبة القرشي أن القرحة في القدم تكون بداية بسيطة، لكنها، وتحت أي ظرف، تزيد من خطر الإصابة نتيجة ارتفاع مستويات السكر في الدم، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تلف الأعصاب والأوعية الدموية في القدمين، ما يجعل من الصعب التئام الجروح، وضعف الدورة الدموية يمكن أن يؤدي إلى إبطاء الشفاء، وفقدان الإحساس المؤدي إلى تلف الأعصاب وفقدان الإحساس بالألم، ما قد يؤدي إلى عدم ملاحظة وجود قرحة أو جرح.

انتبه الجرح غير مؤلم

استشارية طب الأسرة القرشي، ترى أن القرحة في القدم قد تكون غير مؤلمة في البداية، ولا يعني ذلك أنها ليست خطيرة، فيمكن أن تتطور إلى عدوى، وتنتشر العدوى إلى العظام أو الأنسجة العميقة، ويؤدي ذلك إلى بتر القدم أو الساق، لذلك من المهم أن يقوم مرضى السكري بفحص أقدامهم يومياً؛ بحثاً عن أي تقرحات أو علامات أخرى للعدوى، فإذا وجد المريض قرحة في القدم عليه استشارة الطبيب على الفور.

وتزف القرشي البشرى للتخلص من البتر من خلال التحكم بمستويات السكر في الدم، وعلاج العدوى بالمضادات الحيوية وإزالة الأنسجة الميتة، واستخدام الضمادات المتقدمة في حماية القرحة من العدوى، والعلاج بالأكسجين عالي الضغط؛ الذي يساعد في تحسين تدفق الدم إلى المنطقة المصابة، وفي الحالات التي تكون فيها القرحة صغيرة وغير معقدة، من الممكن علاجها باستخدام العلاجات غير الجراحية.

متى تحدث الغرغرينا؟

أشارت وزارة الصحة إلى أن مشكلة القدم السكرية تحدث غالباً عند تلف أعصاب القدمين (اعتلال الأعصاب السكري)، وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي مرض السكري الذي لا يُدارُ بعناية إلى مضاعفات في القدم، ويزداد خطر الإصابة بمشكلات القدم إذا كان لدى المريض قرحة في القدم في الماضي، تلف في أعصاب القدمين، تشوهات في القدم، وضعف الدورة الدموية، موضحة أنه في الغالب تصيب القدمين والساقين أولاً، ثم يليهما اليدان والذراعان، مشيرة إلى أن تأثير داء السكري على القدمين يتمثل في فقدان الإحساس وتشوه القدم بتغير شكل القدمين وأصابع القدمين. وأوضحت أن تقرحات القدم تحدث غالباً في مقدمة الجهة السفلية من القدم أو باطن إبهام القدم، وتظهر التقرحات على جانبي القدم بسبب مقاس الحذاء غير المناسب، مؤكدة أن البتر يحدث في المراحل المتقدمة من التهاب القرحة (الغرغرينا) وهنا تكون الحاجة إلى بتر جزئي أو كامل.