كتاب ومقالات

لماذا لم تنقذ الأنفاق حماس؟

محمد الساعد

قبيل 7 أكتوبر كانت حماس وكل حواضنها الإسلاموية تراهن على فعالية الأنفاق المشيدة تحت غزة، متباهين كيف حولوا القطاع الضيق والصغير إلى طابقين وربما أكثر، وما يوجد تحت الأرض أكبر وأخطر بكثير من فوق الأرض، تصور الجميع أن حماس استطاعت تحويل تلك الكتل الأسمنتية لسلاح ردع في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية الهائلة.

على مدى سنوات من الهدنة بنت حماس أكثر من 500 كيلومتر جهّزتها بما تحتاجه كمنظمة سرية تعمل تحت الأرض، وهذه هي معضلة التنظيمات السرية التي لم تستطع الخروج أبداً من صندوق العمل السري وما يفرضه من أدبيات وإجراءات وأيديولوجيا.

مع كل دعايات الانتصار المزورة والفيديوهات المجتزأة والتحليلات التي لا تعدو أن تكون أمنيات على شاشات القنوات، يستيقظ خالد مشعل وإسماعيل هنية كل يوم في انتظار مكالمة من أحد الوسطاء الإقليميين أو الدوليين تخبرهم أن إسرائيل مستعدة لإيقاف حربها المدمرة على غزة، مكالمة يبدو أنها ستطول أو لن تأتي حتى تقضي تل أبيب على وجود حماس في القطاع.

معادلة عض الأصابع التي تتبعها حماس وإسرائيل، لن تنتصر فيها حماس لأنها بنتها على فكرة معركة لن تدوم أكثر من شهر، وأن عدد الضحايا وحجم الفيديوهات الافتراضية المنشورة كدعاية عن مأساة غزة هي من ستسقط الآلة العسكرية الإسرائيلية، بينما اجتازت إسرائيل حاجز الأيام الحرجة في التعاطف الدولي، وشكلت حرباً طويلة ستكون نسخة مشابهة لحرب أوكرانيا التي تمضي إلى سنتها الثالثة ولم تتوقف.

بيان الانتصار -الوهمي- الذي يتنافس مشعل وهنية على إلقائه لن يكون موجهاً للأحياء الموتى في غزة، بل للموتى في مقابرهم الجماعية، وللمبتورين والجرحى الذين يحتاج معظمهم لأطراف صناعية وتعويضية وسنوات من محاولة نسيان الآلام التي واجهوها مع أطفالهم وأحبتهم في الأشهر الأربعة المنصرمة.

في اليوم التالي لإيقاف الحرب -إن حصل- ستبحث غزة عن أكثر من خمسين مليار دولار على الأقل لبناء ما تدمر، وسيقف خالد مشعل وهنية والسنوار أمام دول الاعتدال طالبين منهم تسليمهم تلك الأموال ليتصرفوا بها لوحدهم، وحينها من يضمن أنها لن تذهب لبناء أنفاق عبثية أخرى لم تكن سوى سراديب احترقت فيها الأموال وتجمعت في أطرافها روائح الموت والبارود.

ومع ذلك يبقى السؤال الأهم والأخطر، لماذا لم تنقذ تلك الأنفاق حماس وغزة من بعدهم، وكيف أخفقت في إحداث توازن ولو بسيط على أرض المعركة، بالرغم من كل تلك الدعايات عنها -دعاية من الطرفين الإسرائيلي والحمساوي، وكل له أهدافه أمام جمهوره.

تذكرني أنفاق حماس بمعركة مطار بغداد 2003 التي تمنى الجميع أنها ستحول مجريات الحرب لصالح الجيش العراقي، لقد تصور العرب حينها أن صدام وجيشه يقومون بمناورات لاستدراج الجيش الأمريكي إلى الداخل وأنهم سيقطعون أوصاله على الطريق بين البصرة وبغداد، وأن لدى صدام أنفاقاً سرية تحت المطار سيستخدمها للانقضاض على الأمريكان.

سقطت أنفاق غزة كما سقطت في بغداد، ولم تتمكن من تقديم أي ميزة عسكرية، ومعها سقطت الأوهام والأمنيات، ولم يتبقَ إلا الوقائع والنتائج على الأرض والتاريخ الذي سيسجل الحقائق برغم حملات التضليل والتزوير، فالأنفاق تبنى لحماية المدنيين وليس المقاتلين.