كتاب ومقالات

علاج الهجرة غير الشرعية إلى السعودية

بشرى فيصل السباعي

تعاني السعودية -كما جميع الدول الثرية- من الهجرة غير الشرعية وما يتولَّد عنها من مشاكل أمنية واجتماعية واقتصادية، وما زالت كل الإجراءات والسياسات المحلية والدولية للتصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية غير مجدية في وقف طوفان المهاجرين غير الشرعيين، رغم أن تشديد الإجراءات الأمنية في جميع الدول رفع من نسب وفاة المهاجرين غير الشرعيين في طرق الهجرة، وأيضاً زاد من التكاليف المالية للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وحتى تعرض المهاجرين لأسوأ ما يمكن أن يحصل لبشر مثل الاستعباد والاتجار بالبشر والتعذيب والقتل لسرقة الأعضاء من قبل تجار الهجرة غير الشرعية لم يؤد لردع طوفان الهجرة، وهذا يبين مدى شدة سوء الأحوال في أوطان المهاجرين حتى يكون التعرُّض لكل تلك الأخطار والأهوال والاعتقال والموت أرحم من الواقع في أوطانهم. وحسب الاقتصادي الأمريكي البروفيسور Joseph Stiglitz الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد، وكان كبير اقتصاديي البنك الدولي ونائباً لرئيسه، ورئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس كلينتون، فالسياسات التي تفرضها المؤسسات الاقتصادية والنقدية الدولية على الدول الفقيرة هي سبب الهجرة غير الشرعية والثورات والحروب الأهلية وأعمال الشغب الواسعة؛ لأنها دائماً تكون على حساب المواطنين ولصالح رأس المال الأجنبي والقوى الدولية، ولذا تحول دوره من فرض تلك السياسات إلى معارضتها بعد أن رأى آثارها الكارثية التي دمرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للدول التي طبقتها، وعزا الاستمرار في فرضها رغم أن حتى الدول الثرية والصناعية تصلها أضرارها متمثلة في طوفان الهجرة غير الشرعية إلى ما أسماه (Market fundamentalism-العقيدة الأصولية للأسواق المالية)؛ أي أن القائمين على فرض تلك السياسات لديهم ما يشبه عقيدة إيمان غيبي بأنها الحل الطوباوي لكل المعضلات الاقتصادية والتنموية، بينما نتائجها السلبية على أرض الواقع تنفي صحة هذا الاعتقاد الغيبي بجدوى تلك السياسات الاقتصادية القاسية على الشعوب في حلِّ معضلاتها الاقتصادية والتنموية، ولذا الإجراء الأساسي الذي يمكن للدول الثرية والصناعية اتخاذه لعلاج معضلة الهجرة غير الشرعية إليها هو الضغط على المؤسسات الاقتصادية الدولية لتغيير السياسات التي تفرضها على الدول الفقيرة، وبدلاً عنها إقامة مشاريع تنموية تساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية للطبقات الفقيرة، وإعطاؤهم أملاً بإمكانية الحياة الكريمة في بلدانهم، ويمكن أن تقوم البلدان الثرية بإقامة مشاريع تنموية في بلدان الهجرة غير الشرعية لتوفر فرص عمل تغني الشباب عن الهجرة..

وعلى سبيل المثال فكرة إنسان واحد ساهمت في انتشال ملايين من الفقر ومنعهم من الهجرة وهي فكرة بنك يقرض الفقراء (بنك جرامين) للدكتور محمد يونس ويقرض حتى الشحاذين ليبدأوا عملاً تجارياً، وانتشرت فروعه في أنحاء العالم حتى وصل أمريكا، ونال عنه جائزة نوبل 2006. ويمكن أيضاً الاستفادة من تجربة الصين مع البلدان الفقيرة، حيث تقوم الصين بإقراضهم مقابل أن تنفق تلك الدول القروض بالتعاقد مع الشركات الصينية لإقامة المشاريع التنموية، بينما المؤسسات الاقتصادية والنقدية الدولية شروطها مقابل القروض تتمثل في رفع الدعم الاقتصادي الحكومي وخصخصة كل المؤسسات الحكومية؛ أي إلغاء مجانية الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والدعم الاجتماعي وتحميل المواطنين المزيد من الأعباء المالية المتمثلة في الضرائب والرسوم والغلاء؛ لأجل خدمة الديون الدولية؛ أي سداد الربا المتصاعد عليها، وهذا السبب الأساسي لإفقار الشعوب واضطرارهم إلى الهجرة، فليس من المنطقي استمرار ثلة الخبراء الاقتصاديين الغربيين الذين يعيشون في برج عاجٍ فرض سياسات تؤدي للثورات والإرهاب والحروب ومقتل عشرات الآلاف سنوياً بالهجرة غير الشرعية دون تدخل من حكومات الدول المتضررة لتصحيح نظريتهم الاقتصادية التي ثبت فشلها الكارثي.