تحقيقات

عمدة الحي..سيرة وانتهت؟!

الحواسيب أنهت حقبة «المركاز» وأختام «التعريف»

العمدة عبدالهادي المطيري.

إبراهيم العلوي (جدة) i_waleeed22@

شكل حضورهم في فترات سابقة علامة بارزة في المجتمع، تراهم على كراسي خشبية، تتوسط الأحياء السكنية، وفي مواقعهم المعروفة بـ(المركاز)، يعرفه كل سكان الحي. إنه (العمدة)، يشارك الجميع أفراحهم ويواسيهم في أحزانهم، ويدل على منازل المحتاجين للجمعيات الخيرية والخيرين، ويعلم عن كل سكان الحي صغيرهم وكبيرهم عند السؤال عنهم، يصلح بين ذا وذاك، أب للصغير وأخ للكبير، ومحامي عن الضعيف.

يظن الكثيرون، أن العمدة انتهى زمنه، ويرون أنه لم يعد غير جهة لاستكمال إجراءات مطلوبة، من تصديق وتعريف لمن يحتاج إليها، ومع ذلك الكثير بات لا يعرف مقراتهم ولا مواقع تواجدهم، ويؤكد آخرون أن الحاجة إليهم لا تزال ماسة وضرورية في ظل التغييرات التي تشهدها الأحياء، وما يقدمه العمد من خدمات وتعاون مع الأجهزة الأمنية لمحاربة الجريمة، وكشف مكامن الخلل في الأحياء، وقسم ثالث يطالب بعودة تفعيلهم كما كانوا في الماضي وأكثر، لا سيما مع توسع الأحياء والسكن فيها.

سجلاتكم.. عندنا

عمدة حي السلامة عبدالهادي المطيري، كشف عن المهمات الإدارية للعمدة؛ منها توقيع الوثائق والمشاهد لسكان الحي، وإصدار التعاريف وما يقع في حكمها، وتدوين ما يصدر عنه من وثائق في سجلات يمكن الرجوع إليها عند الحاجة، كما يتولى العمدة الاحتفاظ بسجلات سكان الحي والمقيمين منهم والمواطنين، كما يعرف منازل المحتاجين من السكان عند طلبها من الجمعيات الخيرية لتستدل عليهم سريعاً. وأضاف عمدة السلامة، أن هناك مهمات أخرى للعمد معرفة كل المواقع بداخل الحي وساكنية والتنسيق مع الجهات الأمنية المختلفة، للتعاون معهم في حال استدعى الأمر، والرفع للجهات المختلفة عن كل احتياجات الحي وإقامة علاقات مع الكثير من سكان الحي حتى يكونوا همزة وصل مع الآخرين.

وبين العمدة المطيري، أن بعض العمد خصصت لهم مكاتب داخل أقسام الشرط، وآخرون يمارسون مهماتهم من مكاتبهم المخصصة لهم والمجهزة بكافة الخدمات.

كل شيء إلكتروني !

ظافر محمد البيشي عمدة حي الجميزة بمكة المكرمة سابقاً، يرى أن العُمد حظوا بمكانة كبيرة في قلوب سكان الحي، وكانوا يلجؤون إليه عند حدوث مشكلات بينهم، ودوره الاجتماعي كبير من خلال الإصلاح بين المتخاصمين، والوقوف مع الأرامل واليتامى ومساعدتهم وتوفير جميع احتياجاتهم، وكانت مهمات العمدة سابقاً أكثر يسراً وسهولة، أما في الوقت الحالي فباتت شاقة جداً للزيادة الكبيرة في عدد السكان والتطور داخل الأحياء، بالإضافة إلى قلة التواصل بينهم فالجار لا يعرف جاره في المخططات السكنية الجديدة.

مضيفاً أن التقنيات الحديثة ساعدت العمد في أداء مهماتهم ومواكبة التطور الحديث بالاعتماد على الأجهزة الإلكترونية والحاسب الآلي في تقييد معلومات سكان الأحياء ومواقع سكنهم وجعلها أرشيفاً يتم الرجوع إليه عند الحاجة ويختصر الوقت والجهد وتصديق الأوراق اتلمطلوبة.

وزاد العمدة البيشي قائلاً: عدد سكان الأحياء في السابق كان قليلاً ويعرفهم العمدة جيداً، أما الآن تزايدت الأحياء وزاد عدد قاطنيها من مواطنين ومقيمين، وأغلبهم غير معروف لكثرة تنقله.

لا يخفى على الجميع

ألمح العمدة ظافر البيشي، أن من مهمات العمدة الاهتمام بالأمور والمسائل المتعلقة بالأمن وما يقع في دائرة اختصاصه من حوادث وجرائم وتصرفات مشبوهة وتبليغ الجهة المختصة بها فوراً وتقديم كل ما من شأنه تسهيل مهمة رجال الأمن والمحققين، كما يقوم العمدة بتقديم المساعدة اللازمة للموظفين الموفدين في مهمات رسمية وتنفيذ ما يكلفون به من أوامر كأوراق الإحضار والتبليغ ونحوها، كما لا يخفى على الجميع اهتمام الدولة بتطوير الأداء الوظيفي والحكومي في جميع المجالات، وذلك بإدخال خدمات التقنية المتقدمة في جميع القطاعات الحكومية، ما ساهم في اختصار كثير من الأعمال الروتينية السابقة في جميع المجالات والقطاعات، وعمل العمد جزء لا يتجزأ من هذا التطور.

40 ريالاً لكل عمدة

كشف الباحث في التاريخ العربي والإسلامي الدكتور عبد الله المنيف، عن وثيقة نادرة عثر عليها، تؤرخ لبداية نظام العمد في مدينة الرياض 1367هـ، في عهد الملك عبدالعزيز، وتم تشكيل لجان في إمارة الرياض تقوم بجولة تحدد فيها الحارات بغرض حصرها ومعرفتها، ثم تقديم ما تحتاج إليه من خدمات، وتلمس ما بها من نقص وجوانب تحتاج إلى تطوير، وعهد إلى رئيس بلدية الرياض في حينه أن يقسم مدينة الرياض إلى مناطق والمناطق إلى حارات، ومن ثم ترشيح جملة من الأسماء يمكن أن يُوكَلَ إليهم العمل عمداً لتلك الحارات، لما لأهمية دور العمد في ذلك الوقت في عملية التطوير، خصوصاً أن نظام العُمد معروف في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، حيث كان دورهم هناك لا يُجهَل.

وبيّن المنيف، صدور نظام العمد في عهد الملك عبدالعزيز، إذ تمت المصادقة عليه في (19/‏‏‏ 06/‏‏‏ 1346هــ)، وتم نشره في جريدة أم القرى، وهو نظام قسم إلى ثلاثة محاور: الأول: عن وظائف العمد ومعاونيهم، الثاني: عن المجالس المحلية، الثالث: الحرس، وأوضح أنه تم اقتراح إجراء راتب شهري للعمد بواقع 40 ريالاً، لتُعِينهم على ما يقومون به، والوصول إلى عدد العمد المستحقين للرواتب، الذين بلغ عددهم 56 عمدة في ذلك الوقت.

مساحة تقدير واسعة

الخبير الأمني اللواء متقاعد مسفر الجعيد، أكد أن العمدة عُرف بأنه رجل أمن وإدارة واختصاصي اجتماعي؛ كونه منهم، يحظى غالباً بين الأهالي بمساحة تقدير رفيعة، واشتهر كثيراً في محافظة جدة، والطائف، ومنطقة مكة المكرمة، ويقوم العمدة بمهمات إنسانية واجتماعية، وأداء الكثير من الواجبات والمهمات الأمنية والإدارية الأخرى؛ إذ يتولى فض المنازعات، وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين في الحي، وإصلاح ذات البين، ثم معالجة الخلافات الأسرية، فضلاً عن واجبه بتلمس احتياجات الأهالي الحيوية، ورفعها، ثم متابعتها لدى جهات الاختصاص، بجانب ما يُعهد إليه من قضايا أمنية ومعاملات إجرائية من قِبل مرجعه، والشفاعة الحسنة، وحل المشكلات الأسرية داخل الأحياء؛ لأن العمد لديهم الخبرة والدراية التي تمكنهم من حل العديد من المشكلات الأسرية.

ختم الأوراق فقط !

يؤكد محمد العمري أحد سكان حي الرحاب بجدة، أن دور العمدة تضاءل كثيراً ولم نعد نشاهد لهم مقرات أو مركازاً كالسابق رغم أهمية دوره، ويشير إلى أن غياب دور العمدة قد يعود سببه إلى العمدة نفسه فمنهم من أساء فهم دور العمدة.. وكانت للأسف نظرتهم القاصرة تنحصر بأن دور العمدة لا يتجاوز حمل ختم «العمودية» في الجيب على مدار الساعة.. والتصديق على أي تعريف فقط؛ ما جعل أدوارهم قاصرة في هذا الأمر، فمهماته تتلخص في التعريف بالساكن ومقر سكنه والمصادقة على بعض الأوراق الرسمية وأدوار التعريف بمقر السكن، والإبلاغ عن بعض الملحوظات الأمنية الخاصة بالحي نفسه.

و يؤكد العمري أن كثيراً من المواطنين يرون أن هناك غياباً لدور العمد في أحيائهم السكنية، ومن وجهة نظرهم أنّ دورهم بات دوراً تشريفياً، وغالباً لا يكونون معروفين لدى سكان الحي، ولا يتم السؤال عنهم إلاّ عند الحاجة إلى تعريف وتصديق بعض الوثائق الرسمية، مما يجعلنا نتساءل عن واقع دورهم الحقيقي.

ادعموهم بالسيارات

يقول أحمد العلي من سكان حي النسيم بجدة، إن من أبرز مهمات العمدة والتي كنا نشاهدها سابقاً التعريف بالمستحقين والفقراء للجهات الخيرية ومد يد العون لهم ومحاربة المخالفين لنظام الإقامة والتبليغ عنهم ورصد مواقع تواجدهم وسكنهم. ويدعو العلي إلى ضرورة تطوير دور العمد بدعمهم من خلال دورات وتقنيات وتفعيل دورهم بالتعاون مع اللجان الاجتماعية والجهات الخيرية والمراكز الثقافية والدوائر الحكومية، وإيجاد الكفاءات والخبرات في مساندتهم والتشديد على قيامهم بجولات داخل أحيائهم للتعرف على سكانه مع جعل مواقعهم نشطة على مدار الساعة، وهذا يعزز ضرورة توفير مساعدين له يتواجدون على مدار الساعة ويتواجدون داخل الأحياء لأداء أدوار أمنية وخدمية.

أدوارهم لم تعد واضحة

عبدالمحسن السلمي أحد سكان حي الربوة، يقول: نسجل غياباً تاماً لمهمة العمدة في الأحياء وانحصر دورهم في تصديق الأوراق فقط، فيما كانوا -سابقاً- يتواجدون عبر مركاز داخل الأحياء يعرفه جميع سكان الحي، وفيه يلتقون، ومن خلاله يتم التواصل مع كافة الجهات بهدف اكتمال منظومة الخدمات في الحي.

من جانبه يشير محمد الشهري إلى أن أدوار العمد لم تعد واضحة بعد أن حصروا أنفسهم في مهمة تصديق الأوراق ولم يعودوا صوتاً لأحد، ولم يعد العمدة يعرف سكان الحي المسؤول عنه ولا يعرف عن السكان الجدد لتكون لديه المعلومة الصحيحة بالشكل المطلوب، ولا شك أن هذه التحديات وما يصاحبها من توسع في الأحياء السكنية وقلة التواصل بين الجيران يضاعف من مسؤولية عمد الأحياء؛ وذلك لمكانتهم الحساسة والمهمة داخل الحي، إذ من المفترض أن يكونوا على دراية تامة بالسكان، والتقصي عنهم، والانتباه لكل ما يلفت النظر ويثير الشبهة.

لا عمدة أقل من «30»

يشترط في العمدة أن يكون سعودياً وألا يقل عمره عن 30 عاماً وأن يكون من سكان الحي ومقيماً فيه بصورة مستمرة لمدة لا تقل عن خمس سنوات قبل الاختيار ومن العارفين بأحوال السكان فيه، على أن تستمر إقامته فيه طيلة شغل الوظيفة، وألا يكون قد سبق الحكم عليه بحد شرعي أو بالسجن في جريمة مخله بالشرف أو الأمانة، وأن لا يكون قد سبق فصله تأديبياً من وظيفة عمدة أو وظيفة عامة أخرى وأن يكون لائقاً طبياً، ومن الشروط أن يكون حسن السيرة والسلوك ومن ذوي الأخلاق الفاضلة والمشهود لهم بالأمانة والاستقامة وحسن الخلق، وأن تتوفر لديه شروط الوظيفة وأن يكون المؤهل الأدنى لشغل الوظيفة (الثانوية العامة + خبره تعادل المرتبة).