كتاب ومقالات

التقنية الحيوية واستهداف بطالة المناطق الزراعية

عبداللطيف الضويحي

يسود الفهم الخاطئ بعض الأوساط المحلية من الشباب حول مفهوم التحول والتغيير والتحديث الذي تشهده العديد من القطاعات الجوهرية في المملكة ومقاصده وغاياته، ما جعل هذا الفهم أو سوء الفهم يتسبب بحرمان أولئك الشباب والمناطق الزراعية على وجه التحديد من قطف ثمار الكثير من المبادرات التي تشهدها بلادنا، والفرص الواعدة بين جنباتها أو تأخيرها. فالتحول والتحديث لا يعني أبداً أن تترك ما في يدك من حرفة أو مهنة إلى حرفة أو مهنة أخرى. هناك حاجة لكل مهنة ولكل حرفة وكل صناعة ما دامت قابلة للاستدامة.

هناك مفهوم خاطئ للتحول تسبب بعزوف بعض المزارعين وأصحاب المجال الزراعي عن الاستثمار الزراعي؛ لأسباب يتحملها في ظني أطراف عدة:

1- غياب أو سوء التخطيط في المجتمعات والمناطق الزراعية استناداً لمعطيات وموارد تلك المجتمعات والمناطق.

2- فقر المجتمعات الريفية والزراعية لقيادات التغيير الفاعلة والممكنة، وافتقار الموجود منهم لأدوات التغيير.

3- غياب أو محدودية المرجعيات الاستثمارية الاحترافية في المناطق، ومحدودية تأثيرها نتيجة لربطها بجهاز بيروقراطي مثل أمانة المنطقة.

4- فشل الجامعات في تبوُّءِ مكانتها الطبيعية كمنصة لاستنبات الأفكار وحضانة الابتكار وتجسير كل ذلك مع أدوات استثمار مرجعية ومحترفة وفاعلة في المنطقة، وهذا (في تصوري) امتداد طبيعي لفشل جامعات المناطق في إيجاد هوية اقتصادية لها كجزء من فشل بعض المناطق الإدارية بإيجاد وتطوير هوية اقتصادية للمنطقة بمشاركة وربما بقيادة الجامعة. وأحيلكم هنا إلى مقالة سابقة: (13 منطقة إدارية و13 هوية اقتصادية) في جريدة «عكاظ» الثلاثاء 29 يونيو 2021.

5- تأثير الموجة أو (الموضة) السائدة والمرتبطة مباشرة بمرجعيات منصات التواصل الاجتماعي، التي لا ترى ولا تتبنى أو تروج إلا لاستثمارات بعينها؛ وفقاً لما هو رائج في المدن الكبرى والثقافة السائدة في المدن الكبرى، الذي لا يخدم البتة المجتمعات والمدن الريفية والزراعية.

إن إطلاق سمو ولي العهد للإستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية كفيل بالنهوض بالاستثمار الزراعي والمجال الزراعي والمجتمعات الزراعية والمناطق الإدارية الزراعية وإعادة الأمور إلى نصابها، وهذا منوط بفاعلية وتفاعل المكاتب الإستراتيجية لتطوير المناطق وتفعيل دور جامعات المناطق في هذا الصدد مع المرجعيات الاستثمارية والأدوات الاستثمارية المعنية في كل منطقة زراعية. أحيلكم لمقال (الصحوة الزراعية) في جريدة «عكاظ» 30 مايو 2022.

تقوم الإستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية على مرتكزات أساسية بينها توطين إنتاج وصناعة اللقاحات وريادة الابتكار في هذا المجال، إلى جانب التصنيع الحيوي للأدوية، والريادة في مجال أبحاث علوم الجينوم والعلاجات الجينية، وتحسين زراعة النباتات بما يكفل الاكتفاء الذاتي وتطوير الابتكار في مجال البذور. هذه المجالات وما يتفرع عنها من صناعات وسلاسل ابتكارات واستثمارات وفرص كبيرة ذات إسهام كبير في مجال الغذاء والدواء واللقاحات والعلاجات، إلى جانب إسهامها الكبير بما تتيحه من مجالات وفرص عمل للكثير من المناطق المرتفعة البطالة فيها، شريطة أن تتفاعل وتتحرك الأجهزة المعنية بالزراعة والاستثمار الزراعي والجامعات في المناطق الإدارية ذات الاقتصاد الزراعي؛ مثل الجوف وحائل وجازان ونجران وغيرها. إن تفعيل هذه الإستراتيجية الوطنية في مجال التقنية الحيوية كفيل بإيجاد فرص استثمارية كبيرة وخلق فرص عمل مهولة، شريطة أن تكون المناطق الزراعية موئلاً وحاضنة للشركات الاستثمارية التي ستستثمر في هذا المجال الكبير، الذي لا يستهدف بإنتاجه السوق المحلي، بل الأسواق الإقليمية والعالمية، إلى جانب الفرص اللوجستية والنقل الأخرى المترتبة عليها.

هناك دائماً عربة وهناك دائما حصان بحاجة لمن يربطهما ببعض. في كل مجتمع من مجتمعاتنا هناك عربات وخيول بحاجة لمن يربط الحصان المناسب بالعربة المناسبة، والتقنية الحيوية في تصوري أنها الاستثمار المناسب في المناطق الزراعية. أما التحول والتغيير المطلوب فيما تشهده المملكة من تحولات وتغيرات في العديد من المجالات فهو تحديث الوسائل والأساليب لكل مهنة ولكل حرفة؛ وفقاً لمفاهيم السوق المعاصر ومعطيات الإنتاج والتسويق الحالية، وليس بالضرورة أن يتحول المستثمر الزراعي إلى مستثمر في مجال آخر، أو أن تتحول من مهنة وحرفة إلى مهنة وحرفة أخرى نتيجة لفهم خاطئ، الذي قد تتحمله أطراف غير صاحب هذا الفهم الخاطئ.