كتاب ومقالات

الاستعدادات المنسية للمناسبات الدينية

بشرى فيصل السباعي

من أسوأ ما يمكن أن يصيب أي أمة أن تفقد مناسباتها الدينية جوهرها وروحها وتصبح مجرد عادات ومناسبات اجتماعية واستهلاكية، وعلى سبيل المثال صلاة الاستسقاء كان الناس يستعدون لها بتأدية الحقوق ورد المظالم وإصلاح ذات البين وتصفية القلوب وإزالة الشحناء والإحسان للمحتاجين، لأنه ذكر في القرآن والحديث النبوي أن الرزق يحبس بسبب أعمال العباد السلبية ولذا لرفع هذا الحبس يجب أن يصلح الناس أنفسهم وأعمالهم، وبالمثل رمضان الذي يفترض أن يكون الإعداد له بمثيل الاستعداد لصلاة الاستسقاء أي بتأدية الحقوق وإصلاح ذات البين وتصفية القلوب وإزالة الشحناء والإحسان للمحتاجين، ولذا في ليلة النصف من شعبان ورد في الحديث النبوي «إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن – الشحناء البغضاء والعدوانية» ابن ماجة. وروى الطبراني والبيهقي: «ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه». فأحوال الإنسان السلبية تمنع عنه الخير الاستثنائي الذي يكون في المناسبات الدينية، لكن للأسف الناس تقتصر استعداداتهم لرمضان على الشراء المفرط للمواد الغذائية والأمور الاستهلاكية اللازمة للنشاطات الاجتماعية الزائدة في رمضان، ولذا لا نرى تغيراً للأفضل في الناس في المناسبات الدينية وما بعدها مع أن الأصل أنها أشبه بدورات مكثفة لغاية إصلاح النفس وتدريبها على الالتزام بالمثاليات العليا، قال عليه الصلاة والسلام: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو -الكلام اللاواعي وغير المنضبط بالمثاليات العليا- والرفث- الفحش- فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم) ابن حبان والحاكم، (من لم يدع قول الزور- ما يخالف الصدق والحق- والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) البخاري. فالتدريب على ضبط نزعات النفس وإلزامها المثاليات العليا هي الغاية من الصيام وبدون تحقيق تلك الغاية لا قيمة لصيام الإنسان، لذا الفاسدون مالياً الذين يودون التوبة فالتوبة لا تقبل منهم حتى يكفروا عنها بشكل عملي برد الحقوق المالية، وبات هذا متاحاً عبر حساب إبراء الذمة الحكومي رقم SA2680000126608010510005 لدى مصرف الراجحي، أما الحقوق العينية كالأراضي والعقارات فتنقل ملكيتها باسم بنك التنمية الاجتماعية، وإجمالي المبالغ المودعة في حساب إبراء الذمة من تاريخ فتح الحساب في 20/‏02/‏2006م وحتى نهاية 31/‏01/‏2019: (375.333.387) ريال. روى البخاري؛ لما قتل رجل اسمه «مدعم» كان يخدم النبي عليه الصلاة والسلام في عودتهم من غزوة خيبر «فقال الناس هنيئاً له الشهادة، فقال النبي: كلا، والذي نفس محمد بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً». فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي بشراك -شريط النعل- أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال النبي: (شراك، أو شراكان من نار)، البخاري. وبالصحيح (يغفر للشهيد كل شيء إلا الدَّيْن)، قال النووي «شرح صحيح مسلم ج13/‏ص29» قوله «إلا الدين» فيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله. فالعبادات لا تكفر حقوق الناس، ويبقى الجاني فيها تحت رحمة أصحاب الحق فبالصحيح (المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته.. أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار). ولذا يجب أن تصبح الدعوة للاستعداد للمناسبات الدينية بإرجاع الحقوق وإصلاح الإنسان لأعماله ومعاملاته سائدة بمواضيع خطب الجمعة.