كتاب ومقالات

شهر عسل الغرب والإسلام السياسي

علي بن محمد الرباعي

من أندر اتفاقيات الشراكة، ما سمعته من شاب أعمال، تشارك مع أبيه، وكان الأبُ هو الممول المالي، فاشترط على ابنه في عقد الشراكة، إن نجح المشروع، وحقق أرباحاً فهو بينهما، وإن أخفق وخسر، فيتحمل الابن بمفرده الخسارة.

يرجّح البعض عودة (جماعات الإرهاب) إلى المشهد الإعلامي، ولا يمكن عقلاً ولا واقعاً، استبعاد فرضية، إعادة خلق الظاهرة، الأكثر جدلاً وتأثيراً، في وجدان وذاكرة البشرية، إذا ما رغبت قوى مهيمنة في استنباتها، بحكم توفر التربة، وبقاء بعض الجذور تحت الأرض، ولعدم استفادة البعض من تاريخ يكرر نفسه.

وتؤكد إحدى نظريات الدهاء، على أن (ما كان سهل الإحياء والتوظيف، فهو سهل الإفناء والنسف)، وليس العداء في السياسة مطلباً حتمياً، ولا الصفاء حاجة دائمة، فالسياسة مصالح، والمصالح مكائد، ودسائس، ومؤامرات تستدعي تغيير الموقف والموقع. والفعل السياسي يُدار تحت الطاولة، ولا يدور فوقها كما نظن أو نتوهّم.

ومن يطلب (بالمُطلق) أخلاقاً في السياسة، كمن يكُلّف الأشياء ضد طباعها، كون الثابت الوحيد فيها هو المُتغيّر، ولذا تتعذر محاكمة (زئبقيتها) وستغدو الأخلاق (نسبية) بحكم مكان وزمان وأثر كل حدث من أحداثها، وإذا كان (الظُّلمُ من شِيَم النفوس) كما قال شاعرنا العربي، فإنه يتجلى في ممارسات بعض الساسة، الطامحين للسطوة، والنفوذ، والهيمنة، واقتناص الفرص وتحقيق المكاسب.

ولأنّ الغرب (خِبرة) في اللعب السياسي، فإنه يعشق اللعب خارج ملعبه، وبعيداً عن جماهيره، فإن انتصر أبلغهم بالانتصار ليحتفلوا معه، وإن خسر بلعها وعتّم عليها، وهو يقبل كما نقول في المثل (خنقة في السّر، ولا لطمة في علن) ولن يدين نفسه يوماً، بأنه سبب في ظهور جماعات الإسلام السياسي، وإن احتضنها، ما دام أنه لن يدفع إلا اليسير من ضريبة وجودها وعبثها، وإن وسّع لها ميدان ومساحة التحرك، ووفّر لوازم النزال.

ومن أعجب، وأغرب، ما ورد في كتابات الغرب، عن الإسلام السياسي (تبريره لظهوره) وتحميل المجتمعات والحكومات العربية، مسؤولية نشوء الجماعات الإرهابية، إما بسبب التدجين بالأفكار الحادة، أو لعدم معالجة الفقر، أو لضعف التنمية، أو غياب الحريات، أو لتعطيلها برامج المجتمع المدني.

هذا التعاطف الغربي مع هكذا جماعات، يلفت الانتباه، ويثير الشكوك، فالغرب الذي هو في الذهن الجمعي، منطلق الليبرالية، والمبشّر بالعلمانية، يتعاطف مع فئات تتبنى عكس ما يبشّر به، بل وتصفه بالعدو الأكبر، وتنادي بالموت له، وإذا كانت الرصاصة، أو القنبلة، سابقاً تسببت في حروب عالمية، فإن الفكرة اليوم فاعلة في خلق أزمات وصراعات.

مؤكد أن العالم مليء بالجماعات الدينية، أو العقائدية، إلا أن الغرب لا يركز اهتمامه وإعلامه إلا على الظواهر الناشئة في حاضنة إسلامية، ولعله بحكم الدُربة يعرف روح وتكوين هكذا جماعات، ما يسهّل عليه استثمارها ودفعها لخدمة فكرته ومصلحته، من خلال دعمها، إلى حدّ أو مستوى، أو زمن ما، ثم يعلن خلاصه أو تخلصه منها علناً.

ومما يؤكد سذاجة (الإسلام الحركي) أنه يكره الغرب، عقيدةً، وينادي بحرمة موالاته، ويهدد بإقلاق راحته، ومع ذلك يتحالف معه، ويعوّل عليه، والغرب مرّ بتاريخ أسود، زاخر بأحداث مأساوية، تولته في مراحل تخلّفه، وسببتها الدوغمائية، وعندما اكتشف أسقامه، باشر علاجها، وتعافى منها، وتحقق له مكسب دولة الحداثة والمدنية، وهو طامح للاحتفاظ بمكتسباته، وما عليه من إتعاب وإرهاق دول ومجتمعات، بأخطر أداة، وأعقد سلاح، هو منها وليس منها.

في حوار (بودكاستي) كشف مستشار الأمن القومي السوداني السابق «الفاتح عروة» جانباً من دراما أمريكية سودانية، خلال مشاورات حول ملف (بن لادن)، فالفاتح كان مُقرّباً من سدة الرئاسة السودانية، ويؤكد أنهم عرضوا على الأمريكان تسليمهم (بن لادن)، فرفضوا، وقالوا: أخرجوه إلى أفغانستان أو الصومال، فنُقِل (بن لادن) بطائرة رئاسية من الخرطوم إلى أفغانستان، تحت سمع وبصر أجهزة العم سام.

والحوار الآخر كان مع زوجات وبنات (البغدادي) زعيم داعش، الذي اعتقله الجيش الأمريكي، وأدخله السجن معلماً، وأطلقه يحمل منصب (خليفة)، وفي ظني أن الغرب بدا وكأنه يستخفّ بتاريخ المسلمين عبر تشويه مصطلح (الخلافة) على أيدي سذج ومغفلين، ويبرز للعالم أسوأ الانتهاكات التي يرتكبها بعض المنتمين لخاتم الرسالات السماوية.

ما يُبّث وما بُثّ من حلقات ووثائقيات، تتضمن رسائل تحذيرية لكل شاب مسلّم، وعربي، ولكل إنسان سويّ، كي لا يسلّم نفسه لأجهزة لا ترقب فيه إلّاً ولا ذمة، وترهن قدراته لشعارات ليس لها من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، فيهدرون طاقاتهم، ويحولونها وقوداً لبؤر الدمار، دون إدراك أنهم أدوات في أيدي أجهزة مخابرات، تحيلهم لما يشبه كاسحات تفجير الألغام، وكان الأولى بهم ولهم الاحتفاظ بمكانهم ومكانتهم في أوطانهم.

للقوى الكبرى مناوراتها، وازدواجية خطابها السياسي، ولا مانع لديها من الاقتران بقبيح طالما وراءه منفعة، وشهر العسل يمكن أن يدوم لأيام أو أسابيع أو شهور أو لأعوام، إلا أنه من الصعب استمراره، لأن الكرت الذي يعرّض نفسه للسوم في السوق، ويتم التحريج عليه، قابل للحرق.