ثور المعنفص تقرفص
الخميس / 27 / شعبان / 1445 هـ الجمعة 08 مارس 2024 00:06
علي بن محمد الرباعي
بسط الحيّر، رداءه الشفيف، على وادي القرية، وتوارى وجه الشمس، وراء الغيوم الداكنة؛ فغدا أشبه بخدود العذراء الخجول، يغيب منها، أكثر من الذي يبان، وتعالى صياح الديكة جوّابا السيح، وكأنها تتبادل رسائل مشفّرة، والجدة (ماحية) الوحيدة؛ ممددة سيقانها نحو الشرق، تستغفر وتسبح ليقينها أن الديك يشوف ملائكة الرحمن يمرون على كل باب يقسمون الأرزاق، قالت في نفسها ليت ربي يقسم لي ابن حلال، فنهق الحمار، فعلّقت؛ حضر إبليس والملائكة ما بعد عرجت؛ وانفرجت براطمها اليابسة عن نابين هما الوحيدان المقاومان صلافة السنين.
تزوجت عشرة، وانقرضوا، دون أن تنجب، إذا تذكرت مآسيهم قالت محاهم أبو خيمة زرقا؛ وتقصّد (ما عاد بتلقى يا سريري مزعزع؛ ماتوا مطاليق القرى وافنى الهيالة، ولا يدوم إلا الذي دام).
ما تزال الأبواب مؤصدة؛ تنتظر دفئاً يزيل الصردة من زمهرير الليل الفائتة، والشابيك ملحّجة على غارقين في بحر الأحلام؛ لم تتعجل ربات البيوت فتحها، خشيةً على فلذات الأكباد من قرّة أواخر الشتاء، فيما استبشر كبار السنّ بعودة الهدهد من تهامة، ما يؤذن بقدوم الفيحة.
تولّج المشفين؛ حلال؛ (المعنفص) وما حد منهم يسمي بالرحمن، طلب من العريفة؛ يوصي الفقيه؛ يقرأ لهم خطبة عن الحسد، فطمنه؛ وقال ما يجيك إلا ما يجي رقبتي، ولم يطمئن، فترجّى الفقيه، قال له والله ما يجيك إلا ما يجي حفف عيوني، وبين يوم وليلة تعقلت قدمي زوجته، وتعطل نشاط البيت والوادي.
تنشّد ولقي له (عطوي شاقي) يرعى الغنم بطنه بظهره، وحلّ (ضمّاد العطوي) في بيت المعنفص، وما حلّ معه خير، تعلّق في بنت المذرّع القادم من هتيمة؛ فنزع الرصد؛ وكان أوّل مستقبل للنهار الجديد، خرج من السافلة، والمصنف على رأسه، ولأنه حديث عهد بالزواج؛ ولم يمضِ أسبوع على عرسه، تمغّط؛ حتى طقطقت عظامه؛ واستدار يميناً ويساراً، وغلبه التثاؤب، وقبل ما ينطق؛ بعذ بالله من الشيطان؛ دخل في حلقه همجة، فسمعه عمه (المعنفص) يهوع، ففتح البداية، وأبدى رأسه؛ وقال من بات دافي يصبح متعافي يا ضماد، ردّ عليه بصوت متحشرج؛ صادق يا عمّ، والله يا (ضمادة) إنها تدفي أكثر من بطانية أبو سعفة، فضحك وقال؛ ما يدفّي إلا المشفي من المتشفّي، فعلّق ضماد؛ ليتك زوّجتني في الصيف، ما معي حيلة أنفض الجنابة، فقال؛ إذا سرحت فالغُدران نعمة، وإلا انفضها رأس البئر؛ الرجاعة عمّت الجديّة والبديّة.
نزل (المعنفص) يتفقد الغنم قبل ما تسرح، وإذا بفحل الغنم متشحط وما في عينه قُطرة؛ فوضع يده على رأسه؛ وطلب من ضماد يحمله في خيش؛ ويرميه في المقلّع؛ وقال عوّد عليّه قوام؛ حدوا الغنم من طرف المسراب، وسأله؛ بتسرّح البهم مع أمهاته؛ فجاوبه؛ ايوه عاد يقرِم؛ فطلبه ينادي (ضمادة) لتناوله الشمالة؛ ليشملون ضروع الضأن كي لا يتولجها البهم في الوادي، شمّلوا ثلاث شياه وعنزين، ولاحظ التيس الحزين على الخروف يتحمى ويتراجع وده يناطحه؛ فتناول سهم الدارجة؛ فنكس رأسه.
أوصاه يدرّجها في المساطح؛ لين تحمى الشمس؛ ويخفّ الطلّ؛ حتى لا يضربها العتريس، وأقبلت (ضمادة) تتبازى؛ ولاحظ العمّ أن مشيتها مشتولة، فبدع؛
سلام يا الحدّ السنين
اللي يشوّق مضربه.
التفتت نصف التفاتة، نحو (ضماد) وردت طرف شرشفها على فمها المتبسم خِلقة، وناولته القماش المخصص للضروع.
تجمعت الكلاب في المقلع، ومن نباحها فزع (قيفان) من نومه؛ وبدأ يروي لأمه حلماً شافه في منامه، علّقت الأم لا تتكذّب في الحلم، ترى يوم القيامة تخليك الملائكة تعقد حبتين شعير وتعجز، فيحطونك في جهنم! فرفع بصره لوجه أمه، وسألها؛ ذلحين الملائكة بتخلي اللي يتكذبون وهم صاحين، ويستقعدون لي أنا ضعيف ربي؛ عشان تكذبت في نومي، فمدت كفها على خنافره؛ مرددة؛ الله لا يسخطنا يا ولد المعنفص، استغفر ربك، وإذا بـ(قيفانة) تكشف البطانية عن وجهها، وتقول لأمها حتى آنا شفت الحلم اللي شافه آخي قيفان، فقالت الأم؛ ها هيا بيضيعون نهاري بالأحلام؛ ورددت؛ (يا حيّ قيفانة وقيفان؛ لا عاد فوق الصاج قرصان).
كانت (أم قيفان) مضرب مثل في العيشة والعريشة، وحسنة خلقة وأخلاق؛ وريحة بخورها تفنك المساريب، فيما دم زوجها (المعنفص) فاير؛ وحقّ قباحة، وإذا ما لقي من يتقابح معه، تقابح مع نفسه، والجماعة يدورون له الزلّة ليعزرونه؛ وهو حذر؛ اعتزى بقيفان يسرح بالثور، يسقيه؛ ويملّح له؛ ولقيه الفقيه في الخنقة؛ فأعجبه سنام الثور المتمايل بالشحم، واعطاه ما خطّاه؛ ولأن الدربان والوديان طين، وحبل الثور ملوي على ذراع قيفان؛ وقعت عينه على الجرادة؛ والقفيصة؛ والعيسية المتسلسة في عثربة البير، فأراد تنفيرها وهشها بذيل عمامته؛ فخرع الثور وطحست كرعانه؛ وتدلّت رقبته في الماء؛ وصاح الصايح، فالتف أهل القرية؛ اللي بمسحاته؛ واللي بالعطيف، طلب العريفة من المأذن خشبتين يسندون بها جنب الثور المفنقص، وكلّف الفقيه يتحسس نسمته، فصاح الفقيه؛ الشفرة؛ الشفرة؛ غمز الشاعر العريفة، قائلاً؛ الفقيه يشتي المرقة، علّق العريفة (رأس البصل خير من رأس على غير شيمه).
سحبوا الثور إلى تحت السدرة، وسلخوه، وعلّقوه وما أمداهم سدّوه؛ حتى قال ربي؛ سمّوا بالرحمن، وما راحوا باللحم في القشابي إلا وهي تقطر من ماي المطر المختلط بدم الثور؛ وحلف الشاعر على العريفة ما يتعشى إلا معه، وشبّت زوجة الشاعر عيدان عُشر، فدخّنت؛ فبدع العريفة؛ (والشرّ ما حد يحبه من العرب منكد اسمه، فردّ الشاعر ؛ وبعد نجي عندكم يبغي لنا منك دسمه) فتحسست زوجة الشاعر من القصيد، وحلفت ما يقسم لها العشا؛ فقال العريفة؛ يمين ودين ما يندر في بطني إلا وركبتك في ركبة شاعرنا؛ قالت؛ تحسبوني ما فهمت مغزى قصايدكم؛ تنقدوني وتقولون عني نكدة، فقال الشاعر؛ انحن نقصد وأنتي تاهبين للقصايد معاني.
سرى قيفان وقيفانة يتشوون الجراد المنظوم في عود سوسي أخضر، وأبو قيفان متشاءم من ضماد وضمادة، نظر لزوجته نظرة حادة؛ وقال؛ ضريتي بالكفيّة، والله ما عاد يقسم لضماد وضمادة عيش معنا، بنسد في نفوسنا، فأرادت تستمهله، فقال؛ لا تحسبين نفسك من المقرن، ترى أبوك سُكني وأمك جنيّه، قالت الله واليها يا أبوك وأمك ما ضريوا إلا بالتشكاد؛ فحداها بمحراك المجرفة، وصافت عنه إلا كان بيلخلخ وجهها وسنونها، وقال ؛ الله يقطع من يخلي لك في قلبه محنيّه وإلا مأويه، انقلب الحال، وتبدلت الأوضاع، وافتقر (المعنفص) وغدا شماتة المتشمت؛ وصار أهل القرية يتورخون الأحداث، بطيحة ثور المعنفص في البير، وكلما سمع كلامهم؛ زفر وقال؛ الله يعين المعنفص على فقد ثوره المفنقص.
تزوجت عشرة، وانقرضوا، دون أن تنجب، إذا تذكرت مآسيهم قالت محاهم أبو خيمة زرقا؛ وتقصّد (ما عاد بتلقى يا سريري مزعزع؛ ماتوا مطاليق القرى وافنى الهيالة، ولا يدوم إلا الذي دام).
ما تزال الأبواب مؤصدة؛ تنتظر دفئاً يزيل الصردة من زمهرير الليل الفائتة، والشابيك ملحّجة على غارقين في بحر الأحلام؛ لم تتعجل ربات البيوت فتحها، خشيةً على فلذات الأكباد من قرّة أواخر الشتاء، فيما استبشر كبار السنّ بعودة الهدهد من تهامة، ما يؤذن بقدوم الفيحة.
تولّج المشفين؛ حلال؛ (المعنفص) وما حد منهم يسمي بالرحمن، طلب من العريفة؛ يوصي الفقيه؛ يقرأ لهم خطبة عن الحسد، فطمنه؛ وقال ما يجيك إلا ما يجي رقبتي، ولم يطمئن، فترجّى الفقيه، قال له والله ما يجيك إلا ما يجي حفف عيوني، وبين يوم وليلة تعقلت قدمي زوجته، وتعطل نشاط البيت والوادي.
تنشّد ولقي له (عطوي شاقي) يرعى الغنم بطنه بظهره، وحلّ (ضمّاد العطوي) في بيت المعنفص، وما حلّ معه خير، تعلّق في بنت المذرّع القادم من هتيمة؛ فنزع الرصد؛ وكان أوّل مستقبل للنهار الجديد، خرج من السافلة، والمصنف على رأسه، ولأنه حديث عهد بالزواج؛ ولم يمضِ أسبوع على عرسه، تمغّط؛ حتى طقطقت عظامه؛ واستدار يميناً ويساراً، وغلبه التثاؤب، وقبل ما ينطق؛ بعذ بالله من الشيطان؛ دخل في حلقه همجة، فسمعه عمه (المعنفص) يهوع، ففتح البداية، وأبدى رأسه؛ وقال من بات دافي يصبح متعافي يا ضماد، ردّ عليه بصوت متحشرج؛ صادق يا عمّ، والله يا (ضمادة) إنها تدفي أكثر من بطانية أبو سعفة، فضحك وقال؛ ما يدفّي إلا المشفي من المتشفّي، فعلّق ضماد؛ ليتك زوّجتني في الصيف، ما معي حيلة أنفض الجنابة، فقال؛ إذا سرحت فالغُدران نعمة، وإلا انفضها رأس البئر؛ الرجاعة عمّت الجديّة والبديّة.
نزل (المعنفص) يتفقد الغنم قبل ما تسرح، وإذا بفحل الغنم متشحط وما في عينه قُطرة؛ فوضع يده على رأسه؛ وطلب من ضماد يحمله في خيش؛ ويرميه في المقلّع؛ وقال عوّد عليّه قوام؛ حدوا الغنم من طرف المسراب، وسأله؛ بتسرّح البهم مع أمهاته؛ فجاوبه؛ ايوه عاد يقرِم؛ فطلبه ينادي (ضمادة) لتناوله الشمالة؛ ليشملون ضروع الضأن كي لا يتولجها البهم في الوادي، شمّلوا ثلاث شياه وعنزين، ولاحظ التيس الحزين على الخروف يتحمى ويتراجع وده يناطحه؛ فتناول سهم الدارجة؛ فنكس رأسه.
أوصاه يدرّجها في المساطح؛ لين تحمى الشمس؛ ويخفّ الطلّ؛ حتى لا يضربها العتريس، وأقبلت (ضمادة) تتبازى؛ ولاحظ العمّ أن مشيتها مشتولة، فبدع؛
سلام يا الحدّ السنين
اللي يشوّق مضربه.
التفتت نصف التفاتة، نحو (ضماد) وردت طرف شرشفها على فمها المتبسم خِلقة، وناولته القماش المخصص للضروع.
تجمعت الكلاب في المقلع، ومن نباحها فزع (قيفان) من نومه؛ وبدأ يروي لأمه حلماً شافه في منامه، علّقت الأم لا تتكذّب في الحلم، ترى يوم القيامة تخليك الملائكة تعقد حبتين شعير وتعجز، فيحطونك في جهنم! فرفع بصره لوجه أمه، وسألها؛ ذلحين الملائكة بتخلي اللي يتكذبون وهم صاحين، ويستقعدون لي أنا ضعيف ربي؛ عشان تكذبت في نومي، فمدت كفها على خنافره؛ مرددة؛ الله لا يسخطنا يا ولد المعنفص، استغفر ربك، وإذا بـ(قيفانة) تكشف البطانية عن وجهها، وتقول لأمها حتى آنا شفت الحلم اللي شافه آخي قيفان، فقالت الأم؛ ها هيا بيضيعون نهاري بالأحلام؛ ورددت؛ (يا حيّ قيفانة وقيفان؛ لا عاد فوق الصاج قرصان).
كانت (أم قيفان) مضرب مثل في العيشة والعريشة، وحسنة خلقة وأخلاق؛ وريحة بخورها تفنك المساريب، فيما دم زوجها (المعنفص) فاير؛ وحقّ قباحة، وإذا ما لقي من يتقابح معه، تقابح مع نفسه، والجماعة يدورون له الزلّة ليعزرونه؛ وهو حذر؛ اعتزى بقيفان يسرح بالثور، يسقيه؛ ويملّح له؛ ولقيه الفقيه في الخنقة؛ فأعجبه سنام الثور المتمايل بالشحم، واعطاه ما خطّاه؛ ولأن الدربان والوديان طين، وحبل الثور ملوي على ذراع قيفان؛ وقعت عينه على الجرادة؛ والقفيصة؛ والعيسية المتسلسة في عثربة البير، فأراد تنفيرها وهشها بذيل عمامته؛ فخرع الثور وطحست كرعانه؛ وتدلّت رقبته في الماء؛ وصاح الصايح، فالتف أهل القرية؛ اللي بمسحاته؛ واللي بالعطيف، طلب العريفة من المأذن خشبتين يسندون بها جنب الثور المفنقص، وكلّف الفقيه يتحسس نسمته، فصاح الفقيه؛ الشفرة؛ الشفرة؛ غمز الشاعر العريفة، قائلاً؛ الفقيه يشتي المرقة، علّق العريفة (رأس البصل خير من رأس على غير شيمه).
سحبوا الثور إلى تحت السدرة، وسلخوه، وعلّقوه وما أمداهم سدّوه؛ حتى قال ربي؛ سمّوا بالرحمن، وما راحوا باللحم في القشابي إلا وهي تقطر من ماي المطر المختلط بدم الثور؛ وحلف الشاعر على العريفة ما يتعشى إلا معه، وشبّت زوجة الشاعر عيدان عُشر، فدخّنت؛ فبدع العريفة؛ (والشرّ ما حد يحبه من العرب منكد اسمه، فردّ الشاعر ؛ وبعد نجي عندكم يبغي لنا منك دسمه) فتحسست زوجة الشاعر من القصيد، وحلفت ما يقسم لها العشا؛ فقال العريفة؛ يمين ودين ما يندر في بطني إلا وركبتك في ركبة شاعرنا؛ قالت؛ تحسبوني ما فهمت مغزى قصايدكم؛ تنقدوني وتقولون عني نكدة، فقال الشاعر؛ انحن نقصد وأنتي تاهبين للقصايد معاني.
سرى قيفان وقيفانة يتشوون الجراد المنظوم في عود سوسي أخضر، وأبو قيفان متشاءم من ضماد وضمادة، نظر لزوجته نظرة حادة؛ وقال؛ ضريتي بالكفيّة، والله ما عاد يقسم لضماد وضمادة عيش معنا، بنسد في نفوسنا، فأرادت تستمهله، فقال؛ لا تحسبين نفسك من المقرن، ترى أبوك سُكني وأمك جنيّه، قالت الله واليها يا أبوك وأمك ما ضريوا إلا بالتشكاد؛ فحداها بمحراك المجرفة، وصافت عنه إلا كان بيلخلخ وجهها وسنونها، وقال ؛ الله يقطع من يخلي لك في قلبه محنيّه وإلا مأويه، انقلب الحال، وتبدلت الأوضاع، وافتقر (المعنفص) وغدا شماتة المتشمت؛ وصار أهل القرية يتورخون الأحداث، بطيحة ثور المعنفص في البير، وكلما سمع كلامهم؛ زفر وقال؛ الله يعين المعنفص على فقد ثوره المفنقص.