الحق في الوجود واستحقاق الوجود
الاثنين / 02 / رمضان / 1445 هـ الثلاثاء 12 مارس 2024 00:28
طلال صالح بنان
إسرائيلُ دولةٌ عدوةٌ للسلام، تشنّ حروباً على جيرانها.. وتحتل أراضيهم، بدعوى الحدود الآمنة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتبرير اقتطاع أجزاء من الأراضي الفلسطينية لبناء الجدار العنصري العازل، الذي حكمت محكمة العدل، في رأيها الاستشاري (٩ يوليو ٢٠٠٤) بعدم مشروعيته، قال متحججاً: الأسوار تصنع جيراناً طيبين!؟
حق وجود إسرائيل عند الصهاينة، يعني: إبادةَ الفلسطينيين.. وتهديدَ أمن العرب، والهيمنةَ الإقليمية على المنطقة. الصهاينة يدركون أن جدلهم في حق وجود دولتهم لا يقف عند قيام الدولة، بل يتعداه إلى سلب حق الفلسطينيين أن تكون لهم دولة، ولو على صحراء القارة المتجمدة الجنوبية القاحلة. وجود أي فلسطيني، على ظهر الأرض، أينما وجد، هو دليل قانوني وسياسي وأخلاقي وإنساني وتاريخي، ضد باطل وجودِ إسرائيل. الصهاينة يخافون من كلمتَي (فلسطين وفلسطيني) أكثر من خوفهم من إقامة دولة فلسطينية.
الصهاينة، ليعيشوا وَهْمَ حق وجود دولتهم على أرض فلسطين، يذهبون إلى ما هو أبعد من الحؤول دون الفلسطينيين، أن تكون لهم دولة، لدرجة سلب الفلسطينيين معالم وجودهم التاريخي والحضاري والإنساني في فلسطين، بما في ذلك ثقافة وتراث وتاريخية الشعب الفلسطيني. الصهاينة يروّجون، على سبيل المثال: للكوفية الفلسطينية أنها زي تراثي يهودي.. وللفلافل الفلسطينية بأنها طبق شعبي يهودي، ولقبةِ الصخرةِ بأنها: معلم من معالم هيكلهم المزعوم!
الصهاينة، عندما يتحججون بحق دولتهم في الوجود، هم من ناحية أخرى؛ يوقنون أنه ليس لهم حق في إقامة دولة لهم على أرض فلسطين. وإلا لماذا هذا الإصرار على مفهوم الحق في الوجود، بدل الحق في إقامة دولة، كبقيةِ شعوبِ العالم. ليست هناك دولة قامت واعتُرف بها بدعوى حقها في الوجود إلا في حالة إسرائيل، التي لم تَقُمْ كدولة، إلا على اغتصاب حق الفلسطينيين إقامة دولتهم على تراب أرضهم التاريخية.
ليس هناك شعبٌ في العالم، حتى بعد قيام دولته، يطلب من العالم أن يعترف بحق دولته في الوجود، إلا إذا كان هو نفسه يُنكر هذا الحق من أعماق ضميره الجمعي، ويرى أن مشروعية قيام دولته لا تكتمل إلا بالاعتراف بوجودها، وليس فقط تبادل التمثيل الدبلوماسي، ولا حتى التطبيع معها؛ عقدةٌ تعتمل في الضمير الجمعي للصهاينة. مهما بالغ الصهاينة في فرض واقع دولة إسرائيل، بالقوة، هُمْ يدركون أن القوة ممكن أن تخلق واقعاً (مؤقتاً)، لكنها لا تثبت حقاً (خالداً).
الغريبُ أن تشترط إسرائيل على الطرف «الأضعف» في الصراع (الفلسطينيين) اعترافه بحقها في الوجود، حتى ولو لم يبقَ من الفلسطينيين إلا فردٌ واحد، يحمل من بين مقتنياته مفتاحاً لدارٍ كان يقطنها أجداده في فلسطين، سلبه الصهاينة، الذين لم يكتفوا بمصادرةِ تلك الدار وتهجير أهلها منها، بل ظلت تلاحقهم حول العالم، لطمس أي دليل يدينهم بجرائم نكبة الفلسطينيين، جرّاء إقامتهم لدولتهم المُغْتَصِبة. حتى أن الصهاينة فرضوا على الدول، التي أعطت الفلسطينيين جنسياتها، ألا تذكر فلسطين في خانة بلد المولد!
ثُمّ هَبْ أن العالم اعترف بإسرائيل وطَبّعَ معها، وجاء ذِكر جملة الإقرار بحقها بالوجود، عند تبادل وثائق التمثيل الدبلوماسي وتوقيع معاهدات السلام وبروتوكولات التطبيع معها: هل يا ترى تستحق الوجود هذه الدولة العنصرية المعادية للسلام، المرتكبة لجرائم الحروب ضد جيرانها، التي لم تتخلَ عن سياسة التوسع والعدوان، بدعوى البحث عن الحدود الآمنة. حول أسطورة الحدود الآمنة، قال رائد الدبلوماسية السعودية الأمير سعود الفيصل يوماً: لا أحدَ يعرف أين تنتهي حدود إسرائيل، هل عند أسوار صنعاء.. أم على شواطئ الدار البيضاء، أم عند تخوم الصحراء الكبرى؟
تُرَى هل تستحق دولة معادية للسلام مثل إسرائيل أن تنعم بالحق في الوجود، بعد كل هذا العداء للإنسانية المُسْتَحْكِم في قادتها.. وعنصرية شعبها، بل وحتى تنكرها لمصالح وأمن حلفائها الغربيين، بمن فيهم الولايات المتحدة، عدا ابتزازها إياهم بسببِ عقدةِ ذنبٍ وهميةٍ مصطنعة.
إسرائيل، بهذه الذهنية العنصرية المتزمتة.. والسلوك المعادي للسلام، ليس لها، بدايةً؛ الحقّ في الوجود... دعك من أنها تستحق (أصلاً) الوجود.