أخبار

محمد شوقي الزين: حلول الجزء محل الكل سبب النزاعات

حصاد

محمد شوقي الزين

عرض: علي الرباعي Al_ARobai@

يؤكد المفكر الجزائري محمد شوقي الزين، أنه لا مناص من أن ينقسم الكل إلى الأجزاء، كون ذلك من السيرورة بالطبيعية والتاريخية، وعلى مستوى تاريخ الوعي، فإن حلول الجزء محل الكل، وما يُسمَّى في البلاغة بكناية الصفة، كأن نقول «وجد سقفاً يحميه»، أي وجد مسكناً يأوي إليه، الجزء (السقف) يُقال للكل (المسكن)؛ وحلول الجزء محل الكل على مستوى تاريخ الوعي هو المدخل الأساس نحو نشوب النزاعات واستفحال العُنف.

وعد التاريخ الديني أفضل شاهد على هذه الحلول القهرية في شكل احتكار أو انقلاب. يُسلّم ابن عربي بأن «الوحدة معقولة والكثرة مشهودة»، ولا شك أن المقولات الكبرى مثل الفلسفة والدين هي «معقولات» والأمور المشهودة هي المذاهب والطوائف المنحدرة منها، البارزة بالأفراد والتنظيمات ودور العبادة والممارسات والشعائر، إلخ. ما نراه هو الإرادة المتجسّدة في اعتقاد أو نزعة تميل إلى الاستئثار بالحقيقة؛ ما لا نراه وهو الدين في وحدته الجامعة والمانعة، هو الذي يبقى الصامت والقابل للتأويل، وربما يتحوَّل إلى وسيلة للعراك الأيديولوجي أو وسيلة للقتل والإرهاب.

ويرى، أنه في سياق فكرة محورية هي «التشاكُل»، على وزن التفاعل، التي تُبرز جانباً من التماثُل بين أشكال الفكر، وفي الوقت نفسه تُبرز جانباً من التمايُز. إذا أخذنا أهمّ نموذج وأطروحة في ذلك وهي فكرة «وحدة الوجود»، نتساءل: ما الأمر الذي يجعل هذه الفكرة الوحدوية حاضرة في أشكال متعارضة من الفكر (المادية الرواقية وروحانية أفلوطين)، وفي أشكال متباينة من الانتماء الثقافي والديني (ابن عربي الإسلامي، نيكولا الكوزي المسيحي، ليسينغ اليهودي)؟ وما هي أدوات هذا التشاكل؟ بأيّ معنى يمكن القول، إن فكراً يماثل فكراً آخر ويتميَّز عنه في الوقت نفسه؟ هل التشاكُل هو ضرب من ضروب الجمع بين النقيضين: بين التشابُه والاختلاف؟ يتطلب الأمر وقفة معرفية حصيفة على سؤال التشاكُل الذي ليس سمة إبستمولوجية، ولكن أيضاً، وخصوصاً، قيمة حضارية في التعارُف والتكامُل.

ويذهب إلى محاولة استنطاق الإسلام، بسؤال عن الأمر الذي جعل الأوائل يتناحرون تحت مسمى «الفتنة الكبرى»، والأواسط يُحارَبون (الحلاج، ابن رشد، ابن الراوندي، السهروردي المقتول) والأواخر يُسمّرون النعش (داعش).

ويجيب بأن السؤال لا يجد ما يُبدّد به حيرته، لأن الجواب لا يفي بالمطلوب، ثم إن الجواب لا يحكم بل يصف ويحاول أن يفهم. وما يمكن فهمه من المقولات الكبرى مثل الفلسفة والدين، والإسلام على وجه الخصوص، أنه لا يوجد شيء في هذا الوجود لا يقبل القسمة أو الانقسام بطبعه. ويتساءل الزين وبالقياس مع الفلسفة، هل يمكن للإسلام أن يغضب، بأن رداءه مزقته طوائف ومذاهب، وكل طائفة أو مذهب يأخذ «الجزء المنتوف» على أنه «الكل»، يتباهى به بين الجموع الغفيرة والمخدَّرة، ويتحدث باسمه على أنه الوريث الشرعي لحكمته؟ ويلفت إلى أن هذا ما يدفعنا بالتسليم بأن المقولات الكبرى التي لها تمثُّل خاص مثل الفلسفة أو الدين أو السياسة أو الأخلاق أو الحق أو التراث، إذا أينعت وترعرعت بمعزل عن الاستعمالات الذرائعية فهي «سيادة»، تسود بالجوهر الذي تحمله في ذاتها، جوهر خالص لا تشوبه صراعات أو إرادات في الهيمنة؛ وإذا تجزَّأت نُتفاً في مذاهب أو طوائف أو أحزاب، فإنها تتحول إلى «سلطة»، يتسلَّط بها المذهب ويتخذها وسيلة في تبرير غايات أو هدم أحلام أو حتف أشخاص. كل واحد منا عاين اختطاف إرث جماعي، إرث تمزَّق إلى نُتف احتكرتها مذاهب أو طوائف متعاركة، لأن بتعميم عجيب حل الجزء محل الكل، انقلب عليه وصار يتاجر به، يتحدث باسمه وهو الصامت والمكبَّل.