«خِلتني نسيتُها» قصاقص من سالف الزمان!
الأربعاء / 11 / رمضان / 1445 هـ الخميس 21 مارس 2024 00:11
نجيب يماني
جمعتني بالأخ والصديق الأستاذ أمين حسين موسى فترة تزاملنا فيها في المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين)، قبل أن تنضم بعملياتها إلى الشركة السعودية للتكرير والتسويق سمارك، حتى صدور الأمر الملكي الحكيم بضم كافة العمليات البترولية من المنبع إلى المصب إلى شركة أرامكو السعودية لتصبح الشركة العملاقة الأكبر عالمياً.
عملنا لسنوات طويلة، وأبلينا بلاءً حسناً وشهدنا عصر التحولات البترولية الضخمة، وأعطينا بكل محبة وإخلاص عصارة عمرنا لوطن يستحق أجمل التضحيات.
أكثر ما لفت اهتمامي في الأستاذ أمين، وقرب المسافة بيني وبينه بصورة أفضت إلى صداقة وثيقة أعتز بها وأفاخر، أنه كان شغوفاً بالقراءة، نديما للكتاب، سادنا للثقافة، له عامود ثابت في الاقتصاد في صحيفة البلاد في السبعينيات الميلادية،
لا سلوة له في إزجاء وقته الخاص إلا بالمطالعة، والاستزادة من المعرفة، منوّعاً في المشارب مع وبين أمهات الكتب، والصحف السيارة، والمجلات، متحرّياً الإصدارات الحديثة، فأنشأ لنفسه مكتبة كنيزة بالكتب القيّمة، والمراجع الأصلية، والأعداد القديمة من مشهورات المجلات مثل العربي، وأخبار الأدب، والمنهل، وآخر ساعة وروز اليوسف، وصوت الحجاز ومجلة الإصلاح والتي كانت تصدر في مكة المكرمة والنداء الإسلامي والتي كان يرأس تحريرها مصطفى أندرقيري وجريدة الأضواء ومجلة الحج وحراء وأم القرى وغيرها مما كانت تزخر به مكتبة الثقافة في مكة المكرمة في سوق الليل قبل أن تهل علينا الصحافة الإلكترونية بقضها وقضيضها وتأكل الورقية من دون أن تعرف للعيب محلاً.
كانت قراءته مستوحاة من وحي أدباء كبار مثل العواد وحسين سرحان وأحمد السباعي وفؤاد شاكر وعبدالقدوس الأنصاري ونجيب محفوظ والسحار والعقاد وطه حسين ويوسف السباعي وعمالقة الأدب المصري، والتي كانت تملأ الملاحق الثقافية والأدبية التي كون جيلي ثقافته وعلومه من روافدها، بما يمثّل مرجعاً تاريخياً، ومثابة لأي باحث ودارس.
ارتبطت في خاطرته بلحظات تجاوزت المعرفة والثقافة إلى تخوم الحنين، والذكريات، فكل ما في الذاكرة من أحداث وذكريات مسيجة بآفاق الحنين العذب، الذي يستمطر الدمع على ما ذهب، ويتحسر على ما مضى ويملأ الرئتين من الآهات والزفرات التي عبرت معه أطوار حياته على تقلبها وانتقالها من طور إلى آخر.
بعد سنوات الوظيفة كان التقاعد مصير كل موظف، فأناخ راحلته في محطته، ليدير بوصلة اتجاهه نحو الكنز الكبير والثمين الذي دأب على جمعه طوال السنوات السابقة، ولم يفرط فيه ليصبح سلوته، ومبعث متعته وتأمّله، ليعيد القراءة هذه المرّة على نحو مغاير، يقول في مقدمة كتابه الذي أهدى إليّ نسخة منه بعنوان «خِلتُني نسيتُها» قصاقص من سالف الزمان ما أحلى الرجوع إليها. يقول: كنت هجرتها زمناً طويلاً وكنت أحسبها شاخت وخف بريقها حتى اقتنعت أن أزورها وأعيد معها بعض أيامي الخوالي التي كنت بالمسامرة معها ارتاح وأتكئ على زندها، فلا أعرف أنيساً غيرها، إنها السحارة صندوق الكتب تنام بين أحضانها مجلات وكتب وأسفار شتى، فالنفس في حاجة إلى شيء من الراحة والهدوء، ولعل في قراءة الكتب والقصص خفيفة الظل مساعدة على خلق جو مريح يروح عن النفس ويزيل عن القلوب ما ران عليها.
مضيفاً: ولقد اخترت من السحارة تلك الكتب والمجلات ما أحسب أنه أزاح عني الكثير من سأم الجلوس في البيت، فعسى أن يكون ما اخترته مسلياً للقارئ والمتلقي، ولقد وجدت ضمن ما وجدت حكمة مفادها أن الرجل الحكيم يجب أن يقرأ الكتب العاطفية مرتين، الأولى في بدء حياته لتعليمه كيف يعيش، والثانية في نهاية حياته لتعليمه كيف كان ينبغي أن يعيش.
جمع كتابه بوعي أكبر، وروح عركتها التجارب، ونفس تشبعت بمعانٍ جديدة، ونظرات مختلفة، ولهذا لم تكن عودته للقراءة كسابقتها، فقد أراد لها أن تكون مثمرة، ويتعدّى نفعها نوازع نفسه، إلى مَن يتوخّى فيهم الاهتمام المثيل، والرغبة في التأمّل مثله، فطفق يستخرج من ثنايا ما جمعه من كتب ومجلات وصحف، طائفة من الحكم والأمثال والحكايات ونوادر الأخبار، وطريف القصص، فاتسعت الدائرة، وبلغ المستخلص الذي جمعه ما يؤلّف كتاباً ماتعاً، طيّه زبدة تجربة، وخلاصة معرفة، وصفو ساعات بين السطور. والأجمل أنه أعطى لشريكة عمره السيدة نوال أحمد قدس فضيلة المشاركة في اختياراته ومراجعتها وتدقيقها في حركة ذكية تديم الألفة وترطب العشرة.
ليطمئن بتضافر الرؤى، واتساق المفاهيم، والاستئناس برؤية أخرى تضيف جديداً، وتنير بارقة.
أسدى صديقي أمين موسى للثقافة بهذا الصنيع المثابر، والمثمر خدمة كبيرة، أوفى بها دين عليه بمزواج فعل القراءة مع الكتابة ليكمل شوط المثاقفة.
كما أنه شأن قليل من الأدباء والكُتّاب قد عبر «القراءة الصامتة»، إلى المشاركة الجاهرة عبر إشراك القارئ في محصلة ما انتهى إليه، مقرّبا له المسافات، ومجسّرا الهوّة والمسافة، وجامعاً له ما تفرّق في المؤلفات، بميسم الاختيار الراقي، وحسن الالتقاط البارع في الانتقاء، مقدماً له وجبة دسمة من المعرفة، وطائفة من الأمثال والحكم المصاغة نثراً رائقاً وشعراً صداحاً، بما يتيح للقارئ وقتاً للمتعة، وحديقة يقطف منها ما شاء من أزهارها المفوّفة، واستدعاء ما طاب له منها في مقامات الاستشهاد والتأسي والاعتبار والمفاكهة..
غاية ما يمكنني قوله في حق الكتاب ومؤلفه، أنه جاء مرآة لنفس عامرة بالحسن والجمال، مُحبة للخير، عظيمة الاهتمام بالمعرفة، حرية على رائق المعاني، وجزل العبارات، ففي ثنايا هذه الالتقاطات الثرية يمكن للقارئ أن يهتدي إلى شخصية المؤلف، الذي يستحق منا المحبة والتقدير، ولهذا الكتاب الحظ من القبول والذيوع فإنه يستحق أن يقرأ، وقمين بأن يقتني، وجدير بالمطالعة والنظر.
الحياة حكاية وكل شخص ظل لحكاية لها بداية ولها متن ونهاية، والحكايات كما البصمات لا تتشابه.
تجربة جميلة ليت كل متقاعد يبحث في سحارته عن ذكرياته ويمنحها تذكرة عبور ليستفيد منها الجيل ويتعلم.
عملنا لسنوات طويلة، وأبلينا بلاءً حسناً وشهدنا عصر التحولات البترولية الضخمة، وأعطينا بكل محبة وإخلاص عصارة عمرنا لوطن يستحق أجمل التضحيات.
أكثر ما لفت اهتمامي في الأستاذ أمين، وقرب المسافة بيني وبينه بصورة أفضت إلى صداقة وثيقة أعتز بها وأفاخر، أنه كان شغوفاً بالقراءة، نديما للكتاب، سادنا للثقافة، له عامود ثابت في الاقتصاد في صحيفة البلاد في السبعينيات الميلادية،
لا سلوة له في إزجاء وقته الخاص إلا بالمطالعة، والاستزادة من المعرفة، منوّعاً في المشارب مع وبين أمهات الكتب، والصحف السيارة، والمجلات، متحرّياً الإصدارات الحديثة، فأنشأ لنفسه مكتبة كنيزة بالكتب القيّمة، والمراجع الأصلية، والأعداد القديمة من مشهورات المجلات مثل العربي، وأخبار الأدب، والمنهل، وآخر ساعة وروز اليوسف، وصوت الحجاز ومجلة الإصلاح والتي كانت تصدر في مكة المكرمة والنداء الإسلامي والتي كان يرأس تحريرها مصطفى أندرقيري وجريدة الأضواء ومجلة الحج وحراء وأم القرى وغيرها مما كانت تزخر به مكتبة الثقافة في مكة المكرمة في سوق الليل قبل أن تهل علينا الصحافة الإلكترونية بقضها وقضيضها وتأكل الورقية من دون أن تعرف للعيب محلاً.
كانت قراءته مستوحاة من وحي أدباء كبار مثل العواد وحسين سرحان وأحمد السباعي وفؤاد شاكر وعبدالقدوس الأنصاري ونجيب محفوظ والسحار والعقاد وطه حسين ويوسف السباعي وعمالقة الأدب المصري، والتي كانت تملأ الملاحق الثقافية والأدبية التي كون جيلي ثقافته وعلومه من روافدها، بما يمثّل مرجعاً تاريخياً، ومثابة لأي باحث ودارس.
ارتبطت في خاطرته بلحظات تجاوزت المعرفة والثقافة إلى تخوم الحنين، والذكريات، فكل ما في الذاكرة من أحداث وذكريات مسيجة بآفاق الحنين العذب، الذي يستمطر الدمع على ما ذهب، ويتحسر على ما مضى ويملأ الرئتين من الآهات والزفرات التي عبرت معه أطوار حياته على تقلبها وانتقالها من طور إلى آخر.
بعد سنوات الوظيفة كان التقاعد مصير كل موظف، فأناخ راحلته في محطته، ليدير بوصلة اتجاهه نحو الكنز الكبير والثمين الذي دأب على جمعه طوال السنوات السابقة، ولم يفرط فيه ليصبح سلوته، ومبعث متعته وتأمّله، ليعيد القراءة هذه المرّة على نحو مغاير، يقول في مقدمة كتابه الذي أهدى إليّ نسخة منه بعنوان «خِلتُني نسيتُها» قصاقص من سالف الزمان ما أحلى الرجوع إليها. يقول: كنت هجرتها زمناً طويلاً وكنت أحسبها شاخت وخف بريقها حتى اقتنعت أن أزورها وأعيد معها بعض أيامي الخوالي التي كنت بالمسامرة معها ارتاح وأتكئ على زندها، فلا أعرف أنيساً غيرها، إنها السحارة صندوق الكتب تنام بين أحضانها مجلات وكتب وأسفار شتى، فالنفس في حاجة إلى شيء من الراحة والهدوء، ولعل في قراءة الكتب والقصص خفيفة الظل مساعدة على خلق جو مريح يروح عن النفس ويزيل عن القلوب ما ران عليها.
مضيفاً: ولقد اخترت من السحارة تلك الكتب والمجلات ما أحسب أنه أزاح عني الكثير من سأم الجلوس في البيت، فعسى أن يكون ما اخترته مسلياً للقارئ والمتلقي، ولقد وجدت ضمن ما وجدت حكمة مفادها أن الرجل الحكيم يجب أن يقرأ الكتب العاطفية مرتين، الأولى في بدء حياته لتعليمه كيف يعيش، والثانية في نهاية حياته لتعليمه كيف كان ينبغي أن يعيش.
جمع كتابه بوعي أكبر، وروح عركتها التجارب، ونفس تشبعت بمعانٍ جديدة، ونظرات مختلفة، ولهذا لم تكن عودته للقراءة كسابقتها، فقد أراد لها أن تكون مثمرة، ويتعدّى نفعها نوازع نفسه، إلى مَن يتوخّى فيهم الاهتمام المثيل، والرغبة في التأمّل مثله، فطفق يستخرج من ثنايا ما جمعه من كتب ومجلات وصحف، طائفة من الحكم والأمثال والحكايات ونوادر الأخبار، وطريف القصص، فاتسعت الدائرة، وبلغ المستخلص الذي جمعه ما يؤلّف كتاباً ماتعاً، طيّه زبدة تجربة، وخلاصة معرفة، وصفو ساعات بين السطور. والأجمل أنه أعطى لشريكة عمره السيدة نوال أحمد قدس فضيلة المشاركة في اختياراته ومراجعتها وتدقيقها في حركة ذكية تديم الألفة وترطب العشرة.
ليطمئن بتضافر الرؤى، واتساق المفاهيم، والاستئناس برؤية أخرى تضيف جديداً، وتنير بارقة.
أسدى صديقي أمين موسى للثقافة بهذا الصنيع المثابر، والمثمر خدمة كبيرة، أوفى بها دين عليه بمزواج فعل القراءة مع الكتابة ليكمل شوط المثاقفة.
كما أنه شأن قليل من الأدباء والكُتّاب قد عبر «القراءة الصامتة»، إلى المشاركة الجاهرة عبر إشراك القارئ في محصلة ما انتهى إليه، مقرّبا له المسافات، ومجسّرا الهوّة والمسافة، وجامعاً له ما تفرّق في المؤلفات، بميسم الاختيار الراقي، وحسن الالتقاط البارع في الانتقاء، مقدماً له وجبة دسمة من المعرفة، وطائفة من الأمثال والحكم المصاغة نثراً رائقاً وشعراً صداحاً، بما يتيح للقارئ وقتاً للمتعة، وحديقة يقطف منها ما شاء من أزهارها المفوّفة، واستدعاء ما طاب له منها في مقامات الاستشهاد والتأسي والاعتبار والمفاكهة..
غاية ما يمكنني قوله في حق الكتاب ومؤلفه، أنه جاء مرآة لنفس عامرة بالحسن والجمال، مُحبة للخير، عظيمة الاهتمام بالمعرفة، حرية على رائق المعاني، وجزل العبارات، ففي ثنايا هذه الالتقاطات الثرية يمكن للقارئ أن يهتدي إلى شخصية المؤلف، الذي يستحق منا المحبة والتقدير، ولهذا الكتاب الحظ من القبول والذيوع فإنه يستحق أن يقرأ، وقمين بأن يقتني، وجدير بالمطالعة والنظر.
الحياة حكاية وكل شخص ظل لحكاية لها بداية ولها متن ونهاية، والحكايات كما البصمات لا تتشابه.
تجربة جميلة ليت كل متقاعد يبحث في سحارته عن ذكرياته ويمنحها تذكرة عبور ليستفيد منها الجيل ويتعلم.