الخدمة... الجوهرة... والغصة!
الأربعاء / 24 / رمضان / 1445 هـ الأربعاء 03 أبريل 2024 18:58
تركي الدخيل TurkiAldakhil@
وأدركتُ نفسي وأنا صغير، أحمل الدلّة وأسكب القهوة للضيوف في بيتنا الكبير، بيت جدي عبدالعزيز بن محمد الدخيل، غفر الله له، أو منزل والدي، أطال الله عمره.
وبعد القهوة، أخدم هناك بتقديم الشاي (الشاهي بالعامية).
وإذا انتهى الضيوف الكرام من تناول الغداء أو العشاء، وقفت حاملًا المنشفة (الفوطة) وقارورة العطر عند المغاسل، لتقديمها لضيوفنا الذين أكرمونا بقدومهم عندنا.
وكان أعمامي يفعلون ذلك، حتى يأتي من هو أصغر منهم، فيقوم مقامهم.
ونحن أسرة تُجَّار، من زمن كرام (العقيلات)، ومن بعد ذاك الزمن، ولله الحمد، وكان في البيت من يعمل عندنا، لكني لا أذكر أن أحدًا منهم تولى خدمة الضيوف، التي كُنا نقوم بها، أنا وأمثالي من أبناء العمومة.
وتوارثنا هذا العمل، فلا أذكر أن أحدًا قال لنا ما علينا فعله، فأخذناها بالقدوة، إذ كنا نرى من هو أكبر منا يفعل ذلك، ففعلنا ذلك مثله بغاية السعادة والفخر.
ولم يكن هذا مختصًا بنا، إذ كان يحدث في غالب العوائل والأسر، إكرامًا للضيف، وعملًا على خدمته، حتى اندثر هذا السلوك الآن، للأسف، أو أوشك.
والعرب لا تستنكف الخدمة، بل تفخر، وتعتز بها، وترى لمن يخدم الناس منزلة رفيعة.
فالخدمة لا يمارسها إلا متواضع، والتواضع خُلُقٌ عظيم من أخلاق الكبار، فلا يمكن أن يكون الصغير متواضعًا، فالتواضع أكبر من صَغَار الصَغِير. والصغير هنا، صغير الطَبع.
وليس أعظم إجلالًا لمقام الخدمة، من الأثر: خادم القوم سيدهم، ويقال أيضًا: سيد القوم خادمهم.
فالأثر، وعليه جرى عمل القوم، تأكيد أن الخدمة لا تنبع من ضعفٍ ولا من هوانٍ، بل من رُقيٍ وسمو ورغبة في إكرام الخادم للمخدوم، محبة له، لا هوانًا.
ومن فضل الله علينا في هذه البلاد، أن اختار قادتها، وفقهم الله، خدمة الحرمين الشريفين، وقاصديهما، التي اختصنا الله بها، تفضيلا لنا من بين سائر الخلق.
كما قرر ملوكنا، منذ عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، مرورا بالملك عبدالله، غفر الله له، إلى وقت مليكنا الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، بدلا من ألقاب التفخيم، مثل: صاحب الجلالة، وما ناظرها، اعتماد لقب: «خادم الحرمين الشريفين»، اعتزازا بهذا الشرف، وتأكيدا على الفخر بالقيام به، أعانهم الله، وسددهم.
وهو دأب أبيهم وديدنه، الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، غفر الله له، الذي يُروى في جميل أخبار مآثره، من تواضعه، أنه كان يقوم لاستقبال ضيوفه بنفسه.
ومما أعتز به، أني إذا زارني زائر، أدنيت دلَّتي، ودنوتُ إلى ضيفي، واستمتعت بسكب القهوة له، فنجالا بعد أخيه، كما يُقال: (فنجال... وعلوم رجال).
وفنجال: أي فنجان، وهو باللام، يستخدم بالدارجة في كثير من مناطق السعودية، وهي لفظة فصيحة، كما في (المعجم الوسيط).
الخدمة، سادتي الكرام، هي كما قال أبو الطيب المتنبي:
جَوهَرَةٌ تَفْرَحُ الشِّرَافُ بِهَا وغُصَّةٌ لََّا تُسِيغُهَا السَّفِلَهْ
وبعد القهوة، أخدم هناك بتقديم الشاي (الشاهي بالعامية).
وإذا انتهى الضيوف الكرام من تناول الغداء أو العشاء، وقفت حاملًا المنشفة (الفوطة) وقارورة العطر عند المغاسل، لتقديمها لضيوفنا الذين أكرمونا بقدومهم عندنا.
وكان أعمامي يفعلون ذلك، حتى يأتي من هو أصغر منهم، فيقوم مقامهم.
ونحن أسرة تُجَّار، من زمن كرام (العقيلات)، ومن بعد ذاك الزمن، ولله الحمد، وكان في البيت من يعمل عندنا، لكني لا أذكر أن أحدًا منهم تولى خدمة الضيوف، التي كُنا نقوم بها، أنا وأمثالي من أبناء العمومة.
وتوارثنا هذا العمل، فلا أذكر أن أحدًا قال لنا ما علينا فعله، فأخذناها بالقدوة، إذ كنا نرى من هو أكبر منا يفعل ذلك، ففعلنا ذلك مثله بغاية السعادة والفخر.
ولم يكن هذا مختصًا بنا، إذ كان يحدث في غالب العوائل والأسر، إكرامًا للضيف، وعملًا على خدمته، حتى اندثر هذا السلوك الآن، للأسف، أو أوشك.
والعرب لا تستنكف الخدمة، بل تفخر، وتعتز بها، وترى لمن يخدم الناس منزلة رفيعة.
فالخدمة لا يمارسها إلا متواضع، والتواضع خُلُقٌ عظيم من أخلاق الكبار، فلا يمكن أن يكون الصغير متواضعًا، فالتواضع أكبر من صَغَار الصَغِير. والصغير هنا، صغير الطَبع.
وليس أعظم إجلالًا لمقام الخدمة، من الأثر: خادم القوم سيدهم، ويقال أيضًا: سيد القوم خادمهم.
فالأثر، وعليه جرى عمل القوم، تأكيد أن الخدمة لا تنبع من ضعفٍ ولا من هوانٍ، بل من رُقيٍ وسمو ورغبة في إكرام الخادم للمخدوم، محبة له، لا هوانًا.
ومن فضل الله علينا في هذه البلاد، أن اختار قادتها، وفقهم الله، خدمة الحرمين الشريفين، وقاصديهما، التي اختصنا الله بها، تفضيلا لنا من بين سائر الخلق.
كما قرر ملوكنا، منذ عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، مرورا بالملك عبدالله، غفر الله له، إلى وقت مليكنا الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، بدلا من ألقاب التفخيم، مثل: صاحب الجلالة، وما ناظرها، اعتماد لقب: «خادم الحرمين الشريفين»، اعتزازا بهذا الشرف، وتأكيدا على الفخر بالقيام به، أعانهم الله، وسددهم.
وهو دأب أبيهم وديدنه، الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، غفر الله له، الذي يُروى في جميل أخبار مآثره، من تواضعه، أنه كان يقوم لاستقبال ضيوفه بنفسه.
ومما أعتز به، أني إذا زارني زائر، أدنيت دلَّتي، ودنوتُ إلى ضيفي، واستمتعت بسكب القهوة له، فنجالا بعد أخيه، كما يُقال: (فنجال... وعلوم رجال).
وفنجال: أي فنجان، وهو باللام، يستخدم بالدارجة في كثير من مناطق السعودية، وهي لفظة فصيحة، كما في (المعجم الوسيط).
الخدمة، سادتي الكرام، هي كما قال أبو الطيب المتنبي:
جَوهَرَةٌ تَفْرَحُ الشِّرَافُ بِهَا وغُصَّةٌ لََّا تُسِيغُهَا السَّفِلَهْ