أخبار

سليمان الذييب: مبالغات القصائد تزعجني !

سليمان الذييب

حاوره: علي الرباعي

أنجز البروفيسور سليمان عبدالرحمن الذييب، مشاريع معرفية وتاريخية ترفع الرأس، إذ إنه العاشق للأرض وتاريخها وآثارها، له أكثر من 25 كتاباً، وعشرات البحوث، والترجمات، ويقضي وقتاً في ميادين آثار بلادنا ليؤكد أصالة وعمق حضارة الإنسان في جزيرة العرب، وهنا مكاشفة عن ذكريات الطفولة والصيام..• لماذا يسكننا حنين لأيامنا الأولى ؟

•• لكل مرحلة زمنية أو عمرية إيجابياتها وسلبياتها، ويظن البعض أن الماضي أكثر جمالاً من الحاضر، وهذا الظن يحتاج إلى مراجعة، ففي الماضي جماليات وذكريات لا يمكن أن تختفي من الذاكرة، وللحاضر جماليات زيّنت رونق الحياة.

• ماذا تفتقد ؟

•• أفتقد ما كنا نفعله في الطفولة وهو اللعب في الشارع، كان الشارع ملعبنا ومسرحنا ومجلسنا، وحلبة المصارعة بيننا أطفالاً وشباباً.

• كم ترتيبك بين إخوتك ؟

•• أنا البكر، ونحن ولله الحمد عائلة مكونة من 8 إخوة، 4 ذكور، و 4 إناث. وفي تصوري، وهذه نعمة كبيرة، أن والديّ وفقا كثيراً في تربيتنا وتعليمنا أنماطاً وسلوكيات أفادتنا في حياتنا وكانت أساس النجاح.

• إلى أي جهةٍ تشير بوصلتك في رمضان، ولماذا ؟

•• إلى جهات عدة، الإفطار مع الوالدين والأقارب، والبقاء في المسجد فترات طويلة، والمسجد عرّفني على الجيران، المسجد مكان لتأدية الصلاة فقط، إلا أنه اليوم من أهم الأماكن التي تتعرف فيها على شخصيات جيرانك وسلوكياتهم الإيجابية أو السلبية، وفي أيام الطفولة والشباب لم ألحظ كثرة الخلافات بين المصلين كما هو اليوم، إذ تكثر الخلافات والمناوشات، التي أحياناً تؤدي إلى القطيعة بينهم على أسباب تافهة (المكيف، وقت الإقامة، إغلاق أو فتح النوافذ).

لقاء صحفي

• ما المواقف الطريفة التي ما زالت بالذهن من زمن الطفولة ؟

•• كنا نلعب الألعاب القديمة «مقطار، وحبشة وغيرهما» في ساحات المسجد الداخلية والخارجية، نخرج نلعب عقب تكبير الإمام، والصلاة كانت طويلة نسبياً وبعض الركعات ما بين 10 إلى 15 دقيقة، فنلعب خلالها ألعابنا وعندما يجلس الإمام للتشهد نعود مرة أخرى، فيظن الآباء أننا حضرنا الصلاة.

ولا أنسى - آنذاك - حادثتين ما زالتا في ذاكرتي، الأولى رشحتني مدرستي في المتوسطة الأولى بأبها لإجراء لقاء (صحيفة الحائط) مع وكيل إمارة منطقة عسير إبراهيم عبدالعزيز البراهيم (رحمه الله)، فاستقبلني في مكتبه استقبالاً طيباً ومشجعاً، وعندما بدأت بطرح الأسئلة أشار بيده أن أقف عن طرحها، وقال: «أعطني إياها وسأرد عليها كتابياً بعدين». ومع أنه تحدث معي عن رغبتي أن أكون صحافياً ومهتماً بشؤون الناس إلا أني لم أفهم وقتها سبب طلبه (رحمه الله) الإجابة كتابياً. وقد استلمتها بعد عدة أيام. وعرفتُ لاحقاً أن هدفه أن يكون لقاؤه مُعداً بأسلوب يناسب عقلية طلاب المرحلة المتوسطة، فكانت مشاركته الأفضل والأميز لغوياً وأسلوبياً بين المشاركات في المجلة الحائطية. أما الثاني فهو لقائي للمرة الأولى بالأمير فهد بن سلطان، إذ زار دار التربية بأبها إبان عمله وكيلاً لوزارة الشؤون الاجتماعية وعمل والدي مديراً للدار، فدخلت الدار وكنتُ وقتها طفلاً وهو ينزل من الدرج فهالتني شخصيته، ومع الأسف لم أحظَ بالسلام عليه، فوالدي (أطال الله في عمره) كان عادلاً، فقدم طلاب الدار الأيتام لأن الزيارة لهم، وهذا هو ديدن الوالد ولله الحمد.

الحفاظ على الهوية

• ما الذي تحتفظ به ذاكرتك من القرية ؟

•• تركتُ محافظة الزلفي إلى المنطقة الشرقية بعد انتقال عمل الوالد هناك، ثم أمضيتُ سنوات الطفولة الأولى - وما أجملها - في مدينتي «بيشة وأبها» حتى المرحلة الثانوية التي درستها في ثانوية اليمامة العريقة بالرياض.

والذي أذكره هو كثرة المشاجرات بعد انتهاء اليوم الدراسي (الطلعة أو الصرفة)، وأحياناً تصل إلى أكثر من مشاجرة، وفي جلها كنتُ من المتفرجين فقط، فلا أذكر أني قد شاركتُ في هذه المشاجرات المدرسية، والمدرسة وقتها كانت في الصباح للدراسة والتعلم وبعد العصر مكاناً للإبداع وإخراج مكنونات الطالب، فمارسنا الرياضة والمسرح والنشاط الثقافي والعمل في معامل العلوم والحياة الطبيعية، وكنتُ وقتها أستمتع كثيراً بالمدرسة بعد العصر أكثر من استمتاعي بها في الفترة الصباحية.

• ما وجبتك الدسمة التي تفكر بها وأنت صائم ؟

•• الأولوية في فترات الصيف للمشروبات والعصيرات، أما في فصل الشتاء فيكون اللبن والتمر مع قطع من الحلا.

• ماذا يعني الانتماء للآثار ؟

•• الآثار مخزن الأمة والدليل الناصع على منجزات المجتمع، وهي البقايا التي تشهد بدور الأجداد والآباء في تعاملهم مع بيئتهم وتصريفهم لحياتهم. واليوم في ظل تلاطم الأفكار والتحزبات تبرز الهوية، وهويتنا لا خلاف عليها هي العربية الإسلامية، وعندي أن الآثار الحافظ على هذه الهوية وهو ينير المستقبل لأن إنسان اليوم يأخذ الآثار والتاريخ بأحداثهما ومنجزاتهما خارطة طريق لمستقبله. والبعض يرى أن الآثار ذات بعد اقتصادي، وهذا صحيح، لكن الأهم أنه الحافظ على الهوية التي عرفناها من خلال معول المنقب الآثاري. واليوم تعيش بلادنا مرحلة جداً ناصعة في مجال دعم هذا العلم ومساندة أهله وأصحابه، ونتمنى أن ننجح جميعاً في تحقيق الهدف الحقيقي من الآثار، فهو ليس للتفاخر والاعتزاز الكاذب، بل أساس التقدم والتطور.

يوم لا ينسى

• على ماذا استيقظ وعيك المبكر من الأحداث والمواقف والناس ؟

•• حرب الوديعة (في شهر رمضان في العام الميلادي 1969) وما تلاها من حروب، التي عُرفت باسم حرب اليمن، وتقلد الملك فيصل (رحمه الله) الحكم (1964 واستشهاده 1975)، ففي الأولى كنتُ في المرحلة الابتدائية وشعرتُ بما شعر به الناس وتأثرتُ بما تأثروا به، ووعيتُ للمرة الأولى لما يُعرف اليوم بسلاح الإعلام وقوته في رفع المعنويات أو خفضها. أما وفاة الملك فيصل فوقتها كنتُ في المدرسة، وعلمنا باستشهاده عندما طلبوا منا الخروج إلى منازلنا وكانت لحظات عصيبة على الجميع.

• كيف كان أوّل يوم صيام في حياتك ؟

•• أظنه ولستُ متأكداً كان صياماً متقطعاً، وهي عادة أقراني وقتها.

• ما موقف والدتك ووالدك من صومك المبكر، وهل أذنا لك أو أحدهما بقطع الصيام بحكم الإرهاق ؟

•• أظنه كان مشجعاً، فأجمل ما يراه الوالدان تأدية ابنهما فروضه الدينية، ولا أذكر أن أحدهما شجعني على عدم الإكمال.

• ما الموقف الرمضاني الذي لا تنساه ؟

•• شبّ حريق في سكن العمال، وكان رمضان وقتها في الصيف، فاضطررتُ إلى مساعدة الوالد في نقل الأغراض المتبقية من العاشرة صباح ذلك اليوم الرمضاني إلى العصر. وكان يوماً شاقاً لا ينسى، ولم أتعب في يوم مثل تعب ذلك اليوم.

جلب المقاضي• على ماذا كانت تتسحر الأسرة في ذلك الوقت ؟

•• كان السحور وقتها طقساً ثابتاً لا يمكن إغفاله، فكنا نجتمع سوياً أثناء السحور الذي أظنه لا يخرج عن «الرز والإدام».

• ما النشاط المنزلي الذي كنت تُكلّف به ؟

•• في الغالب يناط بي جلب المقاضي (الأغراض)، ونقل بعض المأكولات للجيران، وهكذا.

• أي فرق أو ميزة كنت تشعر أنك تمايز بها أقرانك ؟

•• لا أتذكر أن هناك فارقاً بيني وبين زملائي ما عدا أني كنتُ مسالماً وصديقاً للجميع حتى وإن كانوا على خلاف بينهم، تربطني بهم العلاقة ذاتها.

• من تتذكر من زملاء الطفولة ؟

•• كلهم، رحم الله الميت منهم وأطال في عمر الحي منهم بصحة وعافية وعلى طاعته.

• ما برنامجك الرمضاني من الفجر إلى السحور ؟

•• جل أعمالي العلمية أنهيها في رمضان، فالسهر ليلاً في مكتبي بالجامعة حتى الساعة الواحدة - الثانية صباحاً، وعقب صلاة الفجر أنام إلى الساعة الـ12، وأحياناً الثانية ظهراً، وعقب العصر قراءة القرآن في الغالب، ولأن رمضان شهر مبارك، فإن أعمالي البحثية تتضاعف فيه، فالوقت فيه مبارك والإنجاز أسرع.

مبالغات القصائد

• أي الطبخات أو الأكلات أو الأطباق تحرص على أن تكون على مائدتك الرمضانية ؟

•• الشوربة، السمبوسة والحلا مع اللبن، التمر.

• هل تتابع برامج إذاعية أو تلفزيونية، وما هي ؟

•• لا أتابع برامج إذاعية أو تلفزيونية، كنتُ من متابعي «برنامج الكاميرا الخفية» الأجنبية (أوروبية /‏ أمريكية)، فهي سلسة ومباشرة ولا تحمل إهانة للمشارك أو تستغفله.

• لماذا يتناقص عدد الأصدقاء كلما تقدم بنا العمر ؟

•• في ظني عدة أمور، الأول الوفاة، والثاني التقاعد والانعزال، فهما يقللان من الأصدقاء، أما الثالث فهو النفسية سريعة الغضب عقب الـ50، وسماع الوشاة أو مبالغتهم في نقل أمور أو أحداث معينة، وكثرة القيل والقال ونقل الكلام، الذي غالباً ما يكون مبالغاً فيه.

• ما حكمتك الأثيرة ؟

•• اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.

• وبيت الشعر الذي تترنم به، واللون الذي تعشق ؟

•• شخصياً لا أقرأ الشعر ولا أتذوقه بنوعيه النبطي أو العربي الفصيح، ولكنني أتذوقهما من خلال الإلقاء، فإذا كان جيداً فإنني أسمع القصيدة، أما إذا كان مملاً فلا يشدني. ونفرتني المبالغات التي تظهر في القصائد، بل أحياناً تكون غير صحية سواء عند المدح أو الذم.

أشجع النصر • أي كتاب تقرأ اليوم ؟

•• حالياً لا أقرأ إلا في التخصص فقط، أيام الطفولة والشباب كنتُ من المتابعين لمجلات الكرتون (سوبرمان ولولو وغيرهما)، وفي مرحلة عمرية لاحقة تابعتُ بشدة مجلة الحوادث اللبنانية، والنهضة الكويتية، ومجلتي روز اليوسف وصباح الخير.

• هل لك ميول رياضية، وما فريقك المفضل ؟

•• نعم نادي البسطاء، كما سماه الإعلامي القدير أحمد الشمراني، نادي النصر، نادي المفضل رياضياً، فأنا أحب التحدي وأنجح في البيئة المتعبة أكثر من المريحة، والنصر (الذهب) عندي كذلك. وصدقني العشق لا حد له لكنه العشق الصحيح أي المعتدل، أبارك للفائز (إن فاز دون دفع رباعي)، وأتقبل الخسارة بروح طيبة ولا تزعجني أبداً. ولا أتردد في المشاركة بالطقطقة على نادي النصر مع أحبتي ورفاقي الهلاليين ومشجعي الأندية الأخرى.

• أي زمن أو عصر كنت تتمنى لو أنك عشت فيه ؟

•• لا شك زمن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وأن أكون مسلماً مشاركاً معه، لكن أملي وأدعو الله أن أكون من أولئك الذين يشفع لهم وممن يشرب من حوضه.